تأسيس فيسبوك وتطوره

تأسيس فيسبوك: بداية واحدة من أعظم قصص النجاح الرقمية في التاريخ

في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد العالم انطلاقة واحدة من أهم المنصات الرقمية التي غيرت شكل التواصل الاجتماعي، وهي فيسبوك. تأسس فيسبوك في فبراير عام 2004، على يد مارك زوكربيرغ بالتعاون مع مجموعة من زملائه في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان ذلك بداية رحلة طويلة ومليئة بالتحديات والنجاحات التي شكلت معالم ثورة التواصل عبر الإنترنت.

السياق التاريخي قبل تأسيس فيسبوك

في مطلع الألفية الجديدة، كانت وسائل التواصل الاجتماعي في بداياتها، وكانت منصات مثل “ماي سبيس” و”لينكدإن” تحاول فرض نفسها في السوق، لكن لم يكن هناك أي منصة توحد شبكات التواصل بين الطلبة الجامعيين أو العامة بشكل فعّال كما فعل فيسبوك لاحقاً. في ذلك الوقت، كانت معظم الشبكات الاجتماعية تفتقر إلى البساطة والسرعة والانتشار الواسع.

مارك زوكربيرغ، الطالب في جامعة هارفارد، كان يعمل على مشروع صغير اسمه “Facemash” في أواخر عام 2003. كان هذا المشروع عبارة عن موقع إلكتروني يسمح للطلاب مقارنة صور زملائهم واختيار الأكثر جاذبية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً داخل الجامعة بسبب انتهاكه لخصوصية الطلاب. ورغم إغلاق Facemash، أعطى هذا المشروع الأولي مارك فكرة واضحة حول رغبة الناس في التواصل والتعرف على بعضهم بطريقة رقمية أكثر تطوراً وأماناً.

تأسيس فيسبوك رسميًا

في 4 فبراير 2004، أطلق مارك زوكربيرغ مع رفاقه أندرو ماكولوم، داستن موسكوفيتز، وكريس هيوز موقع “Thefacebook.com”، وهو الاسم الأصلي للفيسبوك. في البداية، كان الهدف من الموقع توفير شبكة اجتماعية خاصة بطلاب جامعة هارفارد فقط. تم تصميم الموقع ليتيح للطلاب إنشاء ملفات شخصية تتضمن معلوماتهم الشخصية، اهتماماتهم، صورهم، بالإضافة إلى إمكانية التواصل مع زملائهم.

كان رد الفعل في جامعة هارفارد إيجابياً للغاية، حيث انضم آلاف الطلاب إلى المنصة خلال أيام قليلة فقط، وهو ما دفع الفريق المؤسس للتفكير في توسيع الخدمة لتشمل جامعات أخرى. لم تمضِ أشهر كثيرة حتى توسع فيسبوك ليشمل جامعات أخرى مثل ييل، ستانفورد، وبرينستون، لتصبح شبكة التواصل في مراحلها الأولى موجّهة حصريًا لطلاب الجامعات الأمريكية.

التطور والتوسع السريع

خلال عام 2004 نفسه، تمكن فيسبوك من جذب اهتمام المستثمرين والممولين، حيث حصل على أول استثمار كبير من بيتر ثيل، مؤسس شركة باي بال، بمبلغ مليون و200 ألف دولار. هذه الأموال ساعدت في تطوير المنصة وتحسين بنيتها التحتية.

مع نهاية عام 2004، بدأ فيسبوك بفتح أبوابه للجمهور الأوسع تدريجياً، حتى أصبح متاحاً لأي شخص يبلغ من العمر 13 عاماً أو أكثر بحلول عام 2006. هذا القرار كان نقطة تحول أساسية، إذ فتح المجال أمام ملايين المستخدمين من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى المنصة، مما أدى إلى زيادة هائلة في عدد المستخدمين.

العناصر التي ميزت فيسبوك عن غيره

منذ بداياته، تميز فيسبوك بالتركيز على تجربة المستخدم وسهولة التفاعل، حيث وفر واجهة مستخدم بسيطة وسلسة تسمح للمستخدمين بمشاركة صورهم وأفكارهم والتواصل مع الأصدقاء والعائلة بسرعة وسهولة. إضافة إلى ذلك، تميز فيسبوك بنظام “الأصدقاء” الذي أعطى تحكمًا دقيقًا في من يمكنه رؤية المحتوى الشخصي، مما عزز الشعور بالأمان والخصوصية.

كما أطلق فيسبوك ميزات مهمة مثل “جدار الأخبار” (News Feed) الذي ظهر عام 2006، والذي وفر تدفقًا مستمرًا لأحدث المنشورات والتحديثات من الأصدقاء، مما جعل المنصة أكثر جاذبية وتحفيزاً للبقاء متصلاً.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي لفيسبوك

منصة فيسبوك لم تكن مجرد موقع للتواصل الاجتماعي، بل أصبحت قوة اجتماعية واقتصادية ذات تأثير عالمي. خلال أقل من عقد من الزمن، تحولت إلى واحدة من أكبر الشركات التقنية في العالم، وتجاوز عدد مستخدميها ملياري مستخدم نشط شهرياً بحلول العقد الثاني من الألفية.

ساهم فيسبوك في تغيير مفاهيم التسويق الرقمي، حيث أصبح الخيار الأول للشركات والمؤسسات للتواصل مع جمهورها من خلال الإعلانات المستهدفة. كذلك كان له دور كبير في تسهيل حملات التوعية الاجتماعية والسياسية، وهو ما ظهر جلياً في العديد من الأحداث العالمية.

تطورات فيسبوك بعد التأسيس

بعد إطلاق الموقع، واصل مارك زوكربيرغ وفريقه إدخال تحديثات مستمرة تضمنت تحسينات في الخصوصية، إدخال ميزة الصفحات (Pages) والمجموعات (Groups)، فضلاً عن توسيع أدوات التفاعل مثل “الإعجابات”، التعليقات، والبث المباشر.

في عام 2012، أعلن فيسبوك عن إدراجه في سوق الأسهم في واحدة من أكبر الاكتتابات العامة في تاريخ الشركات التقنية. كما قام فيسبوك بشراء شركات ضخمة مثل واتساب وإنستغرام، مما عزز مكانته وأوسع نطاق تأثيره.

جدول يوضح مراحل تطور فيسبوك الرئيسية

الخاتمة

تأسيس فيسبوك كان نقطة تحول حقيقية في تاريخ التكنولوجيا الرقمية، حيث بدأت كمشروع جامعي صغير تحول إلى واحدة من أكبر وأشهر منصات التواصل الاجتماعي في العالم. لم يكن نجاح فيسبوك مجرد حظ أو صدفة، بل نتاج رؤية واضحة، تخطيط مدروس، وقدرة على التكيف مع المتغيرات التقنية والاجتماعية. هذه المنصة التي تأسست في 4 فبراير 2004، غيرت معالم التواصل بين الناس وجعلت العالم يبدو أقرب من أي وقت مضى، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به في مجال ريادة الأعمال الرقمية والتكنولوجيا الحديثة.

المصادر والمراجع

• Kaplan, Andreas M., and Michael Haenlein. “Users of the world, unite! The challenges and opportunities of Social Media.” Business Horizons 53.1 (2010): 59-68.

• Isaac, Mike. “Facebook: The Inside Story.” Simon & Schuster, 2020.