في الوقت الحاضر، ينجذب المشاهد العربي بشكل متزايد إلى مشاهدة المسلسلات التركية، خاصة تلك التي تأخذ طابعًا تاريخيًا. يعزى هذا الانتقال الظاهر في اتجاه تفضيل المشاهدين للإنتاجات التركية إلى القيم التربوية والدينية القوية التي تتناولها هذه المسلسلات، والتي أصبحت مصدر جذب رئيسي للجماهير العربية.
لقد شهد الذوق العربي تحولًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت المسلسلات الهندية هي السائدة لفترة طويلة. ويعكس هذا التحول تغير المزاج العربي نحو الأسرة والقيم التربوية، ويعتبر انتقال المشاهدين إلى المسلسلات التركية استعادة للقيم التي اختفت تدريجيًا من الشاشات العربية.
لعقود طويلة، كانت صناعة الأفلام والمسلسلات في الوطن العربي متخذة من الابتذال والانحلال الأخلاقي أسلوبًا رئيسيًا. وفي هذا السياق، تؤكد استشارية حقوق المرأة والطفل عبلة البدري على أن الدراما المصرية ووسائل الإعلام كانتا من بين أسباب ارتفاع معدلات العنف في مصر، حيث قدمت حوادث مبالغ فيها تدرب الشباب على الجريمة.
من جانبه، يشير الفنان الكويتي فيصل العميري إلى أن تغييرات في الذوق الأسري قد حدثت، حيث أصبحت لكل فرد في الأسرة ذوقه الخاص، ويعزو ذلك إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى العميري أن التنوع مرغوب فيه، ولكن يجب أن لا يتسبب في فقدان الوعي المجتمعي.
تتميز المسلسلات التاريخية التركية، مثل “قيامة أرطغرل” و”قيامة عثمان”، بقوة الحبكة الدرامية والسيناريو المتقن، وأداء الشخصيات الرائع، وروعة الموسيقى، مما يجذب الجماهير بشكل استثنائي. على العكس من الإنتاجات العربية التي تلتهم الشاشات بالعرض الزائد للعنف وقيم البلطجة، تبرز المسلسلات التركية بتقديم صورة أكثر قربًا للفطرة الإنسانية، خاصة في تصوير دور المرأة كركيزة أساسية في بنية الأسرة.
من هنا، يظهر أن المشاهدين العرب يجدون في هذه الإنتاجات التركية تمثيلاً للقيم التقليدية والدينية التي يحتفظون بها. يعكس هذا الاهتمام في التفضيل باتجاه المسلسلات التاريخية التركية استجابة للحاجة الملحة للمشاهد العرب لتجربة درامية تتناسب مع قيمهم وتربيتهم الدينية.
المزيد من المعلومات
تعتبر المسلسلات التركية التاريخية جزءًا لا يتجزأ من التحولات الثقافية التي يشهدها العالم العربي. مع ظهور مسلسل “قيامة أرطغرل”، الذي كان من أبرز روائع الدراما التاريخية التركية، أصبح الجمهور العربي يستمتع بتجارب تلفزيونية غنية بالتفاصيل التاريخية والقيم الثقافية.
“قيامة أرطغرل” لم يكن مجرد مسلسل ترفيهي، بل كان يحمل رسالة تاريخية هامة حول الفترة الزمنية التي سبقت قيام الدولة العثمانية. من خلال تصوير حياة البطل أرطغرل بن سليمان شاه ومساهمته في تأسيس الدولة العثمانية، تم تقديم درس في الشجاعة والتحدي والإيمان.
وبفضل النجاح الكبير الذي حققه “قيامة أرطغرل”، قامت الشركات المنتجة في تركيا بتقديم المزيد من المسلسلات التاريخية، بما في ذلك “قيامة عثمان” الذي تم عرضه لاحقًا. هذا المسلسل استكمل رحلة السرد التاريخي والدعوة إلى القيم التقليدية، مع التركيز على فترة نشأة الدولة العثمانية بيد غازي عثمان بن أرطغرل.
من الملفت للنظر أن هذه المسلسلات لا تقتصر على الإعجاب فقط بين الفئة العمرية الكبيرة، بل أيضًا بين الشباب والمراهقين، مما يشير إلى تأثيرها الإيجابي وقدرتها على جذب فئات واسعة من المشاهدين.
يظهر هذا الانتقال إلى المسلسلات التاريخية التركية أيضًا كرد فعل على ما يُعرف بـ “المحتوى الفارغ” الذي طغى على الكثير من الإنتاجات العربية، حيث كانت الدراما العربية تعتمد بشكل كبير على العناصر السطحية وتقديم الحبكات البسيطة.
التأثير الثقافي لهذه المسلسلات التاريخية التركية يتجاوز حدود الشاشة، حيث بدأت تلك القصص تترسخ في الوعي الجماعي للمشاهدين العرب، وتعزز التواصل بين الثقافة التركية والثقافة العربية.
في النهاية، يظهر انتقال المشاهدين العرب إلى المسلسلات التركية التاريخية كتجربة جديدة ومثرية، تتيح لهم فهم أعماق التاريخ الإسلامي والعربي بطريقة مشوقة وممتعة، وتوفر لهم محتوى ذا قيمة ثقافية وتربوية.