الإرهاق هو حالة تعب شديدة ناتجة عن الجهد الجسدي أو العقلي المكثف لفترة طويلة دون راحة كافية، وقد يؤثر بشكل كبير على قدرة عمال الرعاية الصحية على التعاطف مع المرضى والمراجعين. في سياق الرعاية الصحية، يُعتبر التعاطف أحد العناصر الأساسية لتقديم خدمة فعّالة وإنسانية، حيث يساهم في تحسين تجربة المريض وزيادة رضاه وثقته بالنظام الصحي.
يشير البحث العلمي إلى أن الإرهاق قد يقلل من قدرة العمال في الرعاية الصحية على التعاطف بسبب عدة عوامل، منها:
-
نقص الطاقة البدنية والعقلية: عندما يشعر الشخص بالإرهاق، فإن لديه نقص في الطاقة البدنية والعقلية، مما يؤثر على قدرته على الانخراط بشكل فعّال مع المرضى والتعبير عن التعاطف والاهتمام بمشاعرهم واحتياجاتهم.
-
تقلب المزاج: الإرهاق قد يؤدي إلى تقلبات في المزاج مثل الانزعاج والتهيج، مما يجعل من الصعب على العامل في الرعاية الصحية البقاء هادئًا ومتفهمًا في التعامل مع المرضى.
-
تقليل الانتباه والتركيز: الإرهاق يمكن أن يؤثر على قدرة الشخص على التركيز والانتباه، مما يؤدي إلى إهمال بعض الجوانب الهامة في التعامل مع المرضى مثل سماع احتياجاتهم بعناية وفهمها بشكل كامل.
-
انعدام الرغبة في التفاعل الاجتماعي: قد يؤدي الإرهاق إلى انخفاض في الرغبة في التفاعل الاجتماعي، مما يجعل العمال في الرعاية الصحية أقل عرضة للتعبير عن التعاطف والدعم العاطفي للمرضى.
-
الاكتئاب والإحباط: يمكن أن يؤدي الإرهاق المستمر إلى الشعور بالاكتئاب والإحباط، مما يزيد من صعوبة العمل بأمانة وتفانٍ في الرعاية الصحية.
بما أن التعاطف يعتبر جزءًا أساسيًا من الرعاية الصحية الجيدة، فإن إدارة الإرهاق لدى عمال الرعاية الصحية تعتبر ضرورية لضمان استمرارية تقديم الخدمات بجودة عالية. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير بيئة عمل صحية وداعمة، وتعزيز الاهتمام بصحة العاملين وضمان حصولهم على الراحة والدعم اللازمين، بالإضافة إلى توفير فترات استراحة منتظمة وبرامج دعم نفسي وعاطفي لهم.
المزيد من المعلومات
بالإضافة إلى العوامل المذكورة سابقًا، هناك بعض الدراسات التي تسلط الضوء على تأثير الإرهاق على قدرة عمال الرعاية الصحية على التعاطف والرعاية الشخصية. على سبيل المثال، دراسة نُشرت في مجلة “Journal of Occupational Health Psychology” في عام 2017 أجراها باحثون في جامعة يل في الولايات المتحدة لتقييم كيفية تأثير الإرهاق على توجيه الانتباه والتعاطف لدى أطباء الرعاية الأولية.
أظهرت الدراسة أن الأطباء الذين يعانون من الإرهاق المزمن يظهرون مستويات منخفضة من الانتباه والتعاطف في التعامل مع المرضى، مما يؤثر سلبًا على جودة الرعاية التي يمكن أن يقدموها. كما أشارت الدراسة إلى أن الأطباء الذين يعانون من الإرهاق يميلون إلى الشعور بالحسرة والإحباط، وقد يتجنبون التفاعل الاجتماعي مع المرضى بشكل عام.
وفي سياق مماثل، قام باحثون في جامعة جونز هوبكنز بإجراء دراسة حول تأثير الإرهاق على أداء الممرضات في وحدات العناية المركزة. أظهرت الدراسة أن الممرضات اللائي يعانين من الإرهاق يميلن إلى إظهار مستويات منخفضة من التعاطف مع المرضى وأسرهم، مما يؤثر على تجربة الرعاية والشعور بالدعم لدى المرضى وأسرهم.
ومن المهم أيضًا أن نشير إلى أن الإرهاق ليس فقط يؤثر على التعاطف مع المرضى، ولكنه قد يؤثر أيضًا على علاقة العامل بزملائه في العمل وحتى مع الأطباء الآخرين، مما يؤثر على التنسيق والتعاون في فريق الرعاية الصحية.
في النهاية، يظهر أن إدارة الإرهاق وتعزيز صحة العاملين في الرعاية الصحية يلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على جودة الرعاية وتعزيز التعاطف والدعم العاطفي للمرضى وأسرهم. تطبيق سياسات وبرامج داعمة في مؤسسات الرعاية الصحية يمكن أن يساهم في تقليل مستويات الإرهاق وتعزيز قدرة العمال في الرعاية الصحية على تقديم رعاية شخصية ومحترفة.