بولا: تأملات في الحياة والموت
تُعَدُّ “بولا” للكاتبة إيزابيل أليندي، والتي ترجمها مارغريت سايرز بيدينج، إحدى الأعمال الأدبية التي تجمع بين الذاتية والواقعية، حيث تنسج من خيوط الحزن والأمل، وتعيد رسم لوحة حية لماضيها العائلي وتجربتها الشخصية في مواجهة الموت. نُشِرَت هذه السيرة الذاتية باللغة الإسبانية في عام 1995، وتعتبر من بين الأعمال البارزة في أدب السيرة الذاتية.
تبدأ القصة بنبرة مأساوية، حيث تلقي الضوء على معاناة الكاتبة إيزابيل أليندي التي شهدت مرض ابنتها بولا، التي أصيبت في ديسمبر 1991 بمرض خطير أدخلها في غيبوبة عميقة. ونتيجةً لهذا الوضع المأساوي، قررت أليندي أن تسرد قصة عائلتها لبولا، وهي في غيبوبتها، كنوع من أنواع الطقوس المهدئة والاعترافات الشخصية، التي تهدف إلى تعريتها من الأحزان واستحضار الماضي كوسيلة لمواجهة الحاضر.
تستحضر أليندي في صفحات هذا الكتاب ذكرياتٍ شخصيةً وعائليةً حيةً، حيث تصف بأسلوبها الأدبي الفريد تفاصيل حياة أسرتها، بدءاً من أسلافها الغريبي الأطوار مروراً بذكريات طفولتها الجميلة والمريرة على حد سواء، وصولاً إلى ذكريات شبابها المليئة بالمغامرات والقصص العجيبة. تُقدِّم هذه الذكريات في سياق فني يهدف إلى الكشف عن الأسرار العائلية التي مرت بمرور الزمن، وتسلط الضوء على الأبعاد الثقافية والسياسية في حياة عائلتها.
تُعدُّ رواية “بولا” شهادة حية على التأثيرات العميقة التي تركها النظام العسكري في تشيلي على حياة أليندي وعائلتها، حيث تأخذنا عبر أحداث الانقلاب العسكري في عام 1973، ثم حكم الدكتاتورية الذي تلا ذلك، وما تسبَّب فيه من معاناة ونفي لأفراد العائلة. من خلال استحضار هذه الأحداث المأساوية، يتضح كيف أثرت هذه التجارب على حياة أليندي وأسرتها، وكيف كانت هذه التجارب المحورية في تشكيل هويتهم وصراعاتهم.
بالإضافة إلى ذلك، تتسم الرواية بجوانبها الأدبية العميقة، حيث تدمج بين السرد الشخصي والتاريخي، مما يوفر للقارئ تجربة فريدة تستكشف كيف يمكن أن تكون الكتابة وسيلة للتعامل مع الألم وفقدان الأحبة. تُعَدُّ الكتابة لبولا، وهي في غيبوبتها، تجسيداً للفن الأدبي كأداة للتداوي، إذ تسعى أليندي من خلال سرد ذكرياتها وتجاربها إلى العثور على معنى وجمال في أحلك اللحظات.
عبر صفحات “بولا”، تقدم إيزابيل أليندي تعبيراً مؤثراً عن التحديات التي تواجهها العائلات تحت ضغوط الحياة والموت، وتستعرض كيف يمكن أن تكون التجارب الشخصية معانات وصراعاتٍ تعكس أعمق جوانب الوجود الإنساني. في النهاية، تُظهِر الرواية أن الكتابة ليست فقط وسيلة للتعبير عن الذات، بل أيضاً أداة قوية للتعامل مع الألم والمأساة، مما يجعل “بولا” عملاً أدبياً مميزاً يُثري المكتبة الأدبية بلمساتٍ إنسانية عميقة.