برنامج “The Circle France”: مزيج من التنافس الاجتماعي والألعاب الرقمية
منذ أن انطلق برنامج “The Circle” في نسخته الأمريكية في عام 2018، بدأ يشق طريقه إلى مختلف أنحاء العالم ليحظى بشعبية كبيرة في العديد من البلدان، ومن بينها فرنسا التي قدّمت نسختها الخاصة من البرنامج في أبريل 2020. يُعتبر “The Circle France” واحدًا من أبرز البرامج الترفيهية الواقعية التي تستفيد من أسلوب الحياة الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتلاقى التنافس الاجتماعي مع استراتيجيات الحياة الرقمية في بيئة افتراضية. يجمع البرنامج بين الصراع على الشهرة والمكاسب المالية عبر استخدام استراتيجيات مغرية ومتنوعة.
ما هو برنامج “The Circle France”؟
برنامج “The Circle France” هو النسخة الفرنسية من برنامج “The Circle” الشهير، الذي يُعرض عبر منصات البث المباشر مثل “نتفليكس”. على الرغم من أن البرنامج يستمد جوهره من سابقة أمريكية، إلا أن النسخة الفرنسية تميزت بلمسات محلية تتماشى مع الثقافة والذوق الفرنسي. في هذا البرنامج، يتنافس مجموعة من المتسابقين في لعبة اجتماعية تعتمد بشكل كامل على التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي. يدور التحدي حول كيفية تفاعل هؤلاء المتسابقين مع بعضهم البعض في بيئة افتراضية، بينما يقتصر تواصلهم على تطبيقٍ مشابه للتطبيقات الاجتماعية المعروفة، حيث يمكن لكل منهم عرض صورة وهمية عن نفسه، إما أن يكون صادقًا أو أن يتبع أسلوب “التضليل” أو “التمويه” المعروف باسم “الكاتفيش”.
مفهوم اللعبة: التنافس على المال والشهرة
الهدف الرئيسي لمتسابقي “The Circle” هو الفوز بجائزة نقدية كبيرة تبلغ 100,000 يورو. لكن الطريق إلى هذه الجائزة ليس سهلًا، إذ يتعين على المتسابقين استخدام الذكاء الاجتماعي، الحيلة، والاستراتيجيات لتكوين تحالفات، إقناع الآخرين بالتحالف معهم، وفي ذات الوقت التعامل مع المخاطر المحتملة المترتبة على “الكاتفيش” أو تضليل الآخرين.
يُختبر المشاركون على مدار الموسم في قدرتهم على التأثير على مشاعر وآراء الآخرين، وفي نفس الوقت التلاعب بالمعلومات والتفاعل عبر الانترنت بطرق تختلف تمامًا عن التفاعلات الطبيعية في الحياة اليومية. ومع كل جولة، يُمنح المشاركون الفرصة لتقييم زملائهم في السكن أو التفاعل مع بعضهم البعض عن طريق التصويت، ويتم التخلص من المشاركين الذين يفشلون في بناء علاقات قوية أو الذين يواجهون صعوبة في اللعب بالاستراتيجيات المناسبة.
المحتوى والتجربة الافتراضية
تكمن جاذبية البرنامج في طريقة تقديمه لمفهوم “التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت”. نظرًا لأن كل تفاعل بين المتسابقين يتم عبر الشاشات، يمكن للمشاهدين أن يشعروا وكأنهم يتشاركون في هذه اللعبة مع المتسابقين أنفسهم. يعتمد المتسابقون على منصة تُحاكي تطبيقات التواصل الاجتماعي المعروفة مثل “إنستغرام” أو “فيسبوك”، حيث يتمكن كل منهم من إنشاء ملفات شخصية خاصة، ونشر صور، والتفاعل مع المشاركين الآخرين، في محاولة لإخفاء هويتهم الحقيقية أو خلق انطباع زائف.
إحدى أهم الخصائص الفريدة للبرنامج هي قدرته على الجمع بين التسلية الاجتماعية مع إبراز الجانب النفسي والاجتماعي من تفاعلات البشر. يسعى المتسابقون إلى بناء علاقات وثيقة أو تحالفات مع الآخرين بهدف ضمان بقائهم في اللعبة، وكلما زادت قدرة الشخص على تقليد سلوكيات الآخرين وفهمهم، زادت فرصه في الوصول إلى الفوز.
أهمية لعبة الكاتفيش: هل هي استراتيجية أم خيانة؟
في “The Circle France”، تُعتبر لعبة “الكاتفيش” أحد المفاهيم المحورية التي تضفي إثارة على كل حلقة. في هذه اللعبة، يختار بعض المتسابقين تقديم أنفسهم على أنهم شخصيات مختلفة تمامًا عن شخصياتهم الحقيقية. قد تكون هذه الشخصيات عبارة عن أصدقاء أو أفراد من العائلة أو حتى أشخاص خياليين.
من وجهة نظر البعض، يُعد هذا النوع من التضليل جزءًا من الاستراتيجية المطلوبة للنجاح، بينما يراه آخرون خيانة لأبسط قواعد التفاعل الاجتماعي. يخلق هذا التباين بين الأخلاقيات الشخصية والاستراتيجيات المطلوبة جوًا من التوتر، مما يزيد من الحدة في اللعبة ويجعل المشاهدين يتساءلون: هل تكمن الفعالية في أن تكون صادقًا أم أن تكون محتالًا ذكيًا؟
الجوانب النفسية في “The Circle France”
كما هو الحال في العديد من برامج الواقع، يعكس “The Circle France” صراعًا داخليًا لدى المشاركين بين تفعيل قدرتهم على التلاعب بالأشخاص وبين الحفاظ على نزاهتهم الأخلاقية. هذا الأمر يُظهر التوتر النفسي الذي يشعر به المتسابقون في اللحظات الحرجة عندما تكون قراراتهم مصيرية، سواء كان في اختيار من سيتم تصويته أو في تحديد ما إذا كانوا سيكشفون عن هويتهم الحقيقية أم لا.
هل هو مجرد برنامج للمتعة أم استكشاف اجتماعي؟
على الرغم من أن برنامج “The Circle France” يُعرض ضمن فئة البرامج الترفيهية الواقعية، إلا أنه يقدم نظرة معمقة على سلوك البشر في بيئات اجتماعية مُعتمدة على التواصل الرقمي. يعكس البرنامج كيف يمكن أن تؤثر التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الشخصية، ويظهر كيف أن الإنترنت يمكن أن يكون ساحة مفتوحة للتلاعب، والتحايل، وبناء الهويات الوهمية.
إن التفاعلات الافتراضية التي يقدمها “The Circle” تفتح المجال أمام التفكير في مدى تأثير هذا النوع من البرامج على المجتمع. هل نحن بالفعل في عصر أصبح فيه التعامل عبر الإنترنت هو الطريقة المهيمنة على تفاعلاتنا الاجتماعية؟ وهل يمكن لمثل هذه البرامج أن تعكس بدقة ما يحدث بالفعل في تفاعلاتنا اليومية عبر الإنترنت؟ هذه الأسئلة تثير العديد من النقاشات في الأوساط الاجتماعية والثقافية حول العالم.
ختامًا
يُعد برنامج “The Circle France” من أهم البرامج الواقعية في فرنسا، حيث يجمع بين الإثارة الترفيهية وتحليل الأنماط السلوكية في عصر الإعلام الرقمي. وبينما يتنافس المتسابقون على الجائزة الكبرى، يراقب الجمهور كيف تتصاعد استراتيجياتهم ويتكشفون بشكل تدريجي. في النهاية، يشكل البرنامج نقطة لقاء بين التسلية العميقة والمعرفة الاجتماعية التي تسلط الضوء على بعض من أكثر التحديات التي نواجهها في تفاعلاتنا عبر الإنترنت.