التهاب الأذن عند الأطفال: الأسباب، الأنواع، الأعراض، التشخيص، العلاج، الوقاية والمضاعفات

يُعد التهاب الأذن عند الأطفال من أكثر الأمراض شيوعاً في مرحلة الطفولة، حيث تشير الإحصائيات الطبية إلى أن معظم الأطفال يصابون بنوبة واحدة على الأقل من التهاب الأذن الوسطى قبل بلوغهم سن الثالثة. يشكل هذا المرض مصدر قلق دائم للأهل، خاصةً مع تكرار العدوى وتأثيرها المحتمل على السمع والنطق والنمو المعرفي للطفل. ويكتسب الموضوع أهمية مضاعفة عند النظر إلى العواقب طويلة الأمد التي قد تنجم عن التهاب الأذن المزمن أو المتكرر، مثل ضعف السمع الدائم أو تأخر في التطور اللغوي والمعرفي.

أولاً: تشريح الأذن لفهم آلية الالتهاب

لفهم طبيعة التهاب الأذن، لا بد من استعراض التركيب التشريحي للأذن. تتكون الأذن من ثلاث أقسام رئيسية:

• الأذن الخارجية: تشمل صيوان الأذن والقناة السمعية الخارجية، وتعمل على تجميع الأمواج الصوتية وتوجيهها إلى الداخل.

• الأذن الوسطى: تقع خلف طبلة الأذن وتحتوي على ثلاث عظيمات سمعية (المطرقة، السندان، الركاب) التي تنقل الاهتزازات الصوتية إلى الأذن الداخلية. تتصل الأذن الوسطى بالبلعوم الأنفي عن طريق قناة استاكيوس، التي تنظم الضغط داخل الأذن وتُصرف الإفرازات.

• الأذن الداخلية: تتكون من القوقعة المسؤولة عن السمع، والجهاز الدهليزي المسؤول عن التوازن.

يحدث التهاب الأذن الوسطى عادة نتيجة انتقال العدوى إلى الأذن الوسطى عبر قناة استاكيوس، خاصة في حالات الزكام أو التهابات الجهاز التنفسي العلوي.

ثانياً: أنواع التهاب الأذن عند الأطفال

تنقسم التهابات الأذن عند الأطفال إلى عدة أنواع، تبعاً لمكان الالتهاب ومدته وشدته:

1. التهاب الأذن الوسطى الحاد (Acute Otitis Media – AOM)

وهو الشكل الأكثر شيوعاً، ويحدث غالباً بسبب عدوى بكتيرية أو فيروسية تؤدي إلى تجمع السوائل خلف طبلة الأذن. يتميز بأعراض مفاجئة مثل الألم، الحمى، والبكاء المستمر عند الرضع.

2. التهاب الأذن الوسطى مع انصباب (Otitis Media with Effusion – OME)

يحدث نتيجة بقاء سوائل في الأذن الوسطى بعد زوال العدوى الحادة، وغالباً لا يسبب ألم أو حرارة لكنه قد يؤدي إلى ضعف السمع المؤقت.

3. التهاب الأذن الوسطى المزمن (Chronic Otitis Media)

يتكرر الالتهاب أو يستمر لفترة طويلة، وقد يصاحبه انثقاب دائم في طبلة الأذن وإفرازات متواصلة، ويُعد من الحالات التي تستدعي تدخلًا طبيًا متخصصًا لتجنب المضاعفات الدائمة.

4. التهاب الأذن الخارجية (Otitis Externa)

يصيب القناة السمعية الخارجية، وغالباً ما يُعرف بـ”أذن السباح” نتيجة لتعرض الأذن للماء بشكل مفرط. يتميز بالحكة، الألم عند لمس الأذن، والإفرازات.

ثالثاً: الأسباب وعوامل الخطر

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى التهاب الأذن عند الأطفال، وهي غالباً ما تكون مرتبطة بعدوى تنفسية أو بضعف في آلية تصريف السوائل من الأذن الوسطى. تشمل الأسباب وعوامل الخطر ما يلي:

• العدوى الفيروسية أو البكتيرية: كالزكام، الإنفلونزا، أو التهاب الجيوب الأنفية.

• قصور في وظيفة قناة استاكيوس: شائع لدى الأطفال بسبب قصر القناة وضعفها، مما يسهل انتقال الجراثيم والسوائل إلى الأذن.

• العمر: الأطفال دون سن الثالثة أكثر عرضة للإصابة بسبب عدم اكتمال نمو أجهزتهم المناعية والتشريحية.

• الرضاعة الصناعية بوضعية الاستلقاء: تزيد من خطر انتقال السوائل إلى الأذن الوسطى.

• التدخين السلبي: تعرض الطفل لدخان السجائر يزيد من احتمالية الإصابة بالتهابات الأذن.

• التحاق الطفل بالحضانات: يزيد من فرص العدوى نتيجة الاحتكاك مع أطفال آخرين.

رابعاً: الأعراض والعلامات السريرية

تتباين الأعراض حسب نوع الالتهاب وعمر الطفل، لكن هناك علامات شائعة يجب التنبه لها:

• البكاء المستمر والانزعاج، خاصةً أثناء الرضاعة أو النوم

• شد أو فرك الأذن بشكل متكرر

• ارتفاع درجة الحرارة

• قلة الشهية

• خروج إفرازات صفراء أو دموية من الأذن

• ضعف السمع المؤقت أو عدم الاستجابة للأصوات

• مشاكل في التوازن أو دوخة (خاصة في التهابات الأذن الداخلية)

خامساً: التشخيص الطبي

يعتمد الطبيب في تشخيص التهاب الأذن على مجموعة من الوسائل والفحوصات، منها:

• الفحص السريري باستخدام منظار الأذن (Otoscope): يُستخدم لرؤية طبلة الأذن وتحديد وجود احتقان أو سوائل.

• اختبار السمع (Audiometry): يُستخدم في حالات التهاب الأذن المزمن أو مع الانصباب لتحديد تأثير الالتهاب على السمع.

• قياس الضغط في الأذن الوسطى (Tympanometry): يكشف عن وجود سوائل خلف الطبلة أو مشاكل في حركة الطبلة.

• اختبارات مخبرية نادرة: مثل زراعة إفرازات الأذن في الحالات المزمنة أو المعقدة لتحديد نوع البكتيريا.

سادساً: العلاج

1. العلاج الدوائي

• المضادات الحيوية: مثل الأموكسيسيلين تُستخدم في حالات الالتهاب البكتيري الحاد، خاصة عند الأطفال دون عمر سنتين أو في حال استمرار الأعراض.

• مسكنات الألم وخافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين لتخفيف الأعراض.

• قطرات الأذن: تُستخدم في حالات التهاب الأذن الخارجية فقط وتحت إشراف طبي.

2. العلاج غير الدوائي والداعم

• إبقاء الطفل في وضعية منتصبة أثناء الرضاعة

• تطبيق كمادات دافئة على الأذن لتخفيف الألم

• التأكد من حصول الطفل على سوائل كافية

3. التدخل الجراحي

• تركيب أنابيب تهوية (Tympanostomy Tubes): يُلجأ إليها في حالات التهاب الأذن المزمن مع انصباب أو المتكرر.

• استئصال اللوزتين أو اللحمية: في حال كانت سببًا في انسداد قناة استاكيوس وتكرار الالتهاب.

سابعاً: الوقاية

تشكل الوقاية من التهاب الأذن عند الأطفال خطوة حاسمة للحد من تكرار الإصابة والآثار الجانبية. تشمل إجراءات الوقاية ما يلي:

• الرضاعة الطبيعية: خلال الستة أشهر الأولى على الأقل، لما لها من دور في تقوية الجهاز المناعي.

• تجنب التدخين السلبي: ضرورة إبعاد الطفل عن بيئة مدخنة.

• الحرص على التلقيح: خاصة لقاح المستدمية النزلية (Hib)، واللقاح المضاد للمكورات الرئوية، واللقاح ضد الإنفلونزا الموسمية.

• الاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين: لتقليل العدوى التنفسية.

• تجنب إرضاع الطفل وهو مستلقٍ على ظهره

ثامناً: المضاعفات المحتملة

إذا لم يُعالج التهاب الأذن بشكل سليم، أو في حال تكرار الالتهابات، فقد تحدث مضاعفات خطيرة تشمل:

• ضعف السمع المؤقت أو الدائم

• ثقوب في طبلة الأذن

• التهاب الخشاء (Mastoiditis): التهاب يصيب العظم خلف الأذن ويُعد من المضاعفات النادرة والخطيرة.

• التهاب السحايا: انتقال العدوى إلى الجهاز العصبي المركزي.

• تأخر في تطور اللغة والكلام

• مشاكل في التوازن

جدول يوضح الفرق بين الأنواع الثلاثة الرئيسية لالتهاب الأذن

تاسعاً: اعتبارات خاصة لبعض الفئات العمرية

الرضع دون عمر ستة أشهر:

يُفضل العلاج بالمضادات الحيوية حتى مع غياب أعراض شديدة، نظراً لعدم اكتمال جهازهم المناعي وخطر حدوث المضاعفات.

الأطفال المصابون بمتلازمات أو إعاقات سمعية:

تحتاج هذه الفئة إلى متابعة دقيقة وتشخيص مبكر، لأن التأثير على السمع لديهم قد يكون مضاعفاً في حال الإصابة بالتهاب الأذن.

الأطفال المصابون بالحساسية أو تضخم اللحمية:

هم أكثر عرضة للإصابة المتكررة بالتهاب الأذن ويُوصى بمتابعة متخصصة لتقييم الحاجة لتدخل جراحي مثل استئصال اللحمية أو تركيب أنابيب تهوية.

المصادر والمراجع

• American Academy of Pediatrics. (2013). The Diagnosis and Management of Acute Otitis Media.

• National Institute on Deafness and Other Communication Disorders (NIDCD), Otitis Media in Children. https://www.nidcd.nih.gov/health/ear-infections-children

هذا المقال يقدم مراجعة شاملة وعلمية لحالة طبية واسعة الانتشار بين الأطفال، ويجمع بين الجوانب الإكلينيكية والوقائية بطريقة مترابطة ومتعمقة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الطبية الحديثة.