درجة حرارة الحامل الطبيعية

درجة حرارة الحامل: المؤشرات، التغيرات، والدلالات الصحية أثناء فترة الحمل

تُعد فترة الحمل من الفترات الحيوية التي تمر بها المرأة، حيث تحدث خلالها تغيرات فسيولوجية عديدة على مستوى الجسم بأكمله، من ضمنها التغير في درجة حرارة الجسم. إن فهم طبيعة هذه التغيرات يساعد على تقديم رعاية أفضل للحامل ومتابعة أي مؤشرات قد تدل على وجود مشاكل صحية تستدعي التدخل. تختلف درجة حرارة الجسم خلال الحمل بشكل طفيف، إلا أن هذا الاختلاف قد يكون له دلالات مهمة على صحة الأم والجنين.

التغيرات الفسيولوجية في درجة حرارة الحامل

تبدأ درجة حرارة الجسم لدى المرأة الحامل في الارتفاع الطفيف منذ اللحظة الأولى لحدوث الحمل نتيجة التغيرات الهرمونية. بعد الإباضة، يفرز الجسم هرمون البروجسترون الذي يؤدي إلى ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم الأساسية (Basal Body Temperature). ومع استمرار الحمل، تبقى هذه الزيادة ضمن نطاق معين، لكنها قد تستمر طيلة الأشهر الأولى من الحمل.

تُعد الزيادة الطبيعية في درجة حرارة الجسم أثناء الحمل دليلاً على استقرار التغيرات الهرمونية ونجاح عملية التبويض وتثبيت البويضة المخصبة في بطانة الرحم. ومع ذلك، فإن أي ارتفاع غير طبيعي في درجة الحرارة قد يشير إلى وجود عدوى أو حالة مرضية، الأمر الذي يستوجب التدخل الطبي السريع.

القيم الطبيعية لدرجة حرارة الحامل

درجة حرارة الجسم الطبيعية للشخص البالغ عادةً ما تتراوح بين 36.1 إلى 37.2 درجة مئوية، وتُقاس عادة عن طريق الفم أو الإبط أو الأذن أو المستقيم. أما لدى الحامل، فقد ترتفع قليلاً لتصل إلى حدود 37.5 درجة مئوية، ويُعد هذا طبيعياً نتيجة لزيادة التمثيل الغذائي في الجسم وارتفاع مستويات هرمون البروجسترون، كما أن حجم الدم الزائد والعمل المكثف للأعضاء الحيوية يسهم في هذا الارتفاع.

ولكن في حال تجاوزت درجة الحرارة 38 درجة مئوية، يجب اعتبار ذلك إنذاراً بوجود خلل، حيث قد يشير هذا إلى الإصابة بعدوى بكتيرية أو فيروسية مثل الإنفلونزا، أو ربما مشاكل في المسالك البولية، أو حتى مضاعفات أكثر خطورة كالتهاب المشيمة والسلى.

أسباب ارتفاع درجة الحرارة لدى الحامل

هناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم لدى المرأة الحامل، وتتمثل أبرزها فيما يلي:

• التغيرات الهرمونية: كما سبق وذكرنا، فإن ارتفاع البروجسترون يرفع من درجة حرارة الجسم الأساسية.

• الجهد البدني الزائد: الحامل التي تمارس مجهوداً بدنياً زائداً أو تتعرض لدرجات حرارة عالية قد تختبر ارتفاعاً مؤقتاً في حرارتها.

• العدوى: وتشمل التهابات المسالك البولية، أو التهابات الجهاز التنفسي، أو الإنفلونزا.

• التعرض لضربات الشمس: الحامل أكثر عرضة للإصابة بضربات الحرارة نتيجة التحسس الشديد للبيئة المحيطة.

• اللقاحات أو التفاعلات الدوائية: بعض التطعيمات أو الأدوية قد تسبب ارتفاعاً طفيفاً في درجة الحرارة كأثر جانبي.

انخفاض درجة الحرارة أثناء الحمل

بالرغم من أن الكثير من التركيز يتم على ارتفاع درجة الحرارة، إلا أن انخفاضها عن المعدلات الطبيعية أيضاً قد يحمل دلالات مهمة. انخفاض الحرارة إلى أقل من 36 درجة مئوية قد يشير إلى وجود مشكلة في تنظيم حرارة الجسم، أو نقص في الطاقة، أو اضطرابات هرمونية، أو حتى مشكلات في الغدة الدرقية. في الحالات الشديدة، يمكن أن يؤثر ذلك على تدفق الدم إلى الجنين، مما يستدعي تقييماً طبياً دقيقاً.

مضاعفات ارتفاع الحرارة على الحمل

ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل غير طبيعي أثناء الحمل قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم التعامل معه بسرعة. وتشمل هذه المضاعفات:

• زيادة خطر التشوهات الخلقية: خاصة في الأسابيع الأولى من الحمل، حيث إن ارتفاع درجة الحرارة في وقت مبكر قد يؤثر سلباً على تكوّن الأنبوب العصبي للجنين.

• الإجهاض التلقائي: أظهرت بعض الدراسات وجود علاقة بين ارتفاع درجة حرارة الحامل والإجهاض في مراحل الحمل المبكرة.

• الولادة المبكرة: ارتفاع الحرارة في الثلث الأخير من الحمل قد يزيد من احتمالية الولادة قبل الأوان.

• مضاعفات للأم: مثل الجفاف، اضطراب في دقات القلب، والإصابة بنوبات التشنج الحراري.

قياس درجة الحرارة للحامل: الطرق والدقة

من المهم استخدام أدوات دقيقة لقياس درجة الحرارة خلال الحمل. يُفضل استعمال مقياس حرارة رقمي، ويتم القياس عبر الفم أو تحت الإبط أو الأذن. القياس عبر المستقيم يُعد الأكثر دقة لكنه أقل شيوعاً. يُنصح بقياس الحرارة في أوقات محددة يومياً لتقييم التغيرات بشكل موثوق.

الجدول التالي يوضح الفرق بين الطرق المختلفة لقياس درجة الحرارة:

طرق التعامل مع ارتفاع الحرارة أثناء الحمل

عند ملاحظة ارتفاع حرارة الجسم أثناء الحمل، من الضروري اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية المناسبة:

• الراحة التامة: تجنب أي مجهود بدني أو تعرض للحرارة المباشرة.

• شرب السوائل: الحفاظ على ترطيب الجسم عن طريق تناول كميات كافية من الماء.

• استخدام كمادات باردة: على الجبين أو خلف الرقبة لتقليل درجة الحرارة.

• الابتعاد عن الأدوية بدون استشارة: لا يُنصح بتناول خافضات الحرارة مثل الباراسيتامول إلا تحت إشراف طبي.

• زيارة الطبيب فوراً: إذا استمرت الحرارة مرتفعة لأكثر من 24 ساعة أو ظهرت أعراض مرافقة مثل التشنجات، القيء، أو آلام شديدة.

تأثير درجة الحرارة على الجنين

تُعد درجة حرارة جسم الأم من العوامل البيئية المؤثرة على تطور الجنين داخل الرحم. في الأسابيع الأولى من الحمل، يعتبر الجنين حساساً جداً للتغيرات في البيئة، وخاصة الحرارة. الدراسات تشير إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأم بمقدار أكثر من درجتين فوق الطبيعي قد يزيد من احتمالات حدوث تلف في الخلايا الجنينية أو التشوهات العصبية، خاصة إذا ترافقت الحرارة المرتفعة مع نقص الأوكسجين أو سوء التغذية.

كما أن استمرار الحمى أو الالتهابات قد يؤدي إلى تراجع في تدفق الدم عبر المشيمة، ما قد يؤثر على تغذية الجنين ونموه بشكل طبيعي. لذا فإن التعامل الطبي السريع مع أي ارتفاع في الحرارة يُعتبر ضرورة قصوى.

الوقاية من ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة أثناء الحمل

تتمثل الوقاية من اضطرابات درجة الحرارة خلال الحمل في الالتزام بأسلوب حياة صحي ومتوازن، والتقيد بالتعليمات الطبية:

• الابتعاد عن الأماكن الحارة والمزدحمة

• ارتداء ملابس قطنية خفيفة مناسبة للطقس

• الابتعاد عن التعرض المباشر لأشعة الشمس لفترات طويلة

• تجنب الأطعمة أو المشروبات التي تسبب ارتفاع حرارة الجسم، مثل الأطعمة الحارة أو المشروبات المنبهة

• الحفاظ على نظام غذائي متوازن يدعم المناعة والوظائف الحيوية

• الاهتمام بالنظافة الشخصية والتعقيم لتقليل فرص العدوى

• مراجعة الطبيب بانتظام وإبلاغه بأي تغير في درجة الحرارة أو أعراض غير مألوفة

خلاصة علمية

درجة حرارة الجسم أثناء الحمل تُعد من المؤشرات الحيوية المهمة التي تعكس توازن الجسم واستقراره خلال هذه المرحلة الحساسة. رغم أن الزيادة الطفيفة تُعتبر طبيعية نتيجة التغيرات الهرمونية والفسيولوجية، إلا أن أي ارتفاع ملحوظ ومستمر قد يكون مؤشراً على وجود مشكلة صحية تتطلب التشخيص والعلاج الفوري. كما أن انخفاض الحرارة، وإن كان أقل شيوعاً، قد يدل على مشاكل أيضية أو هرمونية لا يجب تجاهلها.

إن المتابعة الدورية والتزام الحامل بالتوصيات الصحية ومراقبة درجة حرارتها بشكل منتظم يُعدان من الوسائل الوقائية الأساسية لضمان سلامتها وسلامة الجنين حتى موعد الولادة.

المراجع:

1. Mayo Clinic. (2023). Pregnancy and fever: What’s the concern?

2. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). Guidelines on prenatal care.