كيفية استخراج العنبر من الحوت

كيف يُستخرج العنبر من الحوت؟

العنبر هو مادة ثمينة استُخدمت منذ العصور القديمة في صناعة العطور، وكذلك في الطب الشعبي. وتعد هذه المادة من أندر المواد الطبيعية في العالم، إذ يُستخرج بشكل رئيسي من الحيتان، وتحديدًا من نوع يُعرف باسم “الحوت العنبر” (Sperm Whale). وعلى الرغم من أن العنبر ليس مادة عضوية تتكون في جميع الحيتان، إلا أن هناك عملية محددة يتم من خلالها إنتاج هذه المادة داخل جسم الحوت، وكذلك طرق استخراجها من البحر بعد أن تُقذف إلى الشاطئ أو تطفو على سطح المياه.

تكوّن العنبر في الحوت

العنبر هو مادة شمعية تفرزها بعض أنواع الحيتان، ويُعتقد أن الحيتان تفرزه من جهازها الهضمي عندما تستهلك كميات كبيرة من الطعام، مثل الحبار. لكن لا يتم إنتاج العنبر في جميع الحيتان. تكوّن العنبر يتطلب وجود نوع خاص من الحيتان، وهو الحوت العنبر، الذي يُعتبر الوحيد القادر على إنتاج هذه المادة بكميات كبيرة.

المادة التي تنتجها الحيتان في البداية تكون في شكل مادة دهنية شمعية لزجة، تُسمى “الكيرين”. عندما تستهلك الحيتان الحبار، فإن أجزاء من الكائنات البحرية الكبيرة مثل مناقير الحبار يمكن أن تمر عبر جهازها الهضمي. هذه الأجزاء قد تتسبب في تهيج جدار المعدة، مما يدفع الحوت إلى إفراز مادة غريبة تُفرز داخل أمعائه لتغطية الأجسام الغريبة وتخفيف الضرر الناتج عنها.

يُعتقد أن هذه المادة، التي تُسمى “الزور” أو “الجوهر” (Ambergris)، يتم إنتاجها كرد فعل دفاعي ضد هذه الأجسام الغريبة، خاصة المناقير الحادة للحبار. بعد فترة من الزمن، تتكون المادة الشمعية في الأمعاء، وتصبح أكثر كثافة ولزوجة. تتجمع هذه المواد في أمعاء الحوت حتى تصل في النهاية إلى مستوى يمكن أن يتخلص منه الحوت.

عملية استخراج العنبر

1. الإفراز الطبيعي للعنبر

عندما يكمل الحوت عملية الهضم وتراكم مادة العنبر، قد يفرزها الحوت بشكل طبيعي عبر أنفه أو خلال عملية الإخراج. يتم طرد العنبر في بداية الأمر على شكل كتل صغيرة جدًا، ولكنها تتطور مع مرور الوقت لتصبح كتلًا ضخمة وتصبح أكثر صلابة.

2. العثور على العنبر في البحر

بعد أن يُفرز العنبر، يمكن أن يطفو على سطح الماء ويُحمل بواسطة التيارات البحرية إلى الشواطئ. تتراوح كتل العنبر التي تُلقى على الشواطئ من أحجام صغيرة إلى ضخمة قد تزن عدة كيلوجرامات. وتكون هذه الكتل مغطاة بطبقة رقيقة من الطحالب والرواسب البحرية بسبب مرورها في البحر. ومن ثم، يمكن للباحثين والصيادين جمع هذه الكتل من الشواطئ.

3. عملية الفحص والتصفية

في حال العثور على كتل العنبر في البحر أو على الشاطئ، يتم فحص هذه الكتل بعناية لاستخراج العنبر النقي. عادةً ما تكون الكتل الخارجية مغطاة بطبقة من المواد العضوية مثل الطحالب أو الرواسب البحرية. وبالتالي، يتم تنظيف العنبر وتصفية الشوائب منه للحصول على المادة النقية.

4. المرحلة النهائية للمعالجة

بعد التنظيف، يتم معالجة العنبر ليصبح صالحًا للاستخدام في صناعة العطور والمنتجات الأخرى. في هذه المرحلة، يتم ترك العنبر ليجف ويتم طحنه أو معالجته بطرق خاصة ليصبح جاهزًا للاستخدام. وقد تستغرق هذه العمليات فترة زمنية طويلة لضمان أن العنبر يحتفظ بجودته ورائحته المميزة.

استخدامات العنبر

العنبر له العديد من الاستخدامات التي جعلت منه مادة ثمينة للغاية. تُستخدم كتل العنبر بشكل أساسي في صناعة العطور الفاخرة، حيث يعطي رائحة فاخرة تدوم لفترات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر العنبر مادة أساسية في العديد من المستحضرات التجميلية التي تهدف إلى تعزيز الرائحة الجذابة.

1. في صناعة العطور

العطور التي تحتوي على العنبر تُعد من أغلى العطور في العالم، حيث يُعتبر العنبر من المكونات الأساسية في العطور الفاخرة التي تستخدم في الأسواق العالمية. العنبر يُعطي للعطور رائحة غنية وعميقة تجمع بين الحلاوة والحرارة، ويُضيف إليها عمقًا لا يمكن الحصول عليه من أي مكونات أخرى.

2. في الطب التقليدي

على مر العصور، كان العنبر يُستخدم في الطب الشعبي لعلاج العديد من الأمراض، بما في ذلك اضطرابات الجهاز الهضمي، والقلق، وبعض الأمراض الجلدية. كما يُعتقد أن العنبر يحتوي على خصائص مضادة للبكتيريا والفيروسات.

3. في صناعة الحلي والمجوهرات

في بعض الأحيان، يتم استخدام العنبر في صناعة الحلي والمجوهرات بفضل لونه الفاتن وشكله الفريد. يمكن تحويله إلى قطع فنية جميلة تُستخدم في صناعة الساعات، والأساور، والعقود.

4. في صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية

العنبر يستخدم في بعض الأحيان كمكون في صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية، بما في ذلك العلاجات التي تهدف إلى تحسين صحة الجلد وتنشيط الدورة الدموية.

الآثار البيئية والتجارية لاستخراج العنبر

على الرغم من أن العنبر يُعتبر مادة نادرة وقيمة، إلا أن استخراجها لا يخلو من التحديات البيئية والتجارية. يُعتبر جمع العنبر الذي يُفرز طبيعيًا من البحر نشاطًا تجاريًا لا يتطلب صيدًا نشطًا للحيتان، مما يعني أن هناك تأثيرًا بيئيًا ضئيلًا في هذا الجانب من العملية.

ومع ذلك، في بعض الحالات، يُمارس صيد الحيتان من أجل الحصول على العنبر، وهو ما يثير العديد من الجدل بشأن حقوق الحيوانات والحفاظ على البيئة البحرية. وبفضل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحظر صيد الحيتان، أصبحت عمليات استخراج العنبر أكثر انحصارًا في تلك الحيتان التي يُعتقد أنها تحمل العنبر بشكل طبيعي.

التحديات الاقتصادية

لا يزال العنبر، رغم ندرة وجوده وصعوبة استخراجه، يمثل مصدر دخل ضخم لأولئك الذين يتخصصون في جمعه أو تجارته. في بعض الدول، يتم بيع العنبر بأسعار باهظة جدًا، إذ قد يصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى عشرات الآلاف من الدولارات.

إلا أن هذا السوق يتسم بالتقلبات، ويعتمد بشكل كبير على العوامل البيئية مثل تغيرات الطقس التي تؤثر في تدفق كتل العنبر إلى الشواطئ. كما أن وجود مصادر بديلة للعطور والمواد الكيميائية قد يؤثر على الطلب على العنبر في المستقبل.

خلاصة

يُعتبر العنبر من أكثر المواد قيمة في العالم، وهو ناتج طبيعي من الحيتان، يتم الحصول عليه بعد مرور فترة طويلة من الزمن وتعرضه لعمليات بيولوجية معقدة. يتم استخراج العنبر إما من خلال عمليات الإفراز الطبيعية من الحيتان أو من خلال جمع الكتل التي تطفو على سطح الماء. بعد جمعه، يُخضع العنبر لعمليات معالجة وتنقية ليصبح جاهزًا للاستخدام في العديد من الصناعات، مثل صناعة العطور والمستحضرات التجميلية. لكن على الرغم من قيمته العالية، يبقى الحصول على العنبر تحديًا بيئيًا وتجاريًا، ويجب أن يتم بحذر وحفاظ على التنوع البيولوجي.