“انتصار التطور: وفشل الخلقوية” هو كتاب من تأليف نيلز إلدردج، وهو أمين قسم علم الحفريات اللافقارية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي. في هذا الكتاب، يقوم إلدردج بمواجهة وتفنيد الحجج التي يطرحها المسيحيون المحافظون ضد نظرية التطور ولمصلحة الخلق الإلهي. يتناول الكاتب الحجج الأساسية والاستراتيجيات التي يستخدمها هؤلاء المحافظون لتعزيز آرائهم، بالإضافة إلى الهجوم الحديث على الطبيعية الفلسفية، والنماذج المطروحة للتصميم الذكي.
يبدأ إلدردج بتوضيح كيف أن هؤلاء المحافظين يستخدمون أساليب متعددة لترويج أفكارهم ضد التطور، بما في ذلك الاستشهاد بآيات دينية وتقديم ما يسمى بالأدلة العلمية الزائفة. يتناول الكاتب بالتفصيل الخطوات التي اتخذها هؤلاء لمهاجمة التعليم العلمي في المدارس ومحاولة إدخال نظرية الخلق كبديل علمي لنظرية التطور.
إحدى النقاط الرئيسية التي يطرحها إلدردج هي الهجوم على الطبيعية الفلسفية، وهي الفكرة التي تقول بأن جميع الظواهر الطبيعية يمكن تفسيرها من خلال القوانين الطبيعية دون الحاجة إلى تدخل خارق. يوضح الكاتب كيف أن مهاجمة الطبيعية الفلسفية هي جزء من استراتيجية أوسع لزعزعة الثقة في العلم والترويج لأيديولوجية دينية بحتة.
كما يناقش الكاتب نماذج التصميم الذكي، والتي يدعي أنصارها أن بعض الكائنات الحية معقدة للغاية بحيث لا يمكن تفسيرها إلا من خلال تدخل مصمم ذكي. يعرض إلدردج تفنيداً علمياً لهذه النماذج، موضحاً كيف أن التطور من خلال الانتقاء الطبيعي يقدم تفسيراً أكثر اتساقاً وموثوقية للتعقيد الحيوي.
وفي جزء آخر من الكتاب، يدحض إلدردج الادعاء بأن دراسة التطور ليست علمية وأنها تؤدي إلى تدهور القيم الأسرية والدينية والتقليدية. يوضح الكاتب أن العلم، بما في ذلك نظرية التطور، يعتمد على الأدلة القابلة للاختبار والتحقق، وأن فهم التطور يعزز الفهم العميق للعالم الطبيعي ودور الإنسان فيه. يبرز إلدردج أهمية تعليم العلوم بشكل صحيح لأجيال المستقبل، مشيراً إلى أن ذلك يساعد في بناء مجتمع مستنير وقادر على مواجهة التحديات العلمية والتكنولوجية.
يتناول إلدردج أيضاً التاريخ الطويل للصراع بين العلم والدين، موضحاً أن هذا الصراع ليس جديداً بل هو جزء من تاريخ طويل ومعقد. يبرز الكتاب كيف أن العديد من العلماء البارزين كانوا مؤمنين دينياً ولم يروا أي تناقض بين إيمانهم ودراستهم العلمية. يوضح الكاتب أن المشكلة ليست في العلم أو الدين بحد ذاتهما، بل في الأيديولوجيات المتطرفة التي تحاول فرض رؤيتها الضيقة على المجتمع.
في نهاية الكتاب، يدعو إلدردج إلى تبني رؤية متوازنة تجمع بين الاحترام للأديان والفهم العميق للعلم. يشدد على أن التعليم العلمي لا يجب أن يكون ميداناً للصراع الأيديولوجي، بل وسيلة لفهم العالم بشكل أفضل وتعزيز قدرة الإنسان على التكيف مع بيئته.
يعد هذا الكتاب مرجعاً مهماً لأولئك الذين يسعون لفهم الجدل حول التطور والخلقوية بشكل أعمق. بأسلوبه الواضح والمقنع، يقدم إلدردج حججاً قوية تدعم نظرية التطور وتفند الادعاءات الخلقوية. يعتبر الكتاب دعوة مفتوحة للقراء للتفكير النقدي والتحليل العلمي، وهو ما يجعله قراءة قيمة ليس فقط للعلماء والمتخصصين، بل لكل من يهتم بقضايا العلم والدين والتعليم.
الكتاب نُشر من قبل دار النشر “W. H. Freeman” في شهر مارس من عام 2000، ويقع تحت فئة العلوم الحياتية، وبشكل أكثر تحديداً في مجال التطور. من خلال هذا العمل، يساهم إلدردج في تعزيز الحوار العلمي وتقديم الأدوات اللازمة لفهم أفضل للتحديات الفكرية المعاصرة.