عدد الأشخاص الذين يمتلكون شعرًا بنيًا: نظرة علمية وديموغرافية موسعة
يُعدّ الشعر البني أحد أكثر ألوان الشعر شيوعًا في العالم، ويُشكّل حلقةً وسطى في طيف ألوان الشعر الطبيعي بين الشعر الأشقر الفاتح والشعر الأسود الداكن. هذا اللون المميز ينتج عن تنوع وراثي في الجينات المسؤولة عن إنتاج صبغة الميلانين، وتحديدًا النسبة بين نوعيها: الإيوميلانين (Eumelanin) والفيوميلانين (Pheomelanin). في هذا المقال الموسع، نلقي نظرة معمقة على عدد الأشخاص الذين يمتلكون شعرًا بنيًا في العالم، ونستعرض التوزيع الجغرافي، الأسس الوراثية، الأبعاد الثقافية والاجتماعية، وتأثير التغيرات البيئية والديموغرافية على هذا اللون.
الشعر البني من منظور علم الوراثة
الشعر البني ينتج بشكل أساسي عن وجود نسبة معتدلة إلى مرتفعة من صبغة الإيوميلانين، وهي الصبغة ذات اللون البني-الأسود التي تُحدّد كثافة لون الشعر. يتحكم في هذه الصبغة مجموعة من الجينات أبرزها:
-
MC1R (Melanocortin 1 Receptor): يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم التحول بين الإيوميلانين والفيوميلانين.
-
OCA2 و HERC2: يساهمان في التعبير الوراثي للون الشعر والعينين.
-
SLC45A2 و SLC24A5: تؤثر هذه الجينات على درجة التصبغ في الجلد والشعر.
الشعر البني يُعتبر من الصفات الوراثية المتنحية أو شبه السائدة، حيث يمكن أن يظهر في نسل أبوين يحملان جينات شعر بلون مختلف، خصوصًا في حال كان أحد الأبوين يحمل نسخة غير ظاهرة من الجين المسؤول عن اللون البني.
التوزيع الجغرافي لمالكي الشعر البني
يُعتبر الشعر البني الأكثر شيوعًا في أوروبا، وتحديدًا في أوروبا الغربية والوسطى. فيما يلي توزع تقريبي لنسبة الأشخاص ذوي الشعر البني حسب المناطق الجغرافية:
| المنطقة الجغرافية | النسبة التقديرية للأشخاص ذوي الشعر البني |
|---|---|
| أوروبا الغربية (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا) | 40% – 60% |
| أوروبا الشرقية (بولندا، أوكرانيا، روسيا) | 30% – 50% |
| أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة، كندا) | 35% – 50% |
| أمريكا اللاتينية (المكسيك، الأرجنتين) | 20% – 40% |
| أستراليا ونيوزيلندا | 30% – 45% |
| الشرق الأوسط وشمال أفريقيا | 10% – 25% |
| جنوب آسيا (الهند، باكستان) | 5% – 15% |
| شرق آسيا (الصين، اليابان) | أقل من 5% |
| أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى | أقل من 3% |
هذا التوزيع يُظهر أن الشعر البني ليس فقط شائعًا في الدول الأوروبية، بل ينتشر بنسب متفاوتة في أغلب قارات العالم بسبب الهجرات التاريخية والتمازج العرقي.
النسب التقديرية على مستوى العالم
وفقًا لتقديرات علمية ديموغرافية تعتمد على عينات إحصائية وتوزيع الألوان الطبيعية للشعر، يُقدّر أن حوالي 20% إلى 25% من سكان العالم يمتلكون شعرًا بنيًا طبيعيًا. وبالاعتماد على عدد سكان العالم الحالي البالغ نحو 8.1 مليار نسمة (تقديرات عام 2025)، فإن:
-
عدد الأشخاص الذين يمتلكون شعرًا بنيًا يُقدّر بما بين 1.6 إلى 2 مليار شخص.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام تشمل درجات متنوعة من اللون البني، من البني الفاتح القريب من الأشقر الغامق إلى البني الغامق الذي يقترب من الأسود.
تنوع درجات اللون البني
الشعر البني لا يُمثّل لونًا موحّدًا، بل يوجد في طيف واسع من الدرجات تتراوح بين:
-
البني الفاتح (Light Brown): يميل إلى الأشقر الغامق، ويكون أكثر شيوعًا في شمال أوروبا.
-
البني المتوسط (Medium Brown): درجة معتدلة تكثر في وسط وغرب أوروبا.
-
البني الغامق (Dark Brown): يميل إلى الأسود، ويُعتبر شائعًا في جنوب أوروبا، الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية.
تتغير درجة اللون البني أيضًا بحسب عوامل كالعمر، التعرض لأشعة الشمس، نوعية الغذاء، والهرمونات.
البنية الجينية وتأثيرها على الشعر البني
السمات الجينية التي تحدد لون الشعر تُنقل عبر الحمض النووي من الأبوين إلى الأبناء. في حالة الشعر البني، يُمكن أن يحمل الإنسان جينات هذا اللون دون أن تظهر عليه فعليًا، بل يمكن أن تظهر في الجيل التالي. وتُشير الدراسات الوراثية الحديثة إلى أن أكثر من 12 جينًا تتعاون لتحديد درجة الشعر البني بدقة.
التحولات البيئية وتأثيرها على لون الشعر
تؤثر البيئة بشكل غير مباشر على مظهر الشعر البني. فمثلًا:
-
أشعة الشمس: يمكن أن تُفتح لون الشعر البني عند التعرض المطوّل للأشعة فوق البنفسجية.
-
التغذية: نقص بعض الفيتامينات مثل B12 والحديد قد يؤدي إلى بهتان أو تغير في لون الشعر.
-
التلوث البيئي: بعض الملوثات يمكن أن تغير طبيعة الشعرة ولونها الخارجي.
ومع ازدياد ظاهرة العولمة وازدياد التزاوج بين الأعراق، تزداد فرص ظهور الشعر البني في مناطق لم يكن شائعًا فيها سابقًا.
الشعر البني في الثقافة والتاريخ
حمل الشعر البني دلالات مختلفة عبر العصور والثقافات. ففي بعض المجتمعات الأوروبية، كان يُنظر إلى الشعر البني كعلامة على النضج والاستقرار، بينما اعتبر في ثقافات أخرى مظهرًا عاديًا أو محايدًا. ومع تطور الإعلام المعاصر، أصبح اللون البني يُرى كمزيج بين الجاذبية والواقعية.
في الأدب والفنون، ظهرت شخصيات عديدة ذات شعر بني تجسّد صفات مثل الذكاء، الغموض، أو حتى القوة. وقد أسهمت نجمات عالميات مثل آن هاثاواي وناتالي بورتمان في تعزيز صورة الشعر البني كرمز من رموز الأناقة والجمال الطبيعي.
تغييرات اللون البني عبر الحياة
من الشائع أن يتغير لون الشعر مع التقدم في العمر. كثير من الأطفال يولدون بشعر فاتح أو بني فاتح ثم يزداد تغميقًا خلال سنوات الطفولة. بالمقابل، قد يتلاشى اللون تدريجيًا في مرحلة البلوغ المتأخرة بسبب:
-
الشيب الطبيعي: انخفاض إنتاج الميلانين.
-
الهرمونات: تغييرات هرمونية مثل الحمل أو سن اليأس يمكن أن تؤثر على صبغة الشعر.
-
الأدوية: بعض الأدوية تؤثر على لون الشعر بشكل غير مباشر.
استخدام الصبغات وتغيير اللون البني
بالرغم من الانتشار الواسع للشعر البني، تلجأ نسبة كبيرة من الأشخاص إلى تغيير لون شعرهم الطبيعي. وقد أظهرت تقارير صناعية أن اللون البني بدرجاته المختلفة هو الأكثر طلبًا في عالم صبغات الشعر، متجاوزًا حتى الأشقر والأسود. يعود هذا إلى:
-
ملاءمته لجميع درجات البشرة.
-
مظهره الطبيعي غير الصارخ.
-
سهولة صيانته مقارنة بالألوان الفاتحة.
العوامل النفسية والاجتماعية المتعلقة بالشعر البني
الشعر البني غالبًا ما يُنظر إليه كرمز للثقة والهدوء. وتشير بعض الدراسات النفسية إلى أن الأشخاص ذوي الشعر البني يُنظر إليهم على أنهم أكثر عقلانية واتزانًا مقارنةً بالأشخاص ذوي الشعر الأشقر أو الأحمر، رغم أن هذه الانطباعات تعتمد على الصور النمطية الاجتماعية لا أكثر.
التوقعات المستقبلية
مع تزايد معدلات الهجرة والتزاوج بين الثقافات، من المتوقع أن يزداد تداخل الألوان الوراثية، مما قد يؤدي إلى تراجع بعض الألوان النادرة أو تموّجها. الشعر البني، لكونه لونًا وسيطًا، يُتوقع له أن يبقى في الواجهة لعدة قرون قادمة، بل وربما تزداد نسبته تدريجيًا بسبب الميل الوراثي إلى الصفات الوسطى في حالة التهجين بين أشخاص يملكون شعرًا داكنًا وفاتحًا.
المصادر
-
Rees, Jonathan L. “The Genetics of Hair and Skin Color.” Annual Review of Genetics, vol. 37, 2003, pp. 67–90.
-
Frost, Peter. “European Hair and Eye Color: A Case of Frequency-Dependent Sexual Selection?” Evolution and Human Behavior, vol. 27, no. 2, 2006, pp. 85–103.
