الوقاية من وساوس الشيطان

عنوان المقال: الحفظ من الشيطان

إنّ حفظ النفس من الشيطان يُعد من أعظم مقاصد العبودية لله، إذ إن الشيطان عدوٌّ بيّن، أقسم على غواية بني آدم منذ لحظة خلق آدم عليه السلام. فقد قال الله تعالى على لسان إبليس: “فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ” [ص: 82–83]. ومن هنا كان من الضروري أن يتسلّح الإنسان بوسائل الحفظ من هذا العدوّ الأزليّ الذي لا يهدأ ولا يفتر، فيبثّ وساوسه، ويزرع الفتنة، ويغري بالمعصية، ويزين الباطل، ويثبط عن الخير، ويغمس القلوب في مستنقعات الغفلة والبعد عن الله.

العداوة الأزلية بين الإنسان والشيطان

منذ اللحظة التي خُلق فيها آدم وأُمر الملائكة بالسجود له، وأبى إبليس استكبارًا وحسدًا، بدأ الصراع الأبدي بين الإنسان والشيطان. وقد صرّح الله سبحانه وتعالى بهذه العداوة في آيات كثيرة، منها قوله: “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا” [فاطر: 6]. فالله يحذر عباده من هذا العدو الذي يسلك كل سبيل ممكن لإضلالهم.

وسائل الشيطان في غواية الإنسان

يعتمد الشيطان في إضلاله للإنسان على عدة وسائل، منها:

• الوسوسة: حيث يهمس في الصدر فيُلبس الحق بالباطل، ويدعو للشر بالتحسين والتزيين.

• التحريش بين الناس: فيبث البغضاء والكراهية ويؤجّج الخلافات.

• التزيين: يجعل المعصية جميلة في عين صاحبها ويجعل الطاعة ثقيلة.

• التثبيط عن الطاعات: يحث على التأجيل والتسويف ويضعف العزيمة.

• الإلقاء في الشبهات: يُدخل الشك في العقيدة أو في النية أو في سلامة الأعمال.

• التحريض على اليأس والقنوط: يجعل العبد يظن أن التوبة لا تُقبل، أو أن الله لا يغفر له.

ولذلك كان الحذر من هذا العدو ومجاهدة وساوسه فرضًا على كل مسلم، بل من أهمّ واجبات الحياة الإيمانية.

أولًا: الإيمان بالله والتحصن بالتوحيد

أعظم ما يُحفظ به العبد من الشيطان هو تحقيق التوحيد الخالص لله. فالموحّدون المحصنون بعقيدة التوحيد لا يستطيع الشيطان أن ينال منهم. قال تعالى: “إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” [النحل: 99].

والإيمان الصادق يحصن القلب من تسلّط الوساوس، ويملأه يقينًا بالله، فيثبت عند الفتنة، ويقوى عند الابتلاء، ولا ينجر وراء الإغراءات أو التخويف الشيطاني.

ثانيًا: الالتزام بالأذكار الشرعية

الأذكار من أعظم الحصون التي يتحصّن بها العبد، فهي كالسياج الحامي من تسلّل الشيطان، ومنها:

• أذكار الصباح والمساء.

• أذكار النوم والاستيقاظ.

• أذكار الدخول والخروج.

• الاستعاذة عند الغضب.

• الذكر عند الدخول إلى الخلاء والخروج منه.

وقد روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء”.

ثالثًا: تلاوة القرآن الكريم

القرآن الكريم هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وهو حصن منيع من وساوس الشياطين. قال تعالى: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82].

وقد حث النبي ﷺ على قراءة سور معينة للحفظ من الشيطان، منها:

• سورة البقرة: فقد ثبت في الصحيح أن الشيطان لا يدخل بيتًا تُقرأ فيه سورة البقرة.

• آية الكرسي: لها أثر عظيم في التحصين، وقد أوصى بها النبي ﷺ قبل النوم.

• المعوذتان وسورة الإخلاص: كان النبي ﷺ يقرأها ثلاث مرات صباحًا ومساءً للتحصين.

رابعًا: الصحبة الصالحة ومجالس الذكر

الصحبة الصالحة تعين الإنسان على الطاعة وتثبّته عند الزلل، وتمنعه من السقوط في الفتن. أما رفقة السوء فهي ميدان مفتوح للشيطان، يسير فيهم ويضلّهم ويُضلّ بهم. ومجالس الذكر تطهّر القلب، وتغذيه بالإيمان، وتطرد الشيطان.

خامسًا: اجتناب مواطن الشبهات والفتن

من وسائل الحفظ أن يبتعد المسلم عن كل ما يؤدي إلى المعصية أو يُدخل في الشبهة. فالنظر المحرم، والاستماع إلى الغناء، والانخراط في بيئات الفساد، كلها أبواب يدخل منها الشيطان. قال رسول الله ﷺ: “الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس…”.

سادسًا: الاستعاذة بالله تعالى

الاستعاذة بالله عند الشعور بالوسوسة أو الغضب أو الخوف أو الهم، سلاح فعّال لدفع الشيطان. وقد أمر الله تعالى بذلك فقال: “وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ” [الأعراف: 200].

سابعًا: الصبر والمجاهدة

الصبر من أعظم صفات المؤمنين، وبه يثبتون في وجه الفتن والوساوس. والمجاهدة للنفس وللهوى أساس في مقاومة الشيطان، قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا” [العنكبوت: 69].

ثامنًا: التوبة والاستغفار الدائم

من طبيعة بني آدم الوقوع في الذنب، ولكن الشيطان يفرح بالذنوب وييأس إن تاب العبد. لذا فإن التوبة النصوح والاستغفار المتكرر يطهر القلب، ويغلق أبواب الشيطان، ويعيد العبد إلى دائرة الحفظ الإلهي.

تاسعًا: التحصن بالصلاة والعبادات

الصلاة عمود الدين، وهي حبل موصول بين العبد وربه، وهي أول ما يُسأل عنه العبد. وقد قال رسول الله ﷺ: “إن الشيطان يَفِرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة”، وقال أيضًا: “إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين”.

كما أن الصيام والزكاة والحج وسائر القربات تضعف سلطان الشيطان وتربط القلب بالله.

عاشرًا: القناعة والرضا

الشيطان يستغل الطمع، ويزرع الحسد في النفوس، ويقود الإنسان إلى المعاصي من باب السخط على القضاء أو التطلع لما عند الآخرين. لكن العبد الراضي بقضاء الله، القانع بما قسم له، يكون في مأمن من مداخل الشيطان.

جدول يوضح أبرز الوسائل لحفظ النفس من الشيطان:

المصادر والمراجع

1. ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، دار عالم الفوائد.

2. الطبري، تفسير الطبري، دار هجر للطباعة والنشر.

بهذا يتحقق للعبد بناء حصن حصين منيع ضد عدوّه الشيطان، ويثبت على طريق الهداية والنور، ويبتعد عن مواطن الغواية والضياع، ليكون من عباد الله المخلصين الذين لا سلطان للشيطان عليهم.