الوجود الهندوسي في إفريقيا

الهندوسية في إفريقيا: الواقع، الامتداد، والتأثير الثقافي والديني

مقدمة

تُعدّ الهندوسية من أقدم الديانات في العالم، نشأت في شبه القارة الهندية منذ آلاف السنين، وتُعرف بتعدد آلهتها ونصوصها المقدسة مثل “الفيدا” و”الباغافاد غيتا”، وبأنها ديانة غير تبشيرية في جوهرها. إلا أن الهندوسية انتشرت خارج الهند بفعل عوامل متعددة، من أبرزها الهجرة، والتجارة، والاستعمار البريطاني الذي أسهم في نقل أعداد كبيرة من الهنود إلى مستعمرات مختلفة، منها مستعمرات في القارة الإفريقية. ورغم أن إفريقيا تُعدّ قارة يغلب عليها الطابع الإسلامي والمسيحي، إلا أن بعض دولها تضم مجتمعات هندوسية كبيرة لها حضور واضح، ثقافياً ودينياً، وإن لم تكن هذه الدول “هندوسية” بالمعنى الرسمي.

المقصود بالدولة الهندوسية

للتوضيح المفاهيمي، لا توجد دولة في إفريقيا تُصنَّف رسميًا كـ”دولة هندوسية”، مثلما هو الحال مع الهند حيث يشكل الهندوس الأغلبية الساحقة، أو مثل نيبال التي تُعد الدولة الوحيدة التي أعلنت نفسها كدولة هندوسية. فالدولة الهندوسية هي التي تتبنى الهندوسية كديانة رسمية أو تكون الأغلبية الساحقة من سكانها من الهندوس. أما في السياق الإفريقي، فالمقصود بعبارة “دول هندوسية في إفريقيا” هو الدول التي تحتضن جاليات هندوسية كبيرة وفاعلة، بحيث أصبح للهندوس فيها دور اجتماعي، اقتصادي، بل وسياسي، وإن لم تكن ديانتهم هي المهيمنة أو الرسمية.

الهندوسية في إفريقيا الشرقية

الهندوسية وجدت أرضًا خصبة نسبيًا في شرق إفريقيا، وذلك منذ القرن التاسع عشر. وارتبط وصول الهندوس إلى هذه المنطقة بالهجرة التي نظمتها الإدارة البريطانية خلال الاستعمار من الهند إلى مستعمراتها في شرق إفريقيا مثل كينيا، أوغندا، وتنزانيا، وذلك لتشييد خطوط السكك الحديدية والعمل في الزراعة والخدمات.

كينيا

كينيا تضم واحدة من أكبر الجاليات الهندية في القارة الإفريقية، ويشكّل الهندوس شريحة معتبرة من هذه الجالية. ويُقدَّر عدد الهندوس في كينيا بنحو 80,000 إلى 100,000 شخص، وهي نسبة قليلة مقارنة بعدد السكان البالغ حوالي 55 مليون نسمة، إلا أن تأثير هذه الجالية كبير في مجالات مثل التجارة، التعليم، الصحة، والصناعة.

المعابد الهندوسية منتشرة في مدن مثل نيروبي ومومباسا، كما أن الطقوس والمهرجانات الهندوسية تُمارس بحرية، مثل “ديوالي” و”هولي”، وقد حظيت بعض هذه المناسبات باعتراف رسمي كأعياد مدنية.

تُعرف “جمعية هندوستاني كينيا” بنشاطها الكبير في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للهندوس الكينيين، وتسهم في تقديم خدمات اجتماعية للمجتمع بأكمله، بغض النظر عن الديانة أو العرق.

أوغندا

شهدت أوغندا في بداية القرن العشرين نموًا واضحًا في عدد الجالية الهندية، بما في ذلك الهندوس. إلا أن الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين اتخذ قرارًا بطرد الجالية الهندية عام 1972، ما أدى إلى تراجع عدد الهندوس في البلاد بشكل كبير. مع ذلك، عاد بعضهم تدريجياً بعد سقوط حكم عيدي أمين، وأسهموا في إعادة بناء قطاعات تجارية واقتصادية حيوية.

حاليًا، يقدَّر عدد الهندوس في أوغندا ببضعة آلاف، ولكنهم يحتفظون بتقاليدهم الدينية والمعمارية من خلال وجود عدد من المعابد، أبرزها معبد شري ساناتان دهارما في كمبالا.

تنزانيا

تنزانيا، خصوصًا مدينة دار السلام، تضم مجتمعًا هنديًا نشطًا يتكون من المسلمين، السيخ، والهندوس. ويتمتع الهندوس بحرية دينية، وتُقام الطقوس الهندوسية بشكل علني. ويُعد “معبد شيفا” و”معبد لورد كريشنا” من أبرز المراكز الدينية في البلاد.

الهندوسية في إفريقيا الجنوبية

منطقة إفريقيا الجنوبية، خاصة دولة جنوب إفريقيا، تُعد واحدة من أبرز الأماكن التي انتشرت فيها الهندوسية خارج الهند، حيث وصلت الجالية الهندية إلى جنوب إفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ضمن نظام العمل بعقود، خاصة في ولاية “كوازولو ناتال”.

جنوب إفريقيا

جنوب إفريقيا هي الدولة الإفريقية التي تضم أكبر عدد من الهندوس، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نحو 1.2% من سكان البلاد هم هندوس، أي حوالي نصف مليون شخص، وتُعد مدينة “ديربان” المركز الرئيس للمجتمع الهندي والهندوسي في البلاد.

الهندوس الجنوب أفريقيون احتفظوا بهويتهم الثقافية والدينية رغم ظروف الفصل العنصري والتمييز الذي تعرضوا له. وتوجد عشرات المعابد والمراكز الثقافية التي تنظم المهرجانات والاحتفالات الهندوسية على نطاق واسع. كما أن الهندوس نشطون في الحياة السياسية، ومنهم من وصل إلى مناصب برلمانية.

جدير بالذكر أن الهندوس في جنوب إفريقيا يشكلون شريحة متعلمة ومتوسطة إلى عليا اقتصاديًا، ما جعلهم يضطلعون بأدوار مهمة في القطاعات الاقتصادية والمالية والطبية.

الهندوسية في إفريقيا الغربية والوسطى

في هذه المناطق، تقل نسبة الهندوس بشكل كبير، إلا أن هناك تواجدًا محدودًا للجاليات الهندية في بلدان مثل نيجيريا وغانا والكاميرون. ويعود هذا التواجد في الغالب إلى رجال أعمال هنود أو مهندسين يعملون في مشاريع دولية.

رغم أن أعداد الهندوس قليلة في هذه المناطق، إلا أنهم يتمتعون بحرية دينية نسبية، وتُقام بعض الطقوس الدينية الخاصة في منازل أو معابد صغيرة داخل المجتمعات الهندية المغلقة.

الجاليات الهندوسية: التحديات والفرص

يواجه الهندوس في إفريقيا تحديات متعددة تتعلق بالاندماج، والحفاظ على الهوية الثقافية، والتمييز الديني في بعض السياقات الاجتماعية. ومع ذلك، فقد تمكنت هذه الجاليات من الحفاظ على شعائرها وتقاليدها عبر تأسيس معابد ومدارس ومراكز ثقافية تهدف إلى تعليم اللغة السنسكريتية، وتفسير النصوص الدينية، وتعليم الفلسفة الهندوسية للأجيال الجديدة.

يُلاحظ أيضًا أن الهندوس في إفريقيا يسعون في بعض الدول إلى تعزيز التقارب بين الأديان من خلال المبادرات المشتركة بين الطوائف الدينية، والمشاركة في الفعاليات الوطنية والثقافية.

الوجود المعماري والديني للهندوسية في إفريقيا

تعكس البنية المعمارية للمعابد الهندوسية في إفريقيا التأثير الثقافي والديني العميق لهذه الجاليات. من أبرز هذه المعابد:

الهندوسية في إفريقيا والعلاقات مع الهند

ساهم التواجد الهندوسي في إفريقيا في تقوية العلاقات بين الدول الإفريقية والهند، سواء على المستوى الثقافي أو الاقتصادي. فقد أصبحت الجاليات الهندية والهندوسية جسرًا للتبادل التجاري والثقافي، وأداة دبلوماسية ناعمة تعزز مصالح الهند في إفريقيا. وتنشط السفارات الهندية في دعم هذه الجاليات من خلال برامج ثقافية، تعليمية، وطبية.

الخاتمة

رغم عدم وجود “دولة هندوسية” في إفريقيا بالمعنى الرسمي، إلا أن القارة تضم جاليات هندوسية نشطة ومؤثرة في مجتمعات متعددة، لا سيما في جنوب إفريقيا وشرقها. لقد تمكن الهندوس في إفريقيا من تأسيس كيانات دينية واجتماعية وثقافية قوية، مكنتهم من الحفاظ على هويتهم، والمساهمة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدول التي يعيشون فيها، مما يجعل من الهندوسية أحد الديانات الحاضرة في التنوع الديني الأفريقي، رغم قلة عدد أتباعها نسبيًا.

المراجع

1. Clarke, Peter B. New Religions in Global Perspective: A Study of Religious Change in the Modern World. Routledge, 2006.

2. Tan, Charlene. Reforms in Islamic Education: International Perspectives. Bloomsbury Publishing, 2014.