المغص عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، والعلاج الشامل

يعتبر المغص عند الأطفال من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً التي تؤرق الأهل، خصوصاً في الأشهر الأولى من عمر الطفل. يُعرّف المغص بأنه نوبات متكررة من البكاء الشديد والمستمر، يصاحبها انزعاج واضح عند الطفل دون سبب مرضي ظاهر، وقد تستمر هذه النوبات لساعات عدة في اليوم، مما يسبب قلقاً وحيرة كبيرة للوالدين. رغم أن المغص غالباً ما يكون طبيعياً ولا يشير إلى مرض خطير، فإن فهم أسبابه، أعراضه، وطرق التعامل معه يعد أمراً ضرورياً للحفاظ على صحة الطفل النفسية والجسدية.

تعريف المغص عند الأطفال

المغص هو حالة شائعة تصيب الأطفال الرضع خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حياتهم، حيث يظهر على شكل بكاء متكرر وحاد، غالباً ما يكون في فترة المساء أو الليل، ويصاحبه توتر في عضلات البطن وملامح تدل على الألم والانزعاج. تصنف الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال المغص عند الرضع على أنه بكاء يستمر لأكثر من ثلاث ساعات يومياً، لأكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع، ولمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع.

أسباب المغص عند الأطفال

تتعدد الأسباب المحتملة للمغص عند الأطفال الرضع، والتي يمكن تصنيفها إلى أسباب عضوية وأسباب وظيفية أو نفسية، وهي كالآتي:

1. اضطرابات الجهاز الهضمي

• عدم نضج الجهاز الهضمي: الجهاز الهضمي للرضع حديثي الولادة غير مكتمل النضج، مما يؤدي إلى صعوبة في هضم الطعام وغازات متراكمة تسبب الألم.

• الغازات المعوية: الهواء المحبوس داخل الأمعاء يسبب انتفاخ البطن وألماً متكرراً.

• حساسية أو عدم تحمل الطعام: بعض الأطفال قد يعانون من حساسية للبروتين الموجود في حليب الأبقار أو مكونات الحليب الصناعي، مما يؤدي إلى تهيج جدار الأمعاء والتسبب بالمغص.

• الإمساك أو الإسهال: تغيرات في حركة الأمعاء قد تؤدي إلى تهيج البطن وشعور الطفل بعدم الراحة.

2. العوامل النفسية والسلوكية

• التوتر والقلق عند الوالدين: يؤثر الجو العائلي المحيط بالطفل على حالته النفسية، حيث قد يؤدي التوتر عند الأم أو الأب إلى انتقال حالة من القلق للطفل.

• الرغبة في الانتباه: في بعض الحالات، قد يكون البكاء ناتجاً عن رغبة الطفل في الحصول على اهتمام أو راحة.

3. عوامل أخرى

• الاختناق أو التشنج العضلي: قد يحدث تقلص عضلي في جدار البطن ناتج عن التغيرات الحركية أو رد فعل طبيعي لدى بعض الأطفال.

• الإصابة بالتهابات: كالتهابات الأذن أو الجهاز التنفسي، التي قد يصعب على الطفل التعبير عنها إلا عبر البكاء والمغص.

• عوامل بيئية: مثل ارتفاع درجة الحرارة أو البرودة المفاجئة، التي تؤثر على راحة الطفل.

الأعراض المصاحبة للمغص

يتميز المغص بمجموعة من الأعراض التي تظهر بوضوح على الطفل، وهي تشمل:

• بكاء حاد ومتكرر، غالباً ما يكون في نفس الوقت يومياً، خصوصاً في المساء.

• تقويس الظهر وثني الركبتين تجاه البطن.

• انتفاخ البطن أو صلابتها عند اللمس.

• إحمرار الوجه أو تغير في تعبيرات الوجه تدل على الألم.

• غازات مفرطة مع خروج صوت انتفاخات في البطن.

• اضطراب في النوم وعدم القدرة على الاستقرار.

• في بعض الحالات، قد يصاحب المغص قئ أو إخراج براز غير منتظم.

التشخيص

يعتمد التشخيص على جمع التاريخ الطبي للطفل والفحص السريري، حيث لا يوجد فحوصات مخبرية محددة لتشخيص المغص الوظيفي، ويقوم الطبيب باستبعاد الأسباب العضوية الخطيرة أولاً. يتطلب الأمر تقييم وزن الطفل، نموه، ونمط تغذيته، مع ملاحظة وجود علامات تحذيرية مثل:

• فقدان الوزن.

• وجود دم في البراز.

• ارتفاع مستمر في درجة الحرارة.

• تغيرات سلوكية غير مفسرة.

في حال وجود علامات تحذيرية، قد يطلب الطبيب فحوصات إضافية مثل تحاليل الدم، أشعة للبطن، أو استشارة أخصائي أطفال.

العلاجات والأساليب الوقائية

رغم أن المغص لا يمثل حالة مرضية خطيرة، إلا أن التعامل الصحيح معه يخفف من معاناة الطفل ويقلل من توتر الأسرة. تشمل أساليب العلاج والوقاية:

1. تعديل عادات التغذية

• تغذية الطفل بشكل منتظم وتجنب الإفراط في الرضاعة.

• تغيير نوع الحليب الصناعي إذا كان الطفل يتناول حليباً صناعياً وحساسية البروتين محتملة.

• تمرير الهواء بعد الرضاعة من خلال التهوية الجيدة للطفل أو التجشؤ لتقليل الغازات.

• تقديم الرضاعة في وضعية مناسبة بحيث يكون الرأس أعلى من المعدة لتقليل رجوع الحليب.

2. استخدام العلاجات الطبيعية

• تدليك بطن الطفل بلطف بحركات دائرية تساعد في تخفيف التشنجات والغازات.

• الحمام الدافئ قد يخفف من توتر عضلات البطن ويهدئ الطفل.

• استخدام الأعشاب المهدئة مثل البابونج أو الشمر (بعد استشارة الطبيب)، إذ ثبت أنها تقلل من المغص في بعض الحالات.

3. الأدوية

لا ينصح باستخدام الأدوية دون وصفة طبية، ولكن قد يصف الطبيب بعض الأدوية الطفيفة المضادة للغازات أو المسكنة في حالات شديدة، مع الالتزام الصارم بتعليماته.

4. العناية النفسية والبيئية

• خلق جو هادئ ومريح أثناء الرضاعة وبعدها.

• تقليل المؤثرات الحسية المفاجئة أو الصاخبة حول الطفل.

• منح الطفل فرصة للبكاء كطريقة طبيعية للتعبير عن حاجاته.

أثر المغص على الأسرة

لا يقتصر تأثير المغص على الطفل فقط، بل يمتد ليؤثر على أفراد الأسرة كافة، إذ يسبب:

• إرهاقاً نفسياً وجسدياً للأهل، خاصة الأم.

• اضطراباً في النوم والروتين اليومي للأسرة.

• شعوراً بالعجز والقلق من عدم القدرة على تهدئة الطفل.

• أحياناً توتر العلاقات الزوجية نتيجة الضغط النفسي المستمر.

يُعتبر دعم الأسرة وتوفير المعلومات الصحيحة حول المغص أمراً ضرورياً لتجاوز هذه المرحلة بسلام.

الخاتمة

المغص عند الأطفال هو ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة عدم نضج الجهاز الهضمي أو عوامل بيئية ونفسية مختلفة، ويتميز بنوبات من البكاء الحاد والمغص البطني. بالرغم من أنه قد يشكل تحدياً للوالدين، إلا أن معرفة الأسباب، الأعراض، وطرق التعامل معه تساهم بشكل كبير في تخفيف معاناة الطفل وتحسين جودة حياته. يُنصح بالمتابعة الطبية المستمرة وعدم تجاهل أي أعراض غير معتادة، مع التركيز على تقديم الرعاية الحنونة والصبر خلال هذه المرحلة العابرة التي عادةً ما تنتهي مع نمو الطفل.

المراجع

1. American Academy of Pediatrics. “Colic in Infants: Understanding and Management.” Pediatrics, 2020.

2. Mayo Clinic Staff. “Infant Colic.” Mayo Clinic, 2023.