المرشد وعلاج التنمر المدرسي

يُعد التنمر المدرسي من أبرز الظواهر السلوكية السلبية التي تهدد السلام النفسي والبيئي داخل المؤسسات التعليمية، حيث يمتد تأثيره إلى الصحة النفسية للطلاب، ويؤثر سلبًا على تحصيلهم الدراسي وتفاعلهم الاجتماعي. ومع تزايد معدلات التنمر بأشكاله المختلفة (اللفظي، الجسدي، الإلكتروني)، تتجلى أهمية الدور الذي يؤديه المرشد النفسي أو التربوي في المدرسة، باعتباره خط الدفاع الأول، وركيزة أساسية في التصدي لهذه الظاهرة واحتوائها بطرق علمية ومنهجية.

يمتلك المرشد التربوي أدوات مهنية ومعرفية تساعده على تشخيص حالات التنمر، وتحديد أطرافها (الضحية والمتنمر والشهود)، ومن ثم التدخل بصورة متوازنة تراعي الجوانب النفسية والاجتماعية لكل طرف. كما يُعتبر هذا التدخل خطوة محورية في بناء بيئة تعليمية آمنة، تقوم على الاحترام المتبادل والتكافل النفسي بين الطلاب.

أولًا: التنمر المدرسي كظاهرة سلوكية مرضية

التنمر هو سلوك عدواني متكرر، يصدر عن طالب أو مجموعة من الطلاب تجاه طالب آخر بغرض الإيذاء أو السيطرة أو الإهانة، وقد يتخذ عدة أشكال تشمل التهديد، السخرية، الضرب، التحقير، أو الإقصاء الاجتماعي. تشير الأبحاث النفسية إلى أن الأطفال المتنمرين يعانون غالبًا من مشكلات أسرية أو اضطرابات سلوكية غير معالَجة، كما أن الضحايا يتعرضون لآثار نفسية خطيرة مثل الاكتئاب، القلق، والعزلة الاجتماعية، وقد تصل هذه التأثيرات إلى محاولات إيذاء النفس.

ثانيًا: المهام الأساسية للمرشد في مواجهة التنمر

1. رصد السلوكيات العدوانية مبكرًا

يقوم المرشد بمتابعة البيئة الصفية والأنشطة المدرسية المختلفة، لرصد أي مؤشرات على سلوكيات عدوانية أو مشكلات في التفاعل بين الطلاب. وتساعد هذه المراقبة المبكرة في احتواء التنمر قبل تفاقمه.

2. استخدام أدوات التشخيص النفسي

يعتمد المرشد على أدوات علمية مثل المقاييس النفسية، الاستبيانات، والمقابلات الفردية لتحديد هوية الطالب المتنمر والضحية، وتحليل أسباب سلوك كل منهما. هذا التشخيص الدقيق يساعد في صياغة خطة تدخل مناسبة وفعّالة.

3. التواصل مع الكادر التعليمي والإداري

يشكل التعاون بين المرشد والمعلمين والإدارة التربوية عاملًا حاسمًا في نجاح جهود مواجهة التنمر. حيث يعمل المرشد على تدريب الكادر التربوي على التعرف على علامات التنمر، وإجراءات التدخل السريعة، مع مراعاة الخصوصية والحياد في التعامل مع الحالات.

4. تقديم الدعم النفسي للضحايا

يقدم المرشد جلسات دعم نفسي فردي أو جماعي للطلاب المتعرضين للتنمر، تساعدهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم، وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية، والتعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية. كما يتم تدريبهم على التعامل مع المتنمرين بإيجابية دون انفعالات.

5. إعادة تأهيل الطالب المتنمر

يتطلب التعامل مع الطالب المتنمر خطة علاجية متكاملة، تشمل جلسات الإرشاد السلوكي، والتواصل مع ولي الأمر، والعمل على تعديل الأفكار والمعتقدات السلبية التي تدفعه لممارسة العنف، مع مراقبة سلوكه لفترة لضمان استجابته للعلاج.

6. تنظيم ورش عمل توعوية

ينظم المرشد فعاليات دورية مثل المحاضرات، العروض التمثيلية، والأنشطة الفنية التي تهدف لتثقيف الطلاب حول مخاطر التنمر وآثاره النفسية والاجتماعية، وتشجيع ثقافة التسامح والتعاون واحترام الآخر.

ثالثًا: بناء بيئة مدرسية داعمة وآمنة

يُعتبر المناخ المدرسي الداعم أحد العوامل الرئيسة في تقليل معدلات التنمر. لذلك يحرص المرشد على تعزيز الانتماء المدرسي، وفتح قنوات تواصل آمنة بين الطلاب والمعلمين، وتشكيل لجان طلابية تساهم في نشر السلوك الإيجابي داخل المدرسة. كما يدعو إلى تعزيز دور الأندية المدرسية في احتواء الطاقات الزائدة وتوظيفها بشكل إيجابي.

رابعًا: الشراكة مع الأسرة والمجتمع

لا يمكن للمرشد أن ينجح في جهوده لمكافحة التنمر دون إشراك الأسرة والمجتمع في هذا المسار، من خلال تنظيم لقاءات توعوية مع أولياء الأمور، وتزويدهم بمهارات الملاحظة والتدخل الإيجابي، وتعريفهم بأساليب التربية الإيجابية في المنزل. كما يساهم التنسيق مع مؤسسات المجتمع المحلي (مثل الجمعيات النفسية والحقوقية) في تعزيز الجهود الوقائية والعلاجية.

خامسًا: الوقاية عبر غرس القيم الإنسانية

تلعب القيم التربوية دورًا وقائيًا مهمًا في مواجهة ظاهرة التنمر. لذلك يعمل المرشد على تعزيز مفاهيم مثل الاحترام، التسامح، تقبل الاختلاف، وحقوق الإنسان، ضمن الخطة الإرشادية المدرسية. ويُراعى توظيف القصص والأمثلة الواقعية لترسيخ هذه القيم في نفوس الطلاب.

سادسًا: المتابعة والتقييم المستمر

يعتمد نجاح برامج علاج التنمر على وجود خطة متابعة دقيقة تقيس التقدم المحرز في سلوك الطالب المتنمر والضحية، وتعيد تقييم البيئة المدرسية بشكل دوري لرصد التغيرات السلوكية. ويقوم المرشد بإعداد تقارير دورية توثّق الحالات، والإجراءات المتبعة، والنتائج المتحققة، مع التوصيات المستقبلية.

سابعًا: أهمية التكوين الأكاديمي للمرشدين

يتطلب هذا الدور المتعدد للمرشد توفر تكوين أكاديمي ومهني متخصص في الإرشاد النفسي والتربوي، يشمل التدريب على مهارات التدخل، العلاج المعرفي السلوكي، إدارة الصراعات، والتواصل مع الفئات المختلفة داخل المجتمع المدرسي. كما ينبغي تزويد المرشدين بموارد حديثة، ودورات تطوير مهني مستمرة.

جدول: أشكال التنمر المدرسي ودور المرشد في مواجهتها

ثامنًا: أثر تدخل المرشد في تقليل التنمر

تشير العديد من الدراسات الميدانية إلى أن وجود مرشد تربوي فعّال داخل المدرسة يقلل من حوادث التنمر بنسبة تتراوح بين 20% إلى 40% خلال العام الدراسي الأول من التدخل، خاصة عندما يكون التدخل مبنيًا على برامج متكاملة تشمل التوعية، العلاج، والرصد المستمر. كما يُلاحظ تحسن واضح في الأداء الأكاديمي والنفسي للطلاب المتأثرين بعد تلقي الدعم النفسي والإرشاد المناسب.

تاسعًا: نماذج دولية ناجحة يمكن الاستفادة منها

في دول مثل فنلندا وكندا، تم اعتماد برامج وطنية لمكافحة التنمر داخل المدارس، تقوم على التدريب المكثف للمرشدين، وإنشاء وحدات تدخل سريع، وتبني منهجيات قائمة على المشاركة المجتمعية والعدالة التصالحية. وقد أسهمت هذه البرامج في بناء ثقافة مدرسية قائمة على الاحترام المتبادل والعدالة.

عاشرًا: تحديات تواجه المرشد في علاج التنمر

رغم أهمية دوره، يواجه المرشد تحديات متعددة أبرزها: نقص الإمكانات البشرية والمادية، ضعف وعي بعض الإدارات التعليمية بأهمية الإرشاد، ضغوط العمل الناتجة عن تعدد الحالات، وصعوبة التعاون مع بعض أولياء الأمور. وهذا يتطلب من الجهات المعنية دعمًا مؤسسيًا حقيقيًا لهذا الدور الحيوي.

خلاصة

المرشد التربوي هو حجر الزاوية في حماية الطلاب من مخاطر التنمر المدرسي، من خلال تدخله المهني القائم على الفهم العميق للسلوك الإنساني، والتكامل مع جميع مكونات البيئة التعليمية. إن دعم هذا الدور وتوفير البيئة المناسبة له، لا يسهم فقط في علاج حالات فردية، بل يُشكل أساسًا لبناء مدرسة إنسانية حاضنة وآمنة، قادرة على تنشئة أجيال متوازنة نفسيًا وسلوكيًا.

المراجع

• Olweus, D. (1993). Bullying at school: What we know and what we can do. Blackwell Publishing.

• Smith, P. K., Pepler, D., & Rigby, K. (Eds.). (2004). Bullying in schools: How successful can interventions be? Cambridge University Press.

• وزارة التربية والتعليم – دليل المرشد المدرسي في التعامل مع العنف المدرسي، الأردن، 2022.

• منظمة اليونيسف – Ending School Violence, 2020.