يعد كتاب “اللكزس وشجرة الزيتون: فهم العولمة” للمؤلف توماس ل. فريدمان من الأعمال المهمة التي تسعى لتقديم رؤية شاملة حول النظام العالمي الجديد الذي تتشكل ملامحه من خلال العولمة. فريدمان، الحائز على جائزة الكتاب الوطني، يعتبر من أبرز المعلقين على الشؤون الدولية، وهو يشغل منصب كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز للشؤون الخارجية. استنادًا إلى رحلاته العديدة حول العالم ومقابلاته مع أفراد من مختلف الشرائح الاجتماعية، من الفلاحين البرازيليين في غابات الأمازون إلى الطلاب الإسلاميين في طهران ورجال الأعمال في وول ستريت، يقدم فريدمان في هذا الكتاب نظرة متعمقة ومبتكرة عن ظاهرة العولمة.
يطرح فريدمان في هذا الكتاب فكرة أن العولمة ليست مجرد ظاهرة أو اتجاه عابر، بل هي النظام الدولي الذي حل محل نظام الحرب الباردة. النظام الجديد الذي يصفه فريدمان بأنه “منظم ومتصل بشكل جيد”، يعتمد على تكامل رأس المال والتكنولوجيا والمعلومات عبر الحدود الوطنية، مما يخلق سوقًا عالميًا موحدًا وقرية عالمية إلى حد ما. هذه الرؤية تضع العولمة في قلب فهم الأحداث العالمية اليومية، كما تشير إلى أن الفهم العميق للعولمة أصبح ضروريًا لفهم الأخبار اليومية وحتى الاستثمارات الشخصية.
في زمن الحرب الباردة، كان العالم يركز على الخط الساخن بين البيت الأبيض والكرملين كرمز للانقسام بين القوى العظمى التي كانت تسيطر على النظام العالمي. أما في عصر العولمة، فإن الإنترنت أصبح هو الوسيلة التي تربط العالم كله ببعضه البعض، ولكن بدون أن تكون هناك جهة واحدة مسؤولة عن هذا الاتصال. هذه الفكرة تمثل التحول الجذري في كيفية تنظيم العالم وكيفية تفاعل الناس مع بعضهم البعض ومع النظام الدولي الجديد.
من خلال سرد قصص حية واستعمال مصطلحات ومفاهيم مبتكرة، يمنح فريدمان القراء فرصة لفهم هذا النظام الجديد بأسلوبه الفريد. يعرض الكتاب الصراع بين “اللكزس وشجرة الزيتون”، وهو ما يرمز إلى التوتر بين نظام العولمة والقوى القديمة للثقافة والجغرافيا والتقاليد والمجتمع. يشير فريدمان إلى أن هذه القوى التقليدية تتعرض لضغوط شديدة بفعل قوى العولمة، ويشرح كيف أن رد الفعل العنيف ضد العولمة ينبع من شعور البعض بأنهم يتعرضون للوحشية والاضطهاد بسببها.
من القضايا المركزية التي يثيرها فريدمان في الكتاب هي كيفية إيجاد التوازن الصحيح بين “اللكزس” (التي تمثل الرغبة في الحداثة والتنمية الاقتصادية) و”شجرة الزيتون” (التي تمثل القيم التقليدية والهوية الثقافية). يعتبر فريدمان أن هذا التوازن هو الدراما الكبرى لعصر العولمة، وأن التحدي الأكبر في هذا العصر هو كيفية الحفاظ على هذا التوازن. يعرض الكتاب رؤى حول ما يجب القيام به للحفاظ على النظام في حالة توازن، مشيرًا إلى أهمية التصدي للقوى التي تسعى إلى تمزيق هذا التوازن وتحقيق التفاهم بين التحديث واحترام التقاليد.
هذا الكتاب ليس مجرد تحليل سياسي أو اقتصادي بحت، بل هو دعوة للتفكير العميق في كيفية عمل العالم في زمن العولمة. إنه قراءة ضرورية لأي شخص يهتم بفهم النظام العالمي الحالي وكيفية تأثيره على حياتنا اليومية. يقدم فريدمان في هذا العمل تحديات واستفزازات فكرية تتطلب منا أن نكون أكثر وعيًا بالتغيرات العالمية وأن نبحث عن السبل التي يمكننا من خلالها التعامل مع هذه التغيرات بطريقة تعزز الاستقرار والتوازن في العالم.