الكوليسترول عند الأطفال: الأسباب والعلاج

الكوليسترول يصيب الأطفال أيضاً: الواقع والتحديات

يعد الكوليسترول من المصطلحات الطبية التي غالباً ما ترتبط بالبالغين وأمراض القلب والشرايين. إلا أن هذا المعتقد الشائع يتجاهل حقيقة مهمة، وهي أن الأطفال أيضاً قد يعانون من ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم، وهو ما يشكل خطراً صحياً على المدى البعيد. في هذا المقال، سنستعرض العلاقة بين الأطفال والكوليسترول، أسباب ارتفاعه، الأعراض، والمخاطر المحتملة، بالإضافة إلى أساليب الوقاية والعلاج.

1. ما هو الكوليسترول؟

الكوليسترول هو مادة دهنية توجد في جميع خلايا الجسم وتحتاج إليها العديد من العمليات البيولوجية. يُنتج الكوليسترول بشكل طبيعي في الكبد، ويُستمد أيضاً من الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة. بينما يعتبر الكوليسترول ضرورياً لوظائف الجسم مثل تكوين خلايا جديدة، إلا أن زيادته قد تؤدي إلى مشكلات صحية كبيرة.

يتواجد الكوليسترول في نوعين رئيسيين:

• الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL): يُعرف بالكوليسترول “الضار”، إذ يؤدي تراكمه في الشرايين إلى تصلبها وضيقها، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية.

• الكوليسترول عالي الكثافة (HDL): يُسمى “الكوليسترول الجيد”، حيث يعمل على إزالة الكوليسترول الضار من الدم، مما يساهم في حماية الشرايين.

2. كيف يؤثر الكوليسترول على الأطفال؟

في الماضي، كان يُعتقد أن أمراض القلب والشرايين مرتبطة أساساً بالعوامل العمرية والتغذية السيئة لدى البالغين. لكن الدراسات الحديثة أثبتت أن الأطفال أيضاً قد يعانون من ارتفاع مستويات الكوليسترول، سواء كان ذلك بسبب العوامل الوراثية أو أسلوب الحياة.

العوامل الوراثية:
إن التاريخ العائلي له دور كبير في الإصابة بارتفاع مستويات الكوليسترول. فإذا كان أحد الوالدين يعاني من مستويات عالية من الكوليسترول، فإن الأطفال يصبحون أكثر عرضة لهذه الحالة. كما أن بعض الأمراض الوراثية مثل “فرط كوليسترول الدم العائلي” تؤدي إلى ارتفاع مستمر في مستويات الكوليسترول منذ الطفولة، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب في المستقبل.

نمط الحياة والتغذية:
العوامل البيئية تلعب دوراً كبيراً في مستويات الكوليسترول لدى الأطفال. النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة والكربوهيدرات المكررة، إضافة إلى قلة النشاط البدني، يمكن أن يؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم، مما يزيد من خطر الإصابة بالكوليسترول المرتفع. في الوقت الذي يزداد فيه اعتماد الأطفال على الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، تتفاقم المشكلة أكثر.

السمنة:
تعتبر السمنة أحد أهم العوامل التي تزيد من مستويات الكوليسترول في الدم، حيث تساهم الدهون الزائدة في الجسم في زيادة الكوليسترول الضار (LDL) وتقليل الكوليسترول الجيد (HDL). الأطفال الذين يعانون من السمنة أكثر عرضة للإصابة بارتفاع الكوليسترول مقارنة بنظرائهم من نفس الفئة العمرية.

3. أعراض الكوليسترول المرتفع لدى الأطفال

عادة لا تظهر أعراض واضحة لارتفاع الكوليسترول في الدم لدى الأطفال، ولذلك يمكن أن يبقى هذا الارتفاع غير مكتشف حتى فترة البلوغ أو لاحقاً في الحياة. لكن هناك بعض المؤشرات التي قد تدل على وجود مشكلة صحية تتعلق بالكوليسترول، مثل:

• آلام الصدر: قد يعاني الأطفال الذين لديهم مستويات مرتفعة من الكوليسترول من آلام في الصدر نتيجة لضيق الشرايين.

• تغييرات في الجلد: بعض الأطفال قد يظهر لديهم بقع دهنية صفراء على الجلد أو حول العيون (ما يعرف بالكويسترول العيني).

• مشاكل في التنفس: قد تظهر صعوبة في التنفس أو التعب السريع أثناء ممارسة الرياضة أو الأنشطة اليومية.

4. المخاطر الصحية الناجمة عن الكوليسترول المرتفع لدى الأطفال

تتمثل أخطر العواقب الصحية المرتبطة بارتفاع مستويات الكوليسترول لدى الأطفال في:

• أمراض القلب: ارتفاع الكوليسترول يؤدي إلى تراكم الدهون في الشرايين، مما يسبب انسدادها وتصلبها، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية.

• السكتة الدماغية: يمكن أن يتسبب تراكم الدهون في الشرايين في انقطاع تدفق الدم إلى الدماغ، مما يؤدي إلى السكتة الدماغية.

• ارتفاع ضغط الدم: في بعض الحالات، قد يؤدي ارتفاع الكوليسترول إلى زيادة ضغط الدم، مما يضع عبئاً إضافياً على القلب والأوعية الدموية.

5. كيفية الوقاية من ارتفاع الكوليسترول لدى الأطفال

الوقاية من الكوليسترول المرتفع تبدأ منذ سن مبكرة، وتشمل عدة أساليب يمكن اتباعها لضمان صحة الطفل:

النظام الغذائي الصحي:

من الضروري تعليم الأطفال كيفية اختيار الأطعمة الصحية التي تحتوي على الدهون الصحية والألياف. يجب تقليل استهلاك الأطعمة التي تحتوي على دهون مشبعة، مثل اللحوم المعالجة، والأطعمة المقلية، والمخبوزات الصناعية. يمكن استبدال هذه الأطعمة باللحوم قليلة الدهون، والحبوب الكاملة، والفواكه والخضروات.

النشاط البدني المنتظم:

ممارسة الرياضة بانتظام تعد من أكثر الطرق فعالية للوقاية من الكوليسترول المرتفع. ينصح بممارسة النشاط البدني لمدة لا تقل عن 60 دقيقة يومياً للأطفال، مثل الجري، السباحة، أو ركوب الدراجة. يساعد ذلك في تحسين مستويات الكوليسترول الجيد وزيادة القدرة على حرق الدهون.

تشجيع الأطفال على تناول الطعام المتوازن:

يجب على الآباء والموظفين المدرسيين تشجيع الأطفال على تناول وجبات متوازنة تحتوي على جميع العناصر الغذائية الأساسية. من المهم أن يتعلم الأطفال أهمية تناول الأطعمة التي تعزز الصحة، مثل الأسماك الغنية بالأوميغا-3، والمكسرات، والحبوب الكاملة.

تقليل استهلاك السكريات والمشروبات الغازية:

من المعروف أن المشروبات الغازية والحلويات تحتوي على كميات عالية من السكر، وهو ما يؤدي إلى زيادة الوزن وتراكم الدهون في الجسم. على الآباء محاولة تقليل هذه الأطعمة والمشروبات من النظام الغذائي اليومي للأطفال.

6. التشخيص والعلاج

تشخيص ارتفاع الكوليسترول لدى الأطفال يتم من خلال إجراء اختبار الدم، حيث يُقاس مستوى الكوليسترول الكلي، والكوليسترول الضار، والكوليسترول الجيد. يُنصح بفحص مستويات الكوليسترول للأطفال الذين يعانون من عوامل خطر، مثل السمنة أو وجود تاريخ عائلي لأمراض القلب.

إذا تم تشخيص الطفل بارتفاع الكوليسترول، فإن العلاج يتضمن تعديل نمط الحياة أولاً من خلال التغذية السليمة والنشاط البدني. في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية خافضة للكوليسترول، مثل الستاتينات، خاصة إذا كانت التعديلات على نمط الحياة غير كافية للتحكم في مستويات الكوليسترول.

7. خاتمة

يُعد ارتفاع الكوليسترول لدى الأطفال مشكلة صحية خطيرة قد تؤثر على صحتهم على المدى الطويل. من خلال اتخاذ خطوات وقائية مبكرة، مثل تبني نمط حياة صحي وتغذية متوازنة، يمكن تقليل خطر الإصابة بالكوليسترول المرتفع وأمراض القلب في المستقبل. كما يجب أن يكون الآباء على دراية تامة بهذه المشكلة ويعملون جنباً إلى جنب مع الأطباء لضمان صحة أطفالهم.