النساء يعانين من آلام الظهر أكثر من الرجال

تُعتبر آلام الظهر من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا وانتشارًا بين الناس حول العالم، وتشير الدراسات الطبية إلى أن النساء يعانين من آلام الظهر بنسبة أكبر مقارنة بالرجال. هذه الظاهرة ليست مجرد صدفة، بل تعود إلى مجموعة من العوامل البيولوجية، الهرمونية، النفسية، والاجتماعية التي تميز الجنسين، وتجعل النساء أكثر عرضة لهذه الآلام التي تؤثر بشكل مباشر على جودة حياتهن اليومية. في هذا المقال سيتم استعراض الأسباب المختلفة التي تفسر لماذا النساء يعانين من آلام الظهر أكثر من الرجال، مع التركيز على الجوانب العلمية والطبية والاجتماعية التي تلعب دورًا رئيسيًا في ذلك.

مقدمة عن آلام الظهر

آلام الظهر تمثل إحدى أهم أسباب العجز المؤقت والدائم بين الأفراد، وتؤثر على الملايين حول العالم. تعرّف آلام الظهر بأنها الألم أو الانزعاج الذي يحدث في المنطقة الممتدة من الرقبة حتى أسفل العمود الفقري. قد تكون هذه الآلام مزمنة أو حادة، وتتنوع في شدتها وأسبابها، ما بين مشكلات ميكانيكية في الفقرات، الأعصاب، العضلات، أو عوامل أخرى.

تشير الإحصاءات إلى أن النساء أكثر عرضة للمعاناة من آلام الظهر مقارنة بالرجال، وهذا ما يثير التساؤلات حول الأسباب والآليات التي تقف وراء هذا الاختلاف.

الأسباب البيولوجية والفسيولوجية

1. اختلافات في التشريح البنيوي للعمود الفقري والحوض

العمود الفقري عند النساء يختلف في شكله وحجمه عن نظيره عند الرجال. النساء عادة ما يمتلكن هياكل عظمية أصغر وأقل كثافة، وهذا يجعل الفقرات أكثر عرضة للضغط والتلف مع مرور الوقت، خاصة مع التقدم في العمر.

الحوض لدى النساء أوسع وأكبر حجماً مقارنة بالرجال، وذلك لتسهيل عملية الولادة. هذا التوسع يؤثر على طريقة توزيع الوزن على العمود الفقري، وقد يؤدي إلى تغيرات في وضعية الجسم تؤدي إلى زيادة الضغط على الفقرات القطنية، وهي المنطقة الأكثر عرضة لآلام الظهر.

2. تأثير الهرمونات الأنثوية

تلعب الهرمونات الأنثوية، مثل الاستروجين والبروجسترون، دوراً مهماً في صحة العظام والأنسجة الرخوة التي تحيط بالعمود الفقري. في مراحل معينة من الحياة مثل الدورة الشهرية، الحمل، والإنقطاع المبكر للطمث (سن اليأس)، تحدث تغيرات هرمونية تؤثر على الأنسجة الداعمة للفقرات والمفاصل.

• الاستروجين: يساهم في الحفاظ على كثافة العظام وقوة الأربطة، ونقصه يؤدي إلى ترقق العظام (هشاشة العظام) الذي يزيد من خطر الإصابة بآلام الظهر.

• البروجسترون: يؤثر على مرونة الأربطة، خاصة أثناء الحمل، ما يجعل بعض النساء عرضة لآلام الظهر بسبب استرخاء الأربطة وتغير مركز الثقل في الجسم.

3. الحمل وتأثيره على الظهر

الحمل يعتبر من أكثر الأسباب المباشرة لآلام الظهر لدى النساء. زيادة وزن الجنين والتغيرات الهرمونية تؤدي إلى تغييرات كبيرة في وضعية العمود الفقري. تمدد الأربطة وتغير مركز الثقل نحو الأمام يجعل الضغط يزداد على الفقرات القطنية، مما يسبب آلاماً مزمنة لدى كثير من الحوامل.

تزداد معاناة النساء بعد الولادة بسبب الرضاعة التي تجبر المرأة على اتخاذ وضعيات جسم غير صحية لفترات طويلة، إضافة إلى إرهاق العضلات والعمود الفقري.

4. هشاشة العظام

تصاب النساء بهشاشة العظام أكثر من الرجال، خصوصًا بعد انقطاع الطمث، نتيجة لانخفاض مستويات الاستروجين. هشاشة العظام تجعل الفقرات أكثر عرضة للكسر أو التشوه، ما يسبب آلام الظهر المستمرة والمزمنة.

العوامل النفسية والاجتماعية وتأثيرها

1. التوتر والقلق والاكتئاب

تشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للتعرض لمشاعر التوتر والقلق والاكتئاب مقارنة بالرجال، وهذه الحالات النفسية تؤثر بشكل مباشر على الشعور بالألم. فالتوتر والضغط النفسي قد يزيدان من شدة آلام الظهر، كما يؤثران على جودة النوم والراحة، مما يفاقم الحالة الصحية للجسم بشكل عام.

2. الضغوط الاجتماعية والمسؤوليات العائلية

تلعب الأدوار الاجتماعية التقليدية للنساء دوراً كبيراً في زيادة تعرضهن لآلام الظهر. فالنساء غالبًا ما يتحملن مسؤوليات متعددة تشمل العمل، رعاية الأطفال، الأعمال المنزلية، مما يضع عبئاً إضافياً على الجسم وخاصة على العمود الفقري.

هذه المسؤوليات تفرض حركات متكررة وأحياناً وضعيات غير صحية تسبب إجهاد العضلات والعمود الفقري، فتزيد من احتمال الإصابة بآلام الظهر.

3. قلة النشاط البدني

في بعض المجتمعات، يعاني العديد من النساء من قلة ممارسة الرياضة والنشاط البدني المنتظم، بسبب عوامل اجتماعية أو بيئية. قلة النشاط البدني تؤدي إلى ضعف العضلات الداعمة للعمود الفقري، مما يجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بآلام الظهر.

الأمراض المزمنة والحالات الطبية المرتبطة بآلام الظهر عند النساء

1. التهابات المفاصل والروماتويد

الأمراض الالتهابية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي تؤثر بشكل أكبر على النساء مقارنة بالرجال. هذه الالتهابات تصيب المفاصل والأنسجة المحيطة بها، مما يؤدي إلى آلام مزمنة في الظهر والمفاصل.

2. الانزلاق الغضروفي (الديسك)

تميل النساء أحيانًا إلى الإصابة بانزلاق الغضروف أو ما يعرف بـ “الديسك” بسبب ضعف العضلات الداعمة، خاصة بعد الحمل والولادة، حيث يكون العمود الفقري قد تعرض لضغط شديد.

3. متلازمة آلام الحوض المزمنة

تواجه العديد من النساء مشكلة متلازمة آلام الحوض المزمنة، والتي قد تسبب آلاماً تمتد إلى أسفل الظهر، وتكون هذه الحالة مرتبطة بتغيرات في عضلات الحوض والأربطة، خاصة لدى النساء اللواتي أنجبن عدة مرات.

دور العوامل الحياتية اليومية في زيادة آلام الظهر عند النساء

1. الأحذية والكعب العالي

ارتداء الكعب العالي لفترات طويلة يغير من وضعية الجسم ويزيد من الضغط على الفقرات القطنية، مما يسبب آلامًا في الظهر لدى النساء. هذا الأمر شائع جداً خصوصًا في النساء اللاتي يعملن في بيئات تحتاج إلى مظهر رسمي.

2. حمل الأوزان الثقيلة

غالبًا ما تقوم النساء بحمل الأطفال أو الأشياء الثقيلة بطريقة قد تجهد الظهر وتسبب إجهادًا في العضلات والفقرات، مما يرفع من فرص الإصابة بآلام الظهر.

3. وضعية الجلوس والعمل المكتبي

الجلوس لفترات طويلة بوضعيات غير صحيحة في العمل المكتبي أو أثناء استخدام الهواتف المحمولة يسبب توتراً في عضلات الظهر والرقبة، ويزيد من معاناة النساء خصوصًا مع ضعف الدعم العضلي.

الوقاية والعلاج

التمارين الرياضية وتقوية العضلات

التمارين الرياضية التي تستهدف تقوية عضلات الظهر والبطن تقلل من آلام الظهر بشكل ملحوظ عند النساء. كما أن ممارسة الرياضة بانتظام تحسن من مرونة الجسم وتحافظ على صحة العمود الفقري.

تحسين الوضعيات

تعليم النساء كيفية الحفاظ على وضعيات صحيحة عند الوقوف، الجلوس، ورفع الأشياء الثقيلة يقلل من الضغط على العمود الفقري ويحد من آلام الظهر.

العناية بالفترات الهرمونية

الاهتمام بالعناية الصحية خلال فترات الحمل، الانقطاع المبكر للطمث، والرضاعة من خلال المتابعة الطبية وتناول المكملات التي تحافظ على صحة العظام يمكن أن يساعد في الحد من مشاكل الظهر.

العلاج الطبي المتخصص

في الحالات المزمنة أو الحادة، من الضروري اللجوء إلى العلاج الطبي مثل العلاج الطبيعي، الأدوية المسكنة، أو في الحالات القصوى التدخل الجراحي.

جدول يوضح بعض الفروق البيولوجية بين الرجال والنساء وتأثيرها على آلام الظهر

خلاصة

تعددت الأسباب التي تفسر لماذا تعاني النساء من آلام الظهر أكثر من الرجال، فمن الناحية البيولوجية، هناك اختلافات في التركيب العظمي والهرمونات التي تؤثر بشكل مباشر على صحة العمود الفقري. إلى جانب ذلك، تلعب الظروف الحياتية والنفسية والاجتماعية دورًا لا يقل أهمية، حيث تؤثر الضغوط اليومية والوظائف المتعددة التي تتحملها المرأة على صحتها الجسدية، خاصة العمود الفقري.

الفهم الجيد لهذه العوامل يساعد في تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية مخصصة للنساء، ما يسهم في تحسين جودة حياتهن والتقليل من معاناة آلام الظهر المنتشرة.

المصادر والمراجع

1. National Institute of Arthritis and Musculoskeletal and Skin Diseases (NIAMS). “Back Pain.” https://www.niams.nih.gov/health-topics/back-pain

2. Mayo Clinic. “Back Pain Causes.” https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/back-pain/symptoms-causes/syc-20369906