الفرق بين المشكلة البحثية والاجتماعية

الفرق بين المشكلة البحثية والمشكلة الاجتماعية

تعتبر دراسة المشكلات جزءًا أساسيًا من العملية البحثية في العديد من المجالات، سواء كانت علمية، اجتماعية، أو حتى إنسانية. ولكن، قد يختلط على البعض الفرق بين “المشكلة البحثية” و”المشكلة الاجتماعية”، على الرغم من أن هناك تباينًا واضحًا بينهما. في هذا المقال، سنوضح الفروق الجوهرية بين هذين النوعين من المشكلات، مع التركيز على كيفية تحديد كل منهما، ومعالجة الأبعاد التي تميز كل منهما.

1. تعريف المشكلة البحثية

المشكلة البحثية هي السؤال أو التحدي الذي يستهدف الباحث دراسته وتحديد إجابة أو حل له ضمن إطار أكاديمي أو علمي. تُعتبر المشكلة البحثية نقطة انطلاق رئيسية في أي دراسة أو بحث، حيث تحدد مسار البحث، وتوجه أدواته وأساليب جمع البيانات، وتضع الأساس لتفسير النتائج. باختصار، هي مشكلة يتم طرحها في سياق بحثي، وتكون قابلة للتحليل بأسلوب علمي، يهدف إلى إضافة المعرفة أو الفهم حول موضوع معين.

المشكلة البحثية تُعبّر عن فجوة معرفية أو مسألة تحتاج إلى استكشاف. قد تكون هذه الفجوة بسبب عدم وجود معلومات كافية حول موضوع ما، أو قد تكون نتيجة لاختلاف في الآراء حول تفسير ظاهرة معينة. مثلاً، إذا كان الباحث يعمل في مجال التعليم، فقد تكون المشكلة البحثية التي يدرسها “كيف يؤثر استخدام التكنولوجيا على تحصيل الطلاب في المدارس الثانوية؟”

2. تعريف المشكلة الاجتماعية

من ناحية أخرى، تُعد المشكلة الاجتماعية أحد التحديات التي تواجه المجتمع، وتتعلق بالظواهر أو الظروف التي تؤثر بشكل سلبي على الأفراد أو الجماعات. المشكلة الاجتماعية قد تتخذ أشكالًا مختلفة، مثل الفقر، البطالة، الجريمة، التمييز العنصري، أو الانتهاك لحقوق الإنسان. هذه المشكلات لها آثار واسعة على مستوى الأفراد والمجتمعات، وتتطلب تدخلًا من قبل الحكومات أو المنظمات الاجتماعية لإيجاد حلول.

المشاكل الاجتماعية تتمثل في القضايا التي تُسهم في تدهور رفاهية الأفراد أو المجتمعات، وتحتاج إلى معالجة اجتماعية وثقافية واقتصادية. على سبيل المثال، يُعتبر الفقر مشكلة اجتماعية تؤثر على مئات الملايين من الناس حول العالم، حيث تُعرّضهم لظروف حياتية صعبة وتحديات كبيرة في الحصول على التعليم أو الرعاية الصحية.

3. أوجه التشابه بين المشكلة البحثية والمشكلة الاجتماعية

على الرغم من أن هناك اختلافًا جوهريًا بين المشكلة البحثية والمشكلة الاجتماعية، فإن هناك بعض أوجه التشابه بينهما، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

• وجود تأثيرات فردية أو جماعية: كل من المشاكل البحثية والمشاكل الاجتماعية تؤثر على الأفراد أو المجتمعات بشكل ما، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

• دور الاستقصاء والتقصي: في كلتا الحالتين، هناك حاجة إلى جمع معلومات وبيانات للتوصل إلى حلول أو استنتاجات. قد يتم استخدام أساليب البحث العلمي لفهم أبعاد المشكلة الاجتماعية، أو يتم التركيز على استكشاف الظواهر الاجتماعية من خلال البحث.

• التأثير في الحلول: قد تؤدي دراسة المشاكل البحثية إلى إيجاد حلول تؤثر على قضايا اجتماعية أو تساهم في تحسينها. بمعنى آخر، يمكن أن يكون الحل الذي يُقترح للمشكلة البحثية له تأثير إيجابي في حل مشكلة اجتماعية.

4. الفرق الأساسي بين المشكلة البحثية والمشكلة الاجتماعية

• المجال والنطاق:
  المشكلة البحثية تركز على الفجوات المعرفية وتُطرح عادة في سياق أكاديمي أو علمي. في المقابل، المشكلة الاجتماعية تتعلق بتحديات وظواهر تؤثر على المجتمع ككل، وقد تكون نتيجة عوامل اقتصادية، سياسية، ثقافية، أو نفسية.

• الهدف الأساسي:
  الهدف من المشكلة البحثية هو استكشاف الظواهر أو المسائل من خلال المنهج العلمي للوصول إلى نتائج دقيقة ومبنية على الأدلة. في حين أن الهدف من المشكلة الاجتماعية هو تحديد الأسباب الجذرية لهذه المشكلات ووضع حلول عملية للتخفيف من آثارها أو معالجتها.

• المنهجية:
  الباحثون الذين يتعاملون مع المشاكل البحثية غالبًا ما يستخدمون الأساليب المنهجية الدقيقة مثل التجارب، الدراسات الاستقصائية، والنمذجة الإحصائية، بينما يتم التعامل مع المشاكل الاجتماعية باستخدام أساليب تحليلية قد تتضمن دراسة السياسات العامة، التفاعل الاجتماعي، وتقييم البرامج المجتمعية.

• النتائج والتطبيقات:
  نتائج المشكلة البحثية تكون موجهة نحو تطوير المعرفة في مجال معين وقد تساهم في تحسين الأساليب البحثية أو تقديم حلول جديدة للمشاكل. في حين أن نتائج المشكلة الاجتماعية تتطلب في الغالب تدخلات عملية على أرض الواقع لتحسين الظروف المعيشية أو تغيير الأنظمة الاجتماعية.

5. التعامل مع المشاكل البحثية والمشاكل الاجتماعية

• المشاكل البحثية:
  عند التعامل مع المشكلة البحثية، يبدأ الباحث بتحديد السؤال البحثي بدقة، ثم يقوم بجمع البيانات من خلال وسائل علمية مثل الملاحظات، الاستبيانات، المقابلات، أو التجارب. بعد ذلك، يتم تحليل البيانات واستخدام الأساليب الإحصائية لتقديم استنتاجات مبنية على الأدلة. في النهاية، يتم كتابة التقرير البحثي الذي يوضح النتائج ويقترح حلولًا أو اتجاهات بحثية جديدة.

• المشاكل الاجتماعية:
  التعامل مع المشكلة الاجتماعية يتطلب أولاً تحديد الظاهرة أو المشكلة الاجتماعية، مثل البطالة أو الفقر، ثم فهم أبعادها وتأثيراتها على الأفراد والمجتمعات. بعد ذلك، يتم تحليل العوامل المسببة لهذه المشكلة، مثل السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية، ويبدأ البحث في وضع حلول عملية على المستوى المحلي أو الوطني. قد تتضمن هذه الحلول حملات توعية، تغيير السياسات، أو تعزيز الخدمات الاجتماعية لتقليل الآثار السلبية لهذه المشكلة.

6. أمثلة على المشاكل البحثية والمشاكل الاجتماعية

• المشكلة البحثية:
  على سبيل المثال، قد يقوم الباحث بدراسة مشكلة في مجال الصحة النفسية مثل “كيف يؤثر الإجهاد المزمن على وظائف الدماغ؟” تكون هذه المشكلة البحثية مركزة على دراسة العلاقة بين الإجهاد المزمن ووظائف الدماغ باستخدام أساليب البحث العلمي المناسبة.

• المشكلة الاجتماعية:
  من جهة أخرى، قد تتمثل المشكلة الاجتماعية في “ارتفاع معدلات البطالة في المناطق الريفية”، حيث تركز هذه المشكلة على التأثير الاجتماعي والاقتصادي لارتفاع معدلات البطالة وتسببها في تفشي الفقر والمشاكل النفسية والاجتماعية.

7. العلاقة بين المشكلة البحثية والمشكلة الاجتماعية

في بعض الأحيان، يمكن أن تتداخل المشكلة البحثية مع المشكلة الاجتماعية، حيث يقوم البحث العلمي بمساعدة في فهم وتوضيح الظواهر الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن أن تكون “التغيرات في سلوك الشباب بسبب الإنترنت” مشكلة بحثية، ولكنها قد تتطور إلى مشكلة اجتماعية إذا أدت إلى زيادة العزلة الاجتماعية أو العنف الإلكتروني.

الباحثون في هذا السياق قد يتوجهون إلى جمع البيانات وتحليل التأثيرات الاجتماعية لهذه الظواهر، وفي النهاية، قد تسهم نتائج البحث في تقديم حلول للحد من هذه المشكلات على مستوى المجتمع.

8. الخلاصة

إجمالاً، على الرغم من أن المشكلة البحثية والمشكلة الاجتماعية قد تتقاطع في بعض الأحيان، فإن الفارق الرئيسي بينهما يكمن في نطاق الدراسة والأهداف النهائية. المشكلة البحثية تركز على الفهم العميق والموسع للظواهر في إطار أكاديمي، بينما المشكلة الاجتماعية تتعلق بتحديات تؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد والمجتمعات وتتطلب حلولًا عملية وسريعة. وعلى الرغم من ذلك، يبقى لكل من النوعين تأثيره الخاص، حيث يمكن للبحث العلمي أن يساعد في معالجة المشكلات الاجتماعية من خلال تقديم حلول مستندة إلى الأدلة والتحليل الدقيق.