أسرع الكواكب في الدوران

أسرع الكواكب دوراناً حول نفسه

في نظامنا الشمسي، تُعد حركة الكواكب من الظواهر الأساسية التي تنظم الحياة الفلكية وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على العديد من الظواهر الطبيعية، مثل الليل والنهار، والفصول، والحقول المغناطيسية. وبينما تدور جميع الكواكب حول الشمس في مدارات إهليجية، فإنها تدور أيضاً حول محاورها بسرعات متفاوتة. وتختلف هذه السرعات اختلافاً كبيراً من كوكب إلى آخر، إذ يتفوق أحدها على البقية في سرعة دورانه حول نفسه إلى درجة أن يومه يُعد الأقصر بين جميع الكواكب. هذا الكوكب هو كوكب المشتري، أضخم كواكب المجموعة الشمسية، وأسرعها في الدوران حول محوره.

المشتري: عملاق سريع الدوران

يُعتبر المشتري أسرع الكواكب دوراناً حول نفسه، حيث يكمل دورة واحدة حول محوره في حوالي 9 ساعات و55 دقيقة فقط. وللمقارنة، فإن الأرض تستغرق 24 ساعة تقريباً لإتمام دورة كاملة حول نفسها، أي أن يوم المشتري أقصر بأكثر من النصف من يوم الأرض، رغم أن حجمه الهائل يزيد عن حجم الأرض بأكثر من 1300 مرة.

الأسباب الفلكية لسرعة دوران المشتري

تكمن أسباب سرعة دوران المشتري في ظروف نشأته وتكوينه الداخلي، ويُعتقد أن هناك عدة عوامل متشابكة تقف خلف هذه السرعة اللافتة:

1. الكتلة الضخمة: يمتلك المشتري كتلة تعادل أكثر من ضعفي كتلة جميع الكواكب الأخرى مجتمعة، ما يجعل له تأثيراً جاذبياً هائلاً وسرعة زاوية عالية ناتجة عن تراكم المادة خلال تشكله.

2. التركيب الغازي: يتكون المشتري في معظمه من غازَي الهيدروجين والهيليوم، وهما خفيفان نسبياً مقارنة بالصخور والمعادن، ما يقلل من مقاومة الدوران الداخلي ويسهم في تسريع حركته.

3. توزيع الكتلة الداخلي: يتميز الكوكب بوجود نواة صلبة محاطة بطبقات غازية هائلة، ما يساعد على نقل الزخم الزاوي بكفاءة عالية.

مقارنة زمن الدوران بين الكواكب

لتوضيح مكانة المشتري من حيث سرعة الدوران حول نفسه، يُظهر الجدول التالي الزمن الذي يستغرقه كل كوكب لإكمال دورة واحدة حول محوره:

كما نلاحظ، فإن الكواكب الغازية (المشتري، زحل، أورانوس، ونبتون) تدور حول نفسها بسرعة أكبر من الكواكب الصخرية (عطارد، الزهرة، الأرض، والمريخ)، وذلك يعود جزئياً إلى تركيبها الداخلي الغازي، وانخفاض كثافة المادة في طبقاتها الخارجية، مما يقلل من عزم القصور الذاتي الذي يقاوم دوران الكوكب.

التأثيرات الفعلية لدوران المشتري السريع

لا تُعتبر سرعة دوران المشتري مجرد خاصية رقمية، بل إنها تنتج تأثيرات فيزيائية وفلكية متعددة تؤثر على طبيعته ومجاله المغناطيسي وشكله العام:

1. انبعاج القطبين

نتيجة لدورانه السريع، يتخذ المشتري شكلاً مفلطحاً (مُنبعجاً عند خط الاستواء ومسطحاً قليلاً عند القطبين). الفرق في القطر بين الاستواء والقطب يصل إلى حوالي 10,000 كيلومتر، وهو من أكبر الفروقات في الشكل بين جميع الكواكب.

2. نشوء مجال مغناطيسي هائل

يسهم الدوران السريع في تضخيم الدينامو الداخلي للكوكب، مما يكوّن مجالاً مغناطيسياً قوياً جداً، يُعد من أقوى المجالات المغناطيسية بين كواكب النظام الشمسي. هذا المجال يتسبب في وجود أحزمة إشعاعية كثيفة، وأضواء قطبية مذهلة، تُرى في طبقات الغلاف الجوي العليا للمشتري.

3. تشكل أحزمة الغيوم والتيارات النفاثة

تنتج عن السرعة الكبيرة في الدوران أحزمة من الغيوم ذات ألوان مختلفة، تتحرك بسرعات متفاوتة، وتؤدي إلى ظاهرة تعرف بـ”التيارات النفاثة” أو Jet Streams. هذه التيارات تشكل دوامات ضخمة، أشهرها “البقعة الحمراء العظيمة”، وهي إعصار مستمر منذ مئات السنين.

الزهرة: الأبطأ والأغرب

على الجانب الآخر، فإن كوكب الزهرة يُعد الأبطأ من حيث الدوران حول نفسه. إذ يستغرق دورانه دورة كاملة واحدة حوالي 243 يوماً أرضياً، كما أنه يدور في اتجاه معاكس لدوران معظم الكواكب (الزهرة يدور من الشرق إلى الغرب، بينما تدور معظم الكواكب من الغرب إلى الشرق). يُعتقد أن سبب هذه الحركة غير المعتادة يرجع إلى اصطدام هائل خلال مراحل تشكله الأولى.

سرعة الدوران وعلاقتها بالخصائص الكوكبية الأخرى

هناك علاقة وثيقة بين سرعة دوران الكوكب والعديد من خصائصه الطبيعية، من أبرزها:

• طول اليوم الكوكبي: كلما زادت سرعة دوران الكوكب، قصر طول يومه.

• شكل الكوكب: الكواكب التي تدور بسرعة كبيرة تميل إلى التفلطح عند القطبين بسبب قوة الطرد المركزي.

• المجال المغناطيسي: غالباً ما يساهم الدوران السريع في إنتاج مجال مغناطيسي أكثر نشاطاً واتساعاً.

• الأنظمة الجوية: سرعة الدوران تؤثر في عدد وشدة التيارات الهوائية والعواصف.

كواكب الغاز العملاقة وسرعة الدوران

أظهرت الدراسات الفلكية أن الكواكب الغازية تميل إلى امتلاك سرعات دوران أعلى بكثير من الكواكب الصخرية. ويعزى ذلك إلى:

• نمط التكوين: الكواكب الغازية نشأت في مناطق أبعد من الشمس، مما جعلها تحتفظ بزخمها الزاوي بشكل أكبر خلال عملية التكوين.

• التركيب الداخلي: يسمح التركيب الغازي بنقل الزخم بصورة أكثر مرونة، ما يسرّع من معدل الدوران.

• قلة المقاومة الداخلية: مقارنةً بالكواكب الصخرية، فإن الكواكب الغازية تواجه مقاومة داخلية أقل، ما يتيح لها الدوران بحرية أكبر.

الخاتمة العلمية

تمثل دراسة سرعة دوران الكواكب مجالاً محورياً في علم الفلك، لما له من ارتباطات أساسية بتطور الكواكب، وخصائصها الفيزيائية، وأثرها في تكوين الغلاف الجوي والمجالات المغناطيسية. إن فهم السبب وراء كون المشتري أسرع الكواكب دوراناً يمنحنا رؤى مهمة حول البنية الديناميكية للكون وآليات تشكله. كما تساعد هذه المعارف في استكشاف الكواكب خارج النظام الشمسي، وفهم احتمالية وجود نظم كوكبية أخرى تتميز بخصائص مماثلة أو مغايرة تماماً.

المراجع:

1. NASA – Jupiter Facts: https://solarsystem.nasa.gov/planets/jupiter/overview/

2. ESA (European Space Agency) – Planetary Rotation: https://www.esa.int/Science_Exploration/Space_Science/Planetary_rotation