الفرق بين الاستنجاء والاستجمار

الفرق بين الاستنجاء والاستجمار

تُعد الطهارة من أهم مبادئ الإسلام التي تقوم عليها صحة العبادات، وخاصة الصلاة، إذ لا تُقبل صلاة المسلم إلا بطهارة كاملة من الحدثين الأصغر والأكبر. ومن بين الوسائل التي شرعها الإسلام للتطهر بعد قضاء الحاجة: الاستنجاء والاستجمار. هذان المفهومان يُعتبران من المصطلحات الفقهية الدقيقة التي تحتاج إلى بيان مفصل، خاصة مع ما يعتريهما من تشابه قد يختلط على بعض الناس، بينما لكلٍ منهما شروط وأحكام وأدوات تخصه. يتناول هذا المقال الفرق بين الاستنجاء والاستجمار من حيث التعريف، الأدلة الشرعية، الأدوات المستخدمة، الأحكام الفقهية، آراء العلماء، والضوابط الخاصة بكل منهما.

تعريف الاستنجاء

الاستنجاء في اللغة مأخوذ من مادة (ن ج و) التي تدل على إزالة الشيء وتنقيته، وهو إزالة النجاسة عن المخرجين، القبل والدبر، بالماء بعد قضاء الحاجة. أما في الاصطلاح الفقهي، فهو تطهير موضع خروج البول أو الغائط بالماء الطهور، سواء أكان صبًّا أو غَسْلًا أو مَسْحًا.

تعريف الاستجمار

الاستجمار مأخوذ من (ج م ر) أي التجمع والتكاثف، ويُقصد به في اللغة: المسح بالحجارة أو ما يقوم مقامها. وفي الاصطلاح: مسح موضع النجاسة من القبل أو الدبر بعد قضاء الحاجة بأحجار طاهرة أو أشياء طاهرة جافة تقوم مقامها، كالمنديل أو المناديل الورقية أو الخِرَق.

الفرق بين الاستنجاء والاستجمار

الأدلة الشرعية

الاستنجاء والاستجمار كلاهما مشروعان بنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومن ذلك:

• قوله تعالى:
  
  ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108]
  
  وقد فسر ابن عباس هذه الآية بأنهم كانوا يستنجون بالماء بعد قضاء الحاجة.

• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
  
  «نزلت هذه الآية في أهل قباء: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾، قال: كانوا يستنجون بالماء فمدحهم الله بذلك». [رواه الترمذي].

• وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه:
  
  «نهانا رسول الله ﷺ أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار». [رواه مسلم].

مشروعية كل منهما

الاستنجاء مشروع باتفاق الفقهاء، بل هو الأصل والأكمل والأطيب، وخاصة إذا كانت النجاسة رطبة أو فيها بلل.

الاستجمار مشروع كذلك، ولكن بشرط أن يكون أداة الاستجمار طاهرة غير محترمة (أي لا يكون بشيء فيه ذكر الله أو طعام)، وأن يُنقِّي موضع النجاسة تمامًا بثلاث مسحات أو أكثر حتى يتيقن طهارته.

شروط صحة الاستجمار

1. الإنقاء التام: أي زوال عين النجاسة وأثرها من المخرج.

2. أن يكون بثلاث مسحات فأكثر: حتى يتحقق الإنقاء.

3. أن يكون بطاهر: أي لا يُستخدم شيء نجس أو قذر.

4. أن لا يكون محترمًا: كالكتب أو الطعام أو أي شيء فيه ذكر الله.

5. أن لا يتعدى البول أو الغائط موضع خروجه: فإن تعدى فلا يكفي الاستجمار، بل يجب الاستنجاء بالماء.

آراء المذاهب الأربعة

• الحنفية: يجيزون الاستجمار وحده إن أنقى المحل، ويُكرَه ترك الماء مع القدرة عليه.

• المالكية: يرون جواز الاقتصار على الاستجمار فقط ما لم تتعدّ النجاسة.

• الشافعية: يُفضلون الجمع بين الاستنجاء والاستجمار، ويُجزئ كلٌ منهما إذا تحقق الإنقاء.

• الحنابلة: يرون جواز الاستجمار وحده ما لم تنتشر النجاسة، ويعتبرون الماء أطيب وأنقى.

الجمع بين الاستنجاء والاستجمار

يُعتبر الجمع بين الطريقتين أفضل وأكمل في الطهارة، بأن يبدأ المسلم بالاستجمار ثم يتبعه بالماء، كما ورد عن النبي ﷺ أنه كان يفعل ذلك أحيانًا. الجمع بين الطريقتين يُحقق نظافة أكمل ويُزيل أي أثر باقٍ بعد المسح.

صور لا يصح فيها الاستجمار فقط

• إذا كانت النجاسة قد تعدت محلها المعتاد.

• إذا لم تُزل الأدوات المستخدمة أثر النجاسة.

• إذا استُخدمت أداة غير جافة أو نجسة.

• إذا لم تُستخدم ثلاث مسحات فأكثر.

• إذا استُخدم شيء فيه إساءة، ككتب العلم أو أوراق القرآن.

أهمية النظافة في الإسلام

الطهارة ليست مجرد أمر تعبدي، بل هي مظهر من مظاهر العناية بالصحة العامة والخصوصية الشخصية. يُشدد الإسلام على طهارة الجسد والملابس والمواضع، ويُربط بين الطهارة الظاهرة والباطنة. وقد عُدّت الطهارة من شُعب الإيمان، وجُعلت شرطًا من شروط الصلاة، وقُدمت على العبادات الأخرى.

تطبيقات عملية للطهارة الشخصية

• في الأماكن العامة: يجب استخدام المناديل الورقية عند عدم توفر الماء، مع التأكد من تحقق الإنقاء.

• عند الأطفال: يجب تعليمهم منذ الصغر الفرق بين الطهارتين، وتدريبهم على استخدام الوسائل المتاحة بفعالية.

• في السفر: يُرخص باستخدام الاستجمار إن لم يتوفر الماء، وهذا من تيسير الشريعة.

محاذير يجب تجنبها

• استعمال أوراق تحتوي على آيات قرآنية أو أسماء الله في الاستجمار.

• الاكتفاء بمسحة أو مسحتين دون تحقيق الإنقاء.

• استخدام اليد اليمنى في إزالة النجاسة.

• ترك الطهارة بعد قضاء الحاجة بدعوى السرعة أو الانشغال.

أثر الطهارة على العبادة

لا تُقبل الصلاة بدون طهارة صحيحة، سواء كانت طهارة من الحدث أو من النجاسة. وقد قال النبي ﷺ:

«لا تُقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ». [رواه البخاري ومسلم].

فمن شروط الوضوء إزالة النجاسة، وهو ما يتحقق بالاستنجاء أو الاستجمار. فإن أُهملت هذه الطهارة، بطل الوضوء، ومن ثمّ بطل ما يترتب عليه من صلاة أو طواف أو مسّ المصحف.

مقاصد الشريعة من الاستنجاء والاستجمار

• تحقيق النظافة الشخصية: لما لها من أثر على الصحة.

• تعظيم شأن الطهارة في الإسلام: فهي عنوان الإيمان.

• التيسير على المسلمين: حيث أُجيز الاستجمار عند عدم توفر الماء.

• حماية الفرد والمجتمع من الأمراض: عن طريق تشريع أسس النظافة.

خلاصة الفرق الجوهرية

• الاستنجاء: أساسه الماء، ويُعدّ أكمل وأطيب.

• الاستجمار: جائز، لكنه مشروط بالإنقاء وأدوات معينة.

• الأكمل: الجمع بينهما متى أمكن.

المراجع

1. الإمام النووي، شرح صحيح مسلم.

2. الإمام ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل.