آثار إزالة الغابات على البيئة

آثار إزالة الغابات

تُعد الغابات من أهم النظم البيئية على سطح الأرض، لما تلعبه من أدوار جوهرية في الحفاظ على التوازن البيئي، والمناخي، والحيوي. غير أن إزالة الغابات أو ما يُعرف بـ”إزالة الغطاء الحرجي” باتت ظاهرة عالمية تهدد مستقبل الحياة على الكوكب. إذ تُجرى هذه العمليات لأغراض الزراعة، والرعي، والتوسع العمراني، واستخراج الموارد الطبيعية، دون اعتبار كافٍ للعواقب البيئية والاجتماعية المدمرة. إن آثار إزالة الغابات لا تقتصر على البيئة فقط، بل تمتد لتشمل الاقتصاد، والمجتمعات المحلية، والصحة العامة، وحتى استقرار المناخ العالمي.

أولاً: الأثر على المناخ

الغابات تمثل “رئة الكوكب”، إذ تمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وهو الغاز الدفيء الرئيسي المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري. عند إزالة الغابات، لا يفقد العالم فقط قدرة تلك الأشجار على امتصاص الكربون، بل يُطلق كربوناً مخزوناً في جذوع الأشجار والتربة إلى الغلاف الجوي. وبهذا تصبح إزالة الغابات من أكبر مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة، وتُسهم مباشرة في تفاقم تغير المناخ.

تؤثر الغابات أيضًا في الدورة المائية من خلال التبخر والنضح، ما يساهم في تكوين السحب والأمطار. إزالة الغابات تؤدي إلى جفاف التربة، وتقلّب مستويات الرطوبة في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تقلبات مناخية حادة، مثل موجات الجفاف الطويلة والفيضانات المفاجئة.

ثانياً: فقدان التنوع البيولوجي

تُعد الغابات، خصوصًا الاستوائية منها، موطنًا لملايين الأنواع من الكائنات الحية، بما في ذلك نباتات، وحيوانات، وحشرات، وكائنات دقيقة، كثير منها لا يوجد في أي بيئة أخرى. عند قطع الأشجار وتدمير المواطن الطبيعية، تُجبر الحيوانات على الهروب، أو تموت بسبب نقص الغذاء والمأوى، أو تصبح فريسة سهلة للانقراض.

يُقدر أن أكثر من 80% من الكائنات الحية الأرضية تعتمد بشكل أو بآخر على الغابات، ووفقًا لتقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن إزالة الغابات مسؤولة عن انقراض آلاف الأنواع سنويًا، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي، ويؤثر على سلاسل الغذاء.

ثالثاً: تدهور التربة وزيادة الانجراف

تُشكل جذور الأشجار درعًا طبيعيًا يربط التربة ويمنع انجرافها بفعل الرياح أو الأمطار. عند إزالة الغابات، تصبح التربة عرضة للتعرية والانجراف، مما يؤدي إلى تدهور خصوبتها وفقدان العناصر الغذائية الأساسية. هذا يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي في المناطق المجاورة، ويزيد من خطر الفيضانات وانسداد الأنهار بسبب تراكم الرواسب.

كما أن التربة المنجرفة تحمل معها ملوثات مثل الأسمدة والمبيدات، التي قد تتسرب إلى الأنهار والبحيرات، مهددة مصادر المياه العذبة.

رابعاً: تأثيرات على الموارد المائية

تلعب الغابات دورًا هامًا في تنظيم الدورة الهيدرولوجية، من خلال الاحتفاظ بالمياه الجوفية وتنظيم تدفق الأنهار والمياه السطحية. إزالة الغابات تؤدي إلى تغيّرات في تدفق المياه، حيث تُفقد القدرة الطبيعية على امتصاص وتخزين مياه الأمطار، مما يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية، وزيادة الجفاف، وتفاقم الفيضانات.

وتكون المجتمعات المحلية التي تعتمد على الأنهار والينابيع لتأمين مياه الشرب أو الزراعة من أكثر المتضررين من هذه التغيرات.

خامساً: التأثيرات الصحية

إزالة الغابات لها آثار صحية مباشرة وغير مباشرة. من جهة، تؤدي إلى فقدان النباتات الطبية النادرة، والتي تُستخدم في إنتاج الأدوية، بل وتشكل الأساس للعديد من الصناعات الصيدلانية الحديثة. ومن جهة أخرى، تؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية الجديدة نتيجة لانحسار الحواجز الطبيعية بين البشر والحيوانات البرية.

أحد الأمثلة الشهيرة هو انتقال فيروس الإيبولا من الخفافيش إلى البشر في مناطق شهدت إزالة مكثفة للغابات. كذلك تشير دراسات علمية إلى أن إزالة الغابات تؤدي إلى زيادة احتمالية تفشي الأوبئة، نتيجة تزايد التماس بين البشر والحياة البرية.

سادساً: التأثيرات الاقتصادية

رغم أن إزالة الغابات تُبرر غالبًا باعتبارها خطوة نحو التنمية الاقتصادية، فإن آثارها بعيدة المدى تؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة. على المدى القصير، قد تُوفر فرص عمل في قطاعي الزراعة والتعدين، لكنها على المدى الطويل تؤدي إلى فقدان وظائف في السياحة البيئية، والصيد، والأدوية النباتية، والصناعات القائمة على منتجات الغابات غير الخشبية.

كذلك، فإن تدهور جودة التربة والمياه، واضطراب المناخ، يُكبّد المجتمعات المحلية والدول تكاليف باهظة في شكل دعم زراعي إضافي، ومعالجة صحية، وتكاليف إعادة تشجير ومكافحة الكوارث الطبيعية.

سابعاً: التأثيرات الاجتماعية والثقافية

تشكل الغابات مصدر حياة وثقافة للكثير من المجتمعات الأصلية والسكان المحليين الذين يعيشون فيها أو حولها منذ قرون. إزالة الغابات تعني فقدان السكن، وسبل المعيشة، والهوية الثقافية لهذه المجتمعات، وهو ما يُعد شكلاً من أشكال التهجير القسري.

كثير من القبائل الأصلية التي كانت تعيش في وئام مع البيئة باتت تواجه خطر الانقراض الثقافي، حيث تُجبر على الانتقال إلى المدن والتخلي عن نمط حياتها التقليدي، مما يؤدي إلى فقدان المعارف التقليدية واللغات الأصلية.

ثامناً: تهديد الأمن الغذائي

تلعب الغابات دورًا غير مباشر في دعم الزراعة من خلال حماية التربة، وتنظيم المناخ، ودعم التنوع الحيوي الضروري لتلقيح المحاصيل. إزالة الغابات تُضعف هذه العمليات، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وزيادة اعتماد الدول على الواردات الغذائية.

كما أن إزالة الغابات لصالح الزراعة التجارية (مثل زراعة فول الصويا وزيت النخيل) تؤدي إلى احتكار الأراضي، وطرد صغار المزارعين، وزيادة الفقر والمجاعة في بعض المجتمعات.

جدول: مقارنة بين الأثر البيئي للغابات قبل وبعد الإزالة

تاسعاً: الآثار على التوازن الكوكبي

إزالة الغابات تؤثر على التوازن الكوكبي للحرارة، والرطوبة، والهواء. فالغابات، خصوصًا الاستوائية، تؤدي دورًا محوريًا في تبريد الغلاف الجوي عبر التبخر والتحكم في حركة الرياح. وعند إزالتها، يُختل هذا التوازن، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة عالميًا.

علاوة على ذلك، فإن هذه التغيرات تؤثر على تيارات المحيطات وأنماط هطول الأمطار في مناطق بعيدة، ما يعني أن آثار إزالة الغابات لا تقتصر على الدول التي تُمارسها، بل تشمل دولًا أخرى بعيدة عنها جغرافيًا.

عاشراً: الجهود الدولية لمعالجة المشكلة

استشعارًا لخطورة إزالة الغابات، انطلقت العديد من المبادرات والاتفاقيات الدولية، أبرزها:

• اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي شجعت على برنامج “REDD+” الهادف إلى تقليل انبعاثات إزالة الغابات وتعويض المجتمعات المحلية.

• اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) التي تسعى للحفاظ على الأنظمة البيئية.

• مبادرات التمويل الأخضر، التي تربط بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الغابات، من خلال تمويل مشاريع تشجير مستدامة.

غير أن هذه الجهود لا تزال تواجه تحديات كبيرة، مثل نقص التمويل، وغياب الإرادة السياسية، وضعف تطبيق القوانين.

خاتمة

إزالة الغابات ليست مجرد فعل بيئي ضار، بل هي معول يهدم ركائز الحياة المستقرة على كوكب الأرض. إن ما تفقده البشرية من خلال هذه العمليات يفوق بكثير ما تكسبه على المدى القصير. وبينما تُهدد إزالة الغابات الأمن البيئي، والصحي، والغذائي، والاقتصادي، فإن الحفاظ عليها يُعد استثمارًا طويل الأمد في مستقبل مستدام وآمن للأجيال القادمة.

المراجع:

• FAO. (2020). Global Forest Resources Assessment 2020. Food and Agriculture Organization of the United Nations.

• IPCC. (2021). Sixth Assessment Report – Climate Change 2021. Intergovernmental Panel on Climate Change.