الغارمون وأحقية الزكاة

من هم الغارمون الذين يستحقون الزكاة؟

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، وقد أوجبها الله تعالى على المسلمين طهارة لأنفسهم وأموالهم. الزكاة لا تقتصر على مساعدة الفقراء والمحتاجين فقط، بل تشمل أيضاً فئات متعددة يحددها الشرع وتستحق التزكية. من بين هذه الفئات، تأتي فئة “الغارمين” الذين يعتبرون من أولى الفئات التي يجب أن تُخصَّص لهم الزكاة.

الغارمون في اللغة والشرع

في اللغة العربية، يُطلق لفظ “غارم” على الشخص الذي غَرِمَ أو تحمل ديونًا يعجز عن سدادها. ويعود معنى كلمة “غارم” في السياق الشرعي إلى من وقع في دين يحتاج إلى سداد ولا يستطيع الوفاء به. وفي هذا الصدد، يتضح أن الغارم هو الذي عليه التزامات مالية لا يستطيع الوفاء بها من دون مساعدة خارجية.

أما في القرآن الكريم، فقد ورد ذكر الغارمين في قوله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي رِقَابِهِمْ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة: 60). في هذه الآية، تم ذكر الغارمين ضمن الفئات التي يستحقون الزكاة، مما يدل على أهمية هذه الفئة في المجتمع الإسلامي وأحقية تقديم المساعدة لهم.

أنواع الغارمين

الغارمُون هم أولئك الذين يكونون في حاجة إلى المال بسبب تعرضهم إلى الديون التي لا يستطيعون سدادها. ويمكن تقسيمهم إلى عدة أنواع وفقًا للظروف التي أدت بهم إلى الدين:

1. الغارمون بسبب الديون الشخصية
   هؤلاء هم الأشخاص الذين وقعوا في دين نتيجة لظروف شخصية أو مالية. قد يكون ذلك بسبب قروض شخصية لأغراض معينة مثل العلاج أو التعليم أو حتى نتيجة لمشاكل مالية طارئة كالطرد من العمل أو خسارة مصدر الدخل الأساسي. وفي هذه الحالة، يكون الغارم قد تحمّل التزامات مالية تفوق قدرته على السداد.

2. الغارمون بسبب ديون تجارية
   هؤلاء هم الأشخاص الذين كانوا يديرون أعمالاً تجارية قد أخفقت بسبب خسائر أو ظروف غير متوقعة مثل التراجع في السوق أو الكوارث الطبيعية. قد يكون لديهم التزامات مالية تجاه أصحاب الأموال أو البنوك التي تم إقراضهم منها، مما يسبب لهم معاناة شديدة في تسديد هذه الديون.

3. الغارمون بسبب الديون المتعلقة بالعائلات
   يمكن أن يكون هناك أشخاص مدينون بسبب مساعدة العائلات في ظروف طارئة، مثل دفع تكاليف علاج أحد أفراد العائلة أو دفع رسوم دراسية لأبنائهم أو تكاليف الزواج. في هذه الحالة، يكون الدين ناتجًا عن التضحية من أجل العائلة.

4. الغارمون بسبب القضايا القضائية
   هناك أفراد يقع عليهم عبء ديون نتيجة لتورطهم في قضايا قضائية أو إجراءات قانونية قد تفرض عليهم دفع تعويضات أو غرامات مالية. هؤلاء الأفراد قد يحتاجون إلى دعم الزكاة لتسديد هذه المبالغ التي لا يستطيعون دفعها بمفردهم.

شروط استحقاق الغارمين للزكاة

بناءً على ما ورد في القرآن الكريم، فإن الغارمين هم الذين لا يستطيعون سداد ديونهم وهم في حاجة إلى المساعدة. لكن ليس كل غارم يستحق الزكاة. وفقًا للفقه الإسلامي، هناك بعض الشروط التي يجب أن تتوافر لكي يتم تخصيص الزكاة للغارمين:

1. العجز عن سداد الدين
   
   يجب أن يكون الغارم غير قادر على الوفاء بديونه. وهذا يشمل الأشخاص الذين لا يملكون المال الكافي لسداد ديونهم في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب. إذا كان الغارم لديه القدرة على سداد الدين، فلا يُعتَبر من المستحقين للزكاة.

2. عدم التبذير أو الإسراف
   
   يجب أن يكون الدين قد نشأ نتيجة لظروف قاهرة أو ضرورة ماسة، وليس بسبب تبذير أو إسراف. وبالتالي، إذا كانت الديون ناتجة عن سلوك غير عقلاني أو ترف، فلا يجوز للمسلم دفع الزكاة لهذا الشخص.

3. حاجة الشخص الحقيقية
   
   لا يُعطى الغارم الزكاة إلا إذا كانت حاجته حقيقية. بمعنى أن الشخص يجب أن يكون في وضع مالي صعب ويواجه أزمة اقتصادية لا يستطيع الخروج منها دون مساعدة.

4. كون الدين غير متعلق بالحرام
   
   إذا كان الدين الذي على الشخص يتعلق بنشاط محرم مثل تجارة المخدرات أو القروض الربوية، فلا يجوز للغارم هذا أن يتلقى الزكاة. في هذه الحالة، يعتبر الدين غير مشروع وبالتالي لا يمكن دعمه من أموال الزكاة.

كيفية دفع الزكاة للغارمين

دفع الزكاة للغارمين ليس مجرد مسألة تقديم المال، بل يتطلب أن تكون المساعدة بطريقة تضمن أن الشخص الغارم سيستطيع تسديد دينه بكرامة ودون أن يتعرض لمزيد من الضغوط. وهناك عدة طرق يمكن من خلالها دفع الزكاة للغارمين:

1. دفع المبلغ مباشرة للغارم
   
   إذا كان الغارم شخصًا معروفًا ويمكن تأكيد حاجته للمال، فيمكن دفع الزكاة مباشرة له. لكن يجب التأكد من أنه لا يملك المال الكافي لسداد الدين من مصادر أخرى.

2. دفع المبلغ مباشرة للدائن
   
   في بعض الحالات، قد يكون من الأفضل دفع الزكاة مباشرة إلى الدائن الذي يطالب الغارم بالدين. هذا يضمن أن يتم سداد الدين مباشرة ويحفظ كرامة الشخص الذي يعاني من الدين.

3. إعطاء المبلغ بشكل غير مباشر
   
   في بعض الأحيان، قد يكون من الأفضل تقديم الزكاة عبر مؤسسات خيرية معترف بها تقوم بإدارة هذا النوع من الدعم. حيث تقوم هذه المؤسسات بتحديد الأشخاص الذين يعانون من الديون والذين لا يستطيعون سدادها وتوزيع الزكاة عليهم بالطريقة الأنسب.

أهمية مساعدة الغارمين

مساعدة الغارمين تعتبر من أعظم أشكال التكافل الاجتماعي في الإسلام. فالغارم الذي يعجز عن سداد دينه قد يقع في حالة نفسية صعبة، ويشعر بالعجز والهوان. لذلك، تكفل الزكاة له فرصة جديدة للعيش بكرامة، بعيدًا عن قيد الديون التي تثقل كاهله. الزكاة في هذه الحالة ليست مجرد مساعدة مالية، بل هي رسالة تضامن إنساني تساهم في استقرار المجتمع وحفظ أفراده من الضياع.

إن اهتمام الإسلام بمساعدة الغارمين يعكس التزامه الكبير بتوفير حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع، والعمل على الحد من التفاوتات المالية بين الناس. إن الغارمين هم فئة تستحق كل اهتمام ورعاية، ويجب على المسلمين أن يحرصوا على تخصيص جزء من زكاتهم لمساعدتهم في هذا الشأن، بما يحقق التكافل الاجتماعي ويعزز روح التعاون في المجتمع.