تاريخ تأسيس منظمة اليونسكو

متى تأسست منظمة اليونسكو: النشأة، الأهداف، التاريخ، الإنجازات، والتحديات

مقدمة تاريخية حول السياق العالمي لتأسيس اليونسكو

شهد العالم في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية تحولات جذرية على مستوى العلاقات الدولية، والفكر السياسي، والوعي الجمعي حول ضرورة ترسيخ السلام والتفاهم بين الشعوب. وكان الدمار الهائل الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك مآسي الهولوكوست والقصف الذري في هيروشيما وناجازاكي، دافعاً أساسياً لإعادة صياغة النظام العالمي. في هذا السياق، برزت الحاجة إلى منظمات دولية تضع أسسًا ثابتة للتعاون بين الدول، ليس فقط في المجالات السياسية والاقتصادية، بل أيضًا في الميادين التعليمية والثقافية والعلمية، وهي المجالات التي تلامس جوهر بناء الإنسان والمجتمع.

من رحم هذه الحاجة الإنسانية ولدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعروفة اختصاراً باسم اليونسكو (UNESCO)، وهي إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة.

تاريخ تأسيس منظمة اليونسكو

تأسست منظمة اليونسكو رسميًا في 16 نوفمبر عام 1945 في العاصمة البريطانية لندن، عقب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بإنشاء منظمة للتربية والعلم والثقافة، والذي حضرته ممثليات عن 44 دولة. وقد جاء الإعلان عن التأسيس بموجب توقيع الدول الحاضرة على الميثاق التأسيسي للمنظمة، الذي دخل حيّز التنفيذ في 4 نوفمبر 1946 بعد أن صادقت عليه 20 دولة على الأقل.

وهكذا، أصبحت اليونسكو إحدى أولى المنظمات المتفرعة عن منظمة الأمم المتحدة التي تأسست نفسها قبل ذلك بعام، في أكتوبر 1945، لتكون الأداة الثقافية والعلمية والتربوية التي تُكمل أدوار المنظمة الأم في تحقيق السلام العالمي على أساس التفاهم بين الشعوب، وليس فقط عبر القرارات السياسية أو المعاهدات الدبلوماسية.

الاسم والاختصاصات والهيكل الإداري

تُعرف اليونسكو باسمها الكامل:

United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization

أي: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.

ويتمركز مقرها الرئيسي في باريس، فرنسا، وهي تضم هيكلًا إداريًا يتكون من:

• المؤتمر العام: وهو الهيئة العليا للمنظمة، يضم جميع الدول الأعضاء، ويجتمع كل عامين لتحديد سياسات المنظمة العامة.

• المجلس التنفيذي: يتكون من 58 دولة عضوًا، ويعمل على تنفيذ قرارات المؤتمر العام، ويجتمع مرتين سنويًا.

• المدير العام: وهو أعلى مسؤول تنفيذي في المنظمة، يُنتخب من قبل المؤتمر العام لمدة 4 سنوات.

وقد تعاقب على إدارة المنظمة عدد من الشخصيات البارزة، ويشغل منصب المدير العام الحالي السيدة أودري أزولاي منذ عام 2017.

أهداف منظمة اليونسكو

منذ تأسيسها، وضعت اليونسكو مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي توجه عملها في مختلف أرجاء العالم، ويمكن تلخيص هذه الأهداف فيما يلي:

1. دعم التعليم للجميع: توفير فرص التعليم الأساسي والثانوي والعالي في مختلف الدول، خاصة في البلدان النامية.

2. تعزيز البحث العلمي: تشجيع البحث في مجالات التكنولوجيا، العلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، وربطها بالتنمية المستدامة.

3. حماية التراث الثقافي والطبيعي: تسجيل وصون المعالم الثقافية والطبيعية ذات القيمة العالمية عبر برنامج “التراث العالمي”.

4. تعزيز حرية التعبير والإعلام: دعم استقلالية وسائل الإعلام وحماية الصحفيين.

5. نشر ثقافة السلام: محاربة الكراهية والعنصرية وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.

البرامج والمبادرات الرئيسية لليونسكو

تمتلك اليونسكو برامج ممتدة في ميادين عدة، ومن أبرزها:

1. برنامج التعليم للجميع (EFA): أُطلق في عام 1990 بالشراكة مع البنك الدولي ومنظمات أخرى، ويسعى لتحقيق تعميم التعليم الابتدائي في جميع الدول.

2. برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (MAB): يُعنى بدراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة، وتحديد المحميات الطبيعية التي تُعرف بـ”محميات المحيط الحيوي”.

3. التراث الثقافي غير المادي: برنامج خاص بحفظ وتوثيق الفنون والتقاليد الشعبية، مثل الرقصات، الأغاني، الأطعمة، والحرف التقليدية.

4. برنامج التراث العالمي: الذي انطلق في 1972، ويهدف إلى حماية المواقع التي تتمتع بقيمة ثقافية أو طبيعية استثنائية للبشرية.

5. البرنامج الدولي لتطوير الاتصال (IPDC): يهدف إلى تعزيز بنية الإعلام في الدول النامية وتطوير قدرات الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.

إنجازات بارزة لليونسكو

خلال مسيرتها الممتدة منذ عام 1945، سجلت منظمة اليونسكو عددًا من الإنجازات الملموسة على الصعيد العالمي، نذكر منها:

• تسجيل أكثر من 1,100 موقع في قائمة التراث العالمي، موزعة على أكثر من 160 دولة.

• محو الأمية بين الملايين من الأطفال والنساء من خلال البرامج التربوية في الدول الفقيرة.

• حماية العديد من اللغات المهددة بالانقراض، من خلال برامج توثيقية وتربوية.

• دعم إصلاح مناهج التعليم في عدد من الدول الخارجة من النزاعات، مثل العراق وأفغانستان.

• إنشاء مراكز بحثية علمية وثقافية في مختلف مناطق العالم، منها مركز اليونسكو للعلوم في القاهرة، والمكتب الإقليمي للتربية في بيروت.

• الحفاظ على الآثار في مناطق النزاع، مثل ترميم مدينة الموصل بعد تدميرها جزئيًا من قبل تنظيم داعش.

أبرز الدول الأعضاء

بلغ عدد الدول الأعضاء في منظمة اليونسكو حتى عام 2025 ما يقارب 194 دولة. وهناك عضوية كاملة، بالإضافة إلى عضوية مراقب لعدد من الكيانات السياسية غير المعترف بها كليًا. ومن أبرز الأعضاء: فرنسا، ألمانيا، اليابان، البرازيل، مصر، الصين، المملكة العربية السعودية، جنوب إفريقيا، كندا، وروسيا.

كما انسحبت بعض الدول في فترات مختلفة لأسباب سياسية، مثل انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل في عام 2019، قبل أن تعود الولايات المتحدة للعضوية مجددًا في عام 2023.

التحديات والصراعات التي واجهتها اليونسكو

بالرغم من سجلها الحافل بالإنجازات، واجهت منظمة اليونسكو العديد من التحديات، نذكر منها:

1. التسييس المفرط لبعض ملفاتها: خاصة فيما يتعلق بالقدس، والمواقع التاريخية في فلسطين، مما أدى إلى توتر علاقتها ببعض الدول.

2. أزمة التمويل: انسحاب دول كبرى مثل الولايات المتحدة حرم المنظمة من جزء كبير من تمويلها، إذ كانت واشنطن تغطي حوالي 22% من ميزانية اليونسكو.

3. الصراع حول الأولويات: اختلاف وجهات النظر بين الدول الصناعية والدول النامية حول القضايا التي يجب أن تُعطى الأولوية، مثل التعليم مقابل المناخ أو حقوق المرأة.

4. الهجمات على المواقع الثقافية: من قبل جماعات متطرفة، كما حصل في سوريا والعراق ومالي، ما وضع المنظمة تحت ضغط لتفعيل إجراءات الحماية الميدانية بشكل أسرع وأكثر فاعلية.

التمويل والميزانية

تعتمد اليونسكو على مزيج من التمويل:

• التمويل الإلزامي: وهو ما تدفعه الدول الأعضاء وفقاً لمساهماتها المتفق عليها حسب الناتج القومي.

• التمويل الطوعي: وهو ما يُمنح من الدول والمؤسسات بشكل غير إلزامي، لدعم مشاريع محددة.

وقد شهدت المنظمة في السنوات الأخيرة إعادة هيكلة لمواردها نتيجة الأزمة المالية التي أعقبت انسحاب بعض الدول، ما جعلها تعتمد بشكل أكبر على الشراكات الثنائية مع الحكومات والقطاع الخاص.

الجدول التالي يوضح بعض الإنجازات النوعية لليونسكو حسب السنة

خاتمة

إن منظمة اليونسكو، التي تأسست في عام 1945، تمثل ركيزة حيوية في النظام العالمي المعاصر، فهي تضع الإنسان والثقافة والمعرفة في صميم سياسات بناء السلام العالمي. ورغم التحديات السياسية والمالية والتنظيمية التي تواجهها، فإن رسالتها في نشر التعليم، وتعزيز الحوار الثقافي، وحماية التراث، تظل ذات صلة كبيرة بالعصر الراهن، خاصة مع تصاعد التحديات البيئية والثقافية والتعليمية في ظل التطور التكنولوجي السريع. ومن هنا، فإن دور اليونسكو في العقود القادمة سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة في بلورة رؤية إنسانية شاملة ومستدامة لمستقبل البشرية.

المراجع:

1. UNESCO. (n.d.). About us. Retrieved from: https://www.unesco.org

2. United Nations. (1945). Constitution of the United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization. London.