شرب الماء على ثلاث دفعات

الحكمة من شرب الماء على ثلاث دفعات

شرب الماء هو من أبسط العادات اليومية التي يقوم بها الإنسان، إلا أن السنة النبوية الشريفة توجهت إلى هذه العادة البسيطة بتوجيهات دقيقة تنطوي على حكم عظيمة، جمعت بين الفوائد الصحية والروحية. ومن أهم هذه التوجيهات، ما ورد عن النبي محمد ﷺ من استحباب شرب الماء على ثلاث دفعات، لا دفعة واحدة. وقد بيّنت السنة الصحيحة هذا التوجيه وأوصت به، لما فيه من منافع كثيرة تنعكس على صحة الجسد وراحة النفس، وتُظهر الأدب والتواضع أمام نِعَم الله تعالى.

في هذا المقال الموسع، نستعرض الحكمة من شرب الماء على ثلاث دفعات، بالاستناد إلى الأحاديث النبوية، والدراسات العلمية الحديثة، وما ورد عن الأطباء والمختصين في مجال الصحة، مع تسليط الضوء على ما يتصل بهذا السلوك من فوائد جسدية ونفسية وروحية، مما يعكس الإعجاز النبوي في التوجيه حتى في أبسط السلوكيات اليومية.

التوجيه النبوي في شرب الماء

روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان رسول الله ﷺ يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول: إنه أروى وأبرأ وأمرأ”

(رواه مسلم).

كما روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:

«لا تشربوا واحداً كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسمّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم فرغتم»

(رواه الترمذي).

هذه النصوص النبوية تدل على أن النبي ﷺ كان يشرب الماء على ثلاث دفعات، وكان ينصح بذلك أصحابه، ويعلل الأمر بأنه “أروى” أي أكثر ريًا، و”أبرأ” أي أسلم من الأمراض، و”أمرأ” أي أسهل مرورًا في الحلق وألطف في الهضم.

الفوائد الصحية لشرب الماء على ثلاث دفعات

يؤكد العلم الحديث أن الطريقة التي يُشرب بها الماء تؤثر بشكل كبير على فاعليته في ترطيب الجسم وعلى عملية الهضم والدورة الدموية. وقد كشفت الدراسات الطبية أن شرب الماء دفعة واحدة، وبكمية كبيرة، قد يتسبب في اضطراب مفاجئ في التوازن الداخلي للجسم. إليك أهم الفوائد الصحية لشرب الماء على ثلاث دفعات:

1. تجنب الصدمة المفاجئة للمعدة

عند شرب الماء دفعة واحدة وبسرعة، يحدث تدفق مفاجئ لكمية كبيرة من الماء إلى المعدة، مما قد يؤدي إلى تشنج المعدة أو التسبب في اضطرابات هضمية مثل الشعور بالغثيان أو النفخة أو حتى التقيؤ في بعض الحالات.

2. تحسين امتصاص الماء

يؤدي تقسيم شرب الماء على ثلاث دفعات إلى منح الجسم الوقت الكافي لامتصاص الماء بشكل تدريجي ومنظم، مما يحسن عملية الامتصاص في الأمعاء الدقيقة ويجعل عملية الترطيب أكثر فعالية واستدامة.

3. حماية القلب والجهاز الدوري

شرب كميات كبيرة من الماء دفعة واحدة قد يسبب ارتفاعًا مفاجئًا في حجم الدم، مما يُجبر القلب على ضخ الدم بسرعة أكبر. هذا قد يشكل عبئًا إضافيًا على القلب، خاصة لدى كبار السن أو المصابين بأمراض قلبية مزمنة.

4. تقليل العبء على الكليتين

الكليتان تعملان على تصفية الدم من السموم وتنظيم التوازن المائي والكهربي في الجسم. شرب الماء على دفعات يقلل من الضغط المفاجئ على الكلى، مما يساعد في أداء وظيفتها بكفاءة دون إنهاك.

5. دعم الجهاز العصبي

الشرب المفرط والمفاجئ قد يسبب اختلالًا مؤقتًا في مستويات الإلكتروليتات في الجسم، مثل الصوديوم والبوتاسيوم، مما يؤثر على أداء الدماغ والجهاز العصبي. الشرب على مراحل يحافظ على هذا التوازن الحيوي.

الحكمة النفسية والسلوكية من الشرب على ثلاث دفعات

لا تقتصر الحكمة من شرب الماء على ثلاث دفعات على الجوانب الفسيولوجية، بل تشمل أيضًا أبعادًا سلوكية ونفسية وروحية تعزز الوعي والانضباط والتأمل، ومن أبرز هذه الجوانب:

1. تعزيز التأمل والامتنان

عندما يشرب الإنسان الماء على ثلاث دفعات، فإنه يمنح نفسه فرصة للتوقف، والتفكر في نعمة الماء التي منّ الله بها عليه. وهذا التوقف المتكرر يعزز الشعور بالامتنان، ويغرس في النفس الوعي بالنعم التي كثيرًا ما تُؤخذ كأمر مسلّم به.

2. التواضع أمام النعمة

الإفراط في شرب الماء دفعة واحدة قد يشبه تصرف الحيوانات التي لا تعي قيمة الماء، أما الشرب بتأنٍ ووقار فهو دليل على أدب الإنسان وتواضعه أمام عطاء الله، وهو سلوك يعكس فقه النعمة.

3. تهذيب النفس

السنة النبوية تشجع على التروي وضبط النفس حتى في العادات اليومية. ومن خلال التوقف بين كل شربة وأخرى، يتدرب الإنسان على كبح جماح النفس، والتحكم في رغباته، مما ينعكس على سلوكه العام في باقي الأمور الحياتية.

مقارنة بين الشرب على دفعة واحدة والشرب على ثلاث دفعات

تطبيق السنة في الحياة المعاصرة

رغم أن شرب الماء على ثلاث دفعات قد يبدو أمرًا بسيطًا، إلا أن الالتزام به يعكس حرص الإنسان المسلم على اتباع السنة النبوية في تفاصيل حياته اليومية. ويُعد ذلك جزءًا من شعور المسلم بارتباطه برسول الله ﷺ، واقتدائه به في أدق السلوكيات، حتى في شرب الماء.

في الحياة المعاصرة التي تتسم بالسرعة والانشغال، قد يغفل الإنسان عن تطبيق هذه السنة، غير مدرك لما تحمله من فوائد جمة. إلا أن التوقف البسيط لتقسيم الماء إلى ثلاث شربات لا يستغرق وقتًا، ولكنه يُكسب الأجر ويقي من أضرار صحية محتملة.

البعد الروحي والعبادي في شرب الماء

النبي ﷺ علّم أصحابه أن يسمّوا الله عند بداية الشرب، وأن يحمدوه بعد الفراغ. وجاء في الحديث الصحيح:

«إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها»

(رواه مسلم).

فمن خلال هذا السلوك الصغير، يتحول شرب الماء من مجرد عادة فيسيولوجية إلى عبادة تُقرّب العبد من ربه، وتفتح له بابًا من أبواب الذكر، والحمد، والتأمل في نعم الله تعالى.

الإعجاز العلمي في السنة النبوية

تؤكد الدراسات الطبية المعاصرة أن التوجيه النبوي في شرب الماء على ثلاث دفعات ليس مجرد تعليم ديني، بل يحمل أبعادًا علمية دقيقة تتعلق بالفيزيولوجيا البشرية. وقد أظهرت الأبحاث أن عملية ترطيب الخلايا والأعضاء الداخلية تتم على نحو أفضل عندما يتم الشرب بشكل متدرج، مما يتفق تمامًا مع هدي النبي ﷺ.

كما أشار خبراء التغذية في تقارير منشورة في مجلات طبية محكّمة مثل “The American Journal of Clinical Nutrition” و”Harvard Health Publishing” إلى أهمية بطء الشرب وتوزيعه، لأن ذلك يمنع التمدد المفاجئ للمعدة، ويقلل من مخاطر التسمم المائي، ويساعد على تحسين كفاءة الجهاز الهضمي.

الخلاصة العلمية والشرعية

يمكن القول إن شرب الماء على ثلاث دفعات هو سنة نبوية تحمل في طياتها منافع صحية عظيمة وحكمًا سلوكية وروحية، وهو سلوك بسيط في مظهره، عظيم في أثره. ويجسد هذا التوجيه النبوي البليغ الربط بين العبادة والعادة، وبين الإيمان والسلوك، في دعوة دائمة للإنسان أن يقتدي بهدي الرسول الكريم ﷺ في كل شأن من شؤون حياته.

المصادر:

1. صحيح مسلم، كتاب الأشربة

2. The American Journal of Clinical Nutrition, “Water intake and health”