حج التمتع: شرح مفصل وموسع

يُعتبر حج التمتع أحد أنواع الحج المبيحة في الإسلام، وهو من الأحكام الشرعية التي نظمت أداء مناسك الحج والعمرة خلال موسم الحج، بحيث يسمح للحاج بالجمع بين العمرة والحج في وقت واحد مع تمييز واضح في أدائهما. هذا النوع من الحج يحقق تيسيراً للحجاج ويتيح لهم أداء المناسك دون التضحية بواحدة منها أو تأجيلها، وقد أُشرع في الإسلام لأسباب عدة ووضعت له ضوابط محددة تتعلق بالإحرام وأداء النسكين.

مفهوم حج التمتع وأحكامه

حج التمتع هو أداء العمرة في أشهر الحج، ثم يحل للحاج بعد أداء العمرة أن يحل من إحرامه، ومن ثم يُحرم للحج في وقت لاحق خلال نفس موسم الحج، ويتم إتمام مناسك الحج بعد أداء مناسك العمرة. الفارق الأساسي في هذا النوع من الحج هو أن الحاج يُحرم مرتين: مرة للعمرة وأخرى للحج.

يُعتبر التمتع من الأنواع الثلاثة للحج التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وهي: حج الإفراد، وحج القران، وحج التمتع. وكل نوع يختلف في توقيت وأداء الإحرام والعمرة والحج.

الشروط الأساسية لحج التمتع

• الإحرام مرتين: الإحرام للعمرة أولاً في ميقات الحج، ويكون محظورًا عليه ما يُحرم في العمرة حتى يؤدي مناسكها، وبعد الانتهاء منها يُحل من الإحرام. ثم يحرم مرة أخرى للحج.

• التحلل المؤقت: بعد أداء العمرة يحل الحاج من الإحرام ويُسمح له بأفعال كانت محرمة أثناء الإحرام، لكنه يظل في موسم الحج ويؤدي الحج في وقت لاحق.

• الدم: يجب على الحاج أن يقدم دمًا (ذبح هدي) أو فدية، وهو شرط أساسي في حج التمتع، إذ لا يُجزئ التمتع بدون ذبح الهدي.

• النية: يجب على الحاج أن ينوي التمتع عند الإحرام الأول، أي أنه ينوي العمرة والتمتع بالحج معاً.

خطوات وأركان حج التمتع

1. الإحرام للعمرة من الميقات

يبدأ حج التمتع بالاحرام للعمرة، حيث يُحرِم الحاج من الميقات المعين، سواء كان أهل مكة أو من خارجها. يشترط في هذا الإحرام أن يكون مع النية الصادقة لأداء العمرة والتمتع بالحج. ويُسن أن يذكر الحاج النية بلفظ مثل: “اللهم إني نويت العمرة وأداء التمتع بالحج”.

2. أداء مناسك العمرة

بعد الإحرام، يتوجه الحاج إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة، وهي:

• الطواف حول الكعبة سبعة أشواط.

• السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط.

• الحلق أو التقصير (قص الشعر أو حلقه جزئياً).

هذه المناسك تُؤدى كاملة مع مراعاة الشروط والمواقيت الشرعية، وبعد الانتهاء يُحل الحاج من الإحرام، ويُصبح بإمكانه القيام بالأفعال التي كانت محرمة عليه أثناء الإحرام، كلبس الملابس المخيطة والطيب.

3. الإحرام للحج من جديد

بعد تحلل الحاج من إحرام العمرة، يُنتظر حتى وقت الإحرام للحج. وعادةً ما يكون ذلك في يوم 8 من شهر ذي الحجة (يوم التروية)، حيث يُحرِم الحاج للحج من مكة أو من منى حسب موقعه.

4. أداء مناسك الحج

بعد الإحرام الثاني للحج، يبدأ الحاج أداء مناسك الحج التي تشمل:

• الوقوف بعرفة في يوم 9 ذي الحجة (وهو الركن الأعظم في الحج).

• المبيت بمزدلفة بعد غروب الشمس في يوم عرفة.

• رمي الجمرات في أيام التشريق (11، 12، و13 من ذي الحجة).

• الذبح أو تقديم الهدي (والذي يعد شرطًا في التمتع).

• الحلق أو التقصير.

• الطواف بالوداع، وهو الطواف الأخير الذي يختتم به الحج.

الفروق بين حج التمتع وأنواع الحج الأخرى

الأحكام التفصيلية المتعلقة بحج التمتع

الإحرام والنية

لا يصح حج التمتع بدون نية صريحة عند الإحرام للعمرة. إذ يجب أن يصرح الحاج في نيته بأنه ينوي التمتع بالعمرة ثم الحج، وإلا كان إحرامه لإفراد أو قِران حسب نيته.

الذبح أو الفدية

الشرط الأساسي في حج التمتع هو تقديم هدي، وهو ذبح شاة أو بديلها من الأضاحي في مكة المكرمة أو المدينة، وهو ما يفرق التمتع عن الإفراد، فلا يشرع في حج التمتع إلا إذا أتم الحاج تقديم الهدي.

وفي حالة عجز الحاج عن تقديم الهدي، وجب عليه الفدية التي تكون إطعام مسكين أو صيام أيام معينة.

التحلل من الإحرام

بعد أداء العمرة في حج التمتع، يجوز للحاج أن يتحلل من إحرامه، أي أن يخلع ملابس الإحرام ويرتدي ثيابه العادية، ولا يمنع من استعمال الطيب أو غيره من الأمور المحظورة في الإحرام.

لكن عليه أن يعيد الإحرام مرة ثانية عندما يحين وقت أداء مناسك الحج.

تحريم المحظورات

في كلا إحرام العمرة وإحرام الحج في حج التمتع، تُحرّم على الحاج المحظورات الشرعية المتعلقة بالإحرام، مثل:

• عدم حلق أو تقصير الشعر أو الأظافر.

• عدم لبس الملابس المخيطة (للرجال).

• عدم التطيب أو استعمال العطور.

• عدم صيد الحيوانات.

• عدم الدخول في حالات الزواج (كالنكاح).

اختلاف المواضع في الحج والعمرة

العمرة تتم داخل مكة فقط، وتكون مناسكها داخل المسجد الحرام ومنطقة الصفا والمروة. أما الحج فيشتمل على أعمال خارج مكة مثل الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمرات في منى.

أهمية حج التمتع في الشريعة الإسلامية

جاء حج التمتع ليجسد رحمة الإسلام وتيسيره لعباده، حيث أتاح للناس الجمع بين أداء العمرة والحج في موسم واحد، مع تخفيف عنهم، وخاصة من يأتي من بعيد أو من لا يستطيع الإقامة الطويلة في مكة.

حج التمتع يعبر عن فقه دقيق في تنظيم العبادات، حيث يؤمن التمتع بالعمرة ثم الحج في وقت منفصل وبإجراءات واضحة، مع جعل الهدي شرطاً لتعظيم المشقة وتحقيق المظهر الشرعي للعبادة.

أثر حج التمتع على الحاج

حج التمتع يوفر تجربة روحانية غنية ومتسلسلة، إذ يبدأ الحاج بمناسك العمرة التي تمنحه حالة من الطهارة والتقرب إلى الله، ثم يحل من إحرامه مؤقتًا، فيعيش فترة من الاستراحة، قبل أن يعود للإحرام مرة أخرى لأداء مناسك الحج التي هي أرفع درجات الحج.

هذا الترتيب يجعل الحاج يستعد نفسياً وجسدياً لأداء مناسك الحج، ويزيد من تعلقه وروحانيته، مع الحفاظ على التيسير والتدرج في أداء العبادات.

نظرة تاريخية على حج التمتع

ظهر مفهوم حج التمتع منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وورد ذكره في السنة النبوية والقرآن الكريم، وخاصة في قوله تعالى:

{فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]

وفي السنة جاء تفصيل واضح للأنواع الثلاثة للحج، مع تحديد أركان كل نوع وشروطه. وعلى مر التاريخ الإسلامي، ظل حج التمتع من الطرق الشرعية المعتبرة لأداء الحج.

جدول مقارنة تفصيلية بين أنواع الحج الثلاثة

ختاماً

حج التمتع هو خيار شرعي متاح للحاج، يجمع بين أداء العمرة والحج في موسم واحد بطريقة مرنة وميسرة، مع وجود ضوابط وشروط دقيقة تضمن صحة المناسك وقبولها. هذا النوع من الحج يعكس عناية الشريعة الإسلامية براحة الحجاج وتيسير أداء العبادات بما يتناسب مع ظروفهم المختلفة، ويتيح لهم فرصة التقرب إلى الله عز وجل بأفضل الطرق الشرعية.

المراجع:

1. كتاب “الفقه الإسلامي وأدلته” – د. وهبة الزحيلي

2. تفسير ابن كثير

هذا المقال قدم شرحاً وافيًا عن حج التمتع، من حيث المفهوم، الأركان، الأحكام، الفروق مع أنواع الحج الأخرى، والأثر الروحي والاجتماعي لهذا النسك العظيم.