العظام: مستودع ضخم لـ 99% من الكالسيوم في الجسم

تُعد العظام من أبرز مكونات الجهاز الهيكلي في جسم الإنسان، فهي ليست مجرد هياكل صلبة تدعم الجسم وتحمي الأعضاء الداخلية، بل تلعب دوراً أساسياً وحيوياً في العديد من الوظائف الفسيولوجية المهمة، وعلى رأسها تخزين الكالسيوم. تحتوي العظام على حوالي 99% من مجموع الكالسيوم في جسم الإنسان، مما يجعلها خزناً حيوياً لهذا المعدن الحيوي. لهذا السبب، يعد فهم تركيبة العظام ودورها في تخزين الكالسيوم محوراً أساسياً في الطب وعلم التغذية.

التركيب الكيميائي والفيزيولوجي للعظام

العظام ليست مجرد هياكل صلبة متماسكة، بل هي أنسجة معقدة تتكون من مادتين رئيسيتين: المصفوفة العضوية والمصفوفة غير العضوية. تتكون المصفوفة العضوية أساساً من الكولاجين الذي يمنح العظام مرونتها وقدرتها على مقاومة الشد، بينما تحتوي المصفوفة غير العضوية على معادن، ويأتي على رأسها هيدروكسيباتيت الكالسيوم، وهو مركب كيميائي يتكون من الكالسيوم والفوسفور، ويشكل الهيكل الصلب للعظام.

يمثل الكالسيوم في العظام حوالي 99% من الكالسيوم الموجود في الجسم. ويتواجد الكالسيوم في العظام بشكل رئيسي داخل بلورات هيدروكسيباتيت التي تعطي للعظام صلابتها وصلابتها. أما 1% فقط من الكالسيوم فهو متواجد في الدم والسوائل الخلوية، حيث يلعب دوراً أساسياً في العديد من الوظائف الحيوية.

أهمية الكالسيوم في العظام وفي الجسم

الكالسيوم هو عنصر أساسي في العديد من العمليات الحيوية، وله دور مركزي في:

• تكوين وصيانة العظام: الكالسيوم هو المكون الرئيسي الذي يمنح العظام صلابتها وقوتها. نقص الكالسيوم في الجسم يؤدي إلى ضعف العظام، مما يزيد من خطر الإصابة بالكسور وأمراض مثل هشاشة العظام.

• الوظائف الحيوية الأخرى: بالإضافة إلى دوره في العظام، يساهم الكالسيوم في تنظيم تقلص العضلات، نقل الإشارات العصبية، وتخثر الدم. للحفاظ على هذه الوظائف، يتم سحب الكالسيوم من العظام في حالة نقصه في الدم.

• توازن الأحماض والقواعد: يلعب الكالسيوم دوراً في الحفاظ على توازن الحموضة في الدم.

آلية تخزين الكالسيوم في العظام

يتم تخزين الكالسيوم في العظام من خلال عمليتين رئيسيتين: البناء والهدم. الخلايا المسؤولة عن بناء العظام تسمى الخلايا البانية للعظم (Osteoblasts)، بينما الخلايا المسؤولة عن تكسير العظم تسمى الخلايا الهادمة للعظم (Osteoclasts). يتوازن هذان النوعان من الخلايا للحفاظ على صحة العظام واستقرار الكالسيوم في الجسم.

عندما يكون هناك فائض من الكالسيوم في الدم، تقوم الخلايا البانية بامتصاص الكالسيوم وترسيبه داخل العظام على شكل هيدروكسيباتيت. أما عند نقص الكالسيوم في الدم، تقوم الخلايا الهادمة بتحليل العظام لتحرير الكالسيوم وإعادته إلى الدورة الدموية.

دور العظام في تنظيم مستويات الكالسيوم في الدم

يحافظ الجسم على مستويات ثابتة من الكالسيوم في الدم ضمن نطاق ضيق، عادة بين 8.5 إلى 10.5 ملغ/دل، وذلك بسبب أهميته الحيوية. يعتمد هذا التنظيم على توازن دقيق بين امتصاص الكالسيوم من الغذاء، الإفراز في البول، وتخزينه أو تحرره من العظام.

الهرمونات المنظمة لمستوى الكالسيوم

• الهرمون الجار درقي (Parathyroid Hormone – PTH): يتم إفراز هذا الهرمون من الغدد الجار درقية عند انخفاض مستوى الكالسيوم في الدم، ويحفز الخلايا الهادمة على تكسير العظام لتحرير الكالسيوم.

• الكالسيتونين: يفرز من الغدة الدرقية عند ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، ويعمل على تثبيط الخلايا الهادمة وتنشيط الخلايا البانية لتخزين الكالسيوم في العظام.

• فيتامين د (Vitamin D): يزيد من امتصاص الكالسيوم من الأمعاء ويساعد في تنظيم مستوياته في الدم.

تأثير نقص الكالسيوم على العظام والصحة العامة

نقص الكالسيوم المزمن يؤدي إلى مشاكل صحية عديدة، من أهمها هشاشة العظام التي تزيد من خطر الكسور، خصوصاً عند كبار السن. عند نقص الكالسيوم، يبدأ الجسم بسحب الكالسيوم من العظام للحفاظ على وظائفه الحيوية، مما يضعف العظام ويجعلها أكثر عرضة للكسر.

بالإضافة إلى هشاشة العظام، قد يؤدي نقص الكالسيوم إلى اضطرابات في وظائف العضلات والأعصاب، بما في ذلك التشنجات العضلية والارتعاشات.

مصادر الكالسيوم الغذائية وأهميتها في صحة العظام

يعتبر تناول الكالسيوم عن طريق الغذاء أمراً أساسياً للحفاظ على صحة العظام. المصادر الغذائية الغنية بالكالسيوم تشمل:

• منتجات الألبان: مثل الحليب، الزبادي، والجبن، وهي من أغنى المصادر.

• الخضروات الورقية الداكنة: مثل السبانخ، البروكلي، والكرنب.

• المكسرات والبذور: كاللوز وبذور السمسم.

• الأسماك: خاصة التي تحتوي على عظام صغيرة مثل السردين والأنشوجة.

• المكملات الغذائية: تستخدم في حالات النقص الحاد أو عند عدم القدرة على الحصول على كمية كافية من الغذاء.

تناول كمية كافية من الكالسيوم خلال مراحل النمو المختلفة، وخاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، يضمن تكوين عظام قوية ويقلل من خطر الإصابة بهشاشة العظام في المراحل المتقدمة من العمر.

العوامل المؤثرة على امتصاص الكالسيوم

رغم توفر الكالسيوم في الغذاء، إلا أن امتصاصه يتأثر بعدة عوامل، منها:

• فيتامين د: ضروري لامتصاص الكالسيوم في الأمعاء.

• العمر: يقل امتصاص الكالسيوم مع التقدم في العمر.

• حالة الجهاز الهضمي: أمراض مثل الداء البطني أو حالات الالتهابات المعوية تقلل من امتصاص الكالسيوم.

• التدخين والكافيين: يقللان من امتصاص الكالسيوم.

• النشاط البدني: يحفز تقوية العظام وزيادة كثافتها.

الأمراض المرتبطة بخلل الكالسيوم في العظام

هشاشة العظام (Osteoporosis)

حالة مرضية تتميز بفقدان كثافة العظام وضعفها، مما يجعلها أكثر عرضة للكسور. يحدث هذا المرض غالباً بسبب نقص الكالسيوم المزمن أو اضطراب في توازن هرمونات العظام.

الكساح (Rickets)

مرض يصيب الأطفال بسبب نقص فيتامين د والكلسيوم، مما يؤدي إلى ضعف العظام وتشوهها.

فرط كالسيوم الدم (Hypercalcemia)

زيادة مفرطة في مستوى الكالسيوم في الدم قد تؤدي إلى مشاكل صحية منها ترسبات الكالسيوم في الأنسجة الرخوة وتلف الكلى.

العظام ودورها في الصحة العامة

تعد العظام أساسياً ليس فقط للدعم الحركي والحماية، بل أيضاً كمستودع معدني حيوي ينظم توازن الكالسيوم في الجسم. تلعب صحة العظام دوراً مركزياً في جودة الحياة، حيث يرتبط تدهورها بزيادة مخاطر السقوط والإعاقة.

العناية بصحة العظام تبدأ باتباع نظام غذائي متوازن غني بالكالسيوم وفيتامين د، وممارسة الرياضة بانتظام، والابتعاد عن العوامل التي تؤثر سلباً على العظام مثل التدخين والكحول.

جدول يوضح نسبة توزيع الكالسيوم في جسم الإنسان

الخلاصة

العظام تمثل مستودعاً رئيسياً وحيوياً للكالسيوم في جسم الإنسان، حيث تحتفظ بنسبة 99% من الكالسيوم، وهو المعدن الضروري لصحة العظام والعديد من الوظائف الحيوية. فهم كيفية تخزين الكالسيوم في العظام وتنظيم مستوياته في الدم من خلال التوازن بين عمليات البناء والهدم العظمي، يعد أمراً أساسياً للحفاظ على الصحة العامة والوقاية من أمراض العظام المزمنة. التغذية السليمة، والحفاظ على مستويات كافية من فيتامين د، والنشاط البدني المنتظم، كلها عوامل ضرورية لضمان صحة العظام والحفاظ على مخزون الكالسيوم في الجسم.

المصادر:

1. National Institutes of Health (NIH), Office of Dietary Supplements. Calcium Fact Sheet for Health Professionals.

2. “Principles of Bone Biology,” Bilezikian JP, et al., Academic Press, 2020.