العصبية في العمل وأسبابها

العصبية… هل ترتبط بوظيفتك؟

العصبية هي واحدة من المشاعر الطبيعية التي قد يختبرها الإنسان في حياته اليومية. على الرغم من أنها في بعض الأحيان تعتبر سمة سلبية، إلا أنها جزء من الاستجابة الفطرية للأحداث التي تثير الضغط والتوتر. تعد العصبية، في سياق الحياة المهنية، إحدى المشاعر التي تتداخل مع الأداء الوظيفي، وتؤثر على بيئة العمل بشكل عام. يتساءل العديد من الأشخاص عما إذا كانت العصبية مرتبطة بشكل وثيق بوظائفهم، وهل يمكن أن تكون هناك علاقة بين ضغط العمل وزيادة مستويات العصبية. هذا المقال سيتناول تأثير العصبية على الأداء الوظيفي، العوامل المؤدية إليها، وكيفية التعامل معها في بيئات العمل المختلفة.

العصبية في سياق العمل

في البداية، تجدر الإشارة إلى أن العصبية في العمل ليست ظاهرة جديدة. فقد أظهرت الدراسات النفسية والاجتماعية أن المشاعر مثل القلق، التوتر، والغضب قد تزداد بشكل ملحوظ في بيئات العمل ذات الضغوط المرتفعة. يشير الباحثون إلى أن العصبية تعتبر استجابة طبيعية من الجسم عندما يشعر الشخص بالتحدي أو تهديد أو ضغوط نفسية متزايدة.

وفي بيئة العمل، يتعرض الموظفون عادةً إلى مجموعة من العوامل التي يمكن أن تثير العصبية، مثل: المواعيد النهائية الضاغطة، المسؤوليات المتزايدة، التعامل مع العملاء الصعبين، التوقعات العالية من الإدارة، والانتقادات المستمرة. هذه العوامل تساهم في خلق بيئة قد تكون مشحونة عاطفيًا، مما يدفع الأشخاص إلى الشعور بالعصبية أو التوتر.

العوامل المؤدية إلى العصبية في العمل

تتعدد العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى العصبية في بيئة العمل، ولعل أبرزها:

1. الضغط الزمني والمواعيد النهائية
   
   يعد الضغط الزمني أحد أكثر الأسباب شيوعًا لزيادة مستويات العصبية في العمل. عندما يواجه الموظف مواعيد نهائية ضاغطة، يشعر بأنه مهدد بفقدان فرصه في النجاح أو التقدير. ومع تزايد الضغوط التي ترافق هذه المواعيد، تصبح العصبية سمة بارزة في سلوك الموظف.

2. الزيادة في المسؤوليات
   
   في العديد من الحالات، يعاني الموظفون من تزايد في المسؤوليات دون الحصول على الدعم أو الموارد الكافية. هذا التراكم في المهام يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعجز والتوتر، مما يثير مشاعر العصبية بشكل طبيعي.

3. التعامل مع بيئة غير داعمة
   
   إذا كانت بيئة العمل غير مشجعة أو مملوءة بالصراعات أو التنافس غير الصحي، فإن الموظف قد يشعر بالقلق المستمر، مما يزيد من مستويات العصبية. فالإحساس بعدم الأمان الوظيفي أو التعامل مع زملاء صعبين قد يعزز هذا الشعور.

4. الافتقار إلى التقدير
   
   لا شك أن الجميع يحتاج إلى الشعور بالتقدير والاحترام في العمل. عندما يغيب هذا التقدير، يبدأ الموظف في الشعور بالإحباط والمرارة، وقد تظهر العصبية على شكل ردود فعل متسرعة أو توتر مزمن.

5. التغيرات في مكان العمل
   
   التغييرات المفاجئة في بيئة العمل، مثل تغيير السياسات، التعيينات الجديدة، أو إعادة الهيكلة، قد تكون من العوامل المسببة للعصبية. فالتكيف مع الوضع الجديد يتطلب وقتًا وجهدًا، ويعد ذلك مصدرًا كبيرًا للتوتر والعصبية.

6. المشاكل الشخصية والعاطفية
   
   لا تقتصر العصبية على عوامل العمل فقط؛ في كثير من الأحيان، تتداخل المشاكل الشخصية مع بيئة العمل، مما يزيد من شعور الشخص بالتوتر. قد تكون مشاعر القلق أو الضغوط العاطفية في الحياة الشخصية أحد الأسباب التي تجعل الموظف يشعر بالعصبية في العمل.

تأثير العصبية على الأداء الوظيفي

تعتبر العصبية أحد المشاعر التي قد تؤثر بشكل كبير على الأداء الوظيفي. عندما يمر الشخص بحالة من العصبية الشديدة، فإن ذلك يمكن أن يعيق قدرته على التفكير بوضوح واتخاذ القرارات السليمة. من الممكن أن تؤدي العصبية إلى:

1. انخفاض التركيز والانتباه
   
   أثناء الشعور بالعصبية، ينخفض مستوى التركيز، مما يؤدي إلى تشتت الأفكار وصعوبة في إتمام المهام. قد يشعر الموظف بضيق الوقت أو في حالة من التوتر المستمر، مما يعيق قدرته على إتمام عمله بكفاءة.

2. تأثير العلاقات مع الزملاء
   
   العصبية قد تؤدي إلى سلوكيات غير محمودة في التعامل مع الزملاء. قد يصبح الشخص سريع الغضب أو قليل الصبر مع الآخرين، مما يؤثر على التنسيق الجماعي والعمل الجماعي داخل الفريق. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التفاعل السلبي إلى صراعات ومشاحنات تؤثر على البيئة العامة للعمل.

3. القرارات المتسرعة
   
   في حالات العصبية، قد يتخذ الشخص قرارات غير مدروسة أو متسرعة. قد يكون الموظف في حالة من الذعر أو الضغط، مما يدفعه إلى اتخاذ قرارات قد تكون غير موفقة أو حتى ضارة.

4. إعاقة الابتكار والإبداع
   
   تتطلب بيئة العمل المثلى مساحة للابتكار والتفكير الإبداعي. لكن العصبية والتوتر المزمن يمكن أن يحد من قدرة الموظف على التفكير النقدي أو تقديم حلول مبتكرة. فالقلق المستمر يحجب القدرة على التفكير بمرونة.

5. التأثير على الصحة العامة
   
   العصبية المستمرة تؤثر بشكل سلبي على الصحة العامة للموظف. فهي قد تؤدي إلى زيادة مستويات التوتر، مما ينعكس على الصحة البدنية والنفسية، مما يسبب الإجهاد المزمن، اضطرابات النوم، والمشاكل القلبية.

كيفية التعامل مع العصبية في العمل

من أجل تقليل تأثير العصبية على الأداء الوظيفي، هناك عدد من الاستراتيجيات التي يمكن للموظف اتباعها:

1. إدارة الوقت بفعالية
   
   تساعد إدارة الوقت الجيدة في تقليل الضغوط الناتجة عن المواعيد النهائية. من خلال تقسيم المهام إلى أجزاء أصغر وتحديد أولويات العمل، يمكن للموظف تقليل الشعور بالعجز والإحساس بالتوتر.

2. التواصل الفعال
   
   يعد التواصل الجيد مع الزملاء والمشرفين جزءًا أساسيًا في تقليل العصبية. عندما يتمكن الموظف من التعبير عن ضغوطه وتحدياته بشكل واضح، يمكن أن يحصل على الدعم المناسب من فريقه.

3. تقنيات الاسترخاء
   
   يمكن أن تساعد تقنيات التنفس العميق، التأمل، أو الرياضة في تقليل مستويات العصبية. تخصيص وقت للاسترخاء والنشاط البدني يمكن أن يساعد الجسم والعقل على التخلص من التوتر الزائد.

4. المرونة في التعامل مع التحديات
   
   التكيف مع التغيرات والمرونة في التعامل مع التحديات يمكن أن يقلل من التوتر الناتج عن التغيرات في بيئة العمل. عند تقبل التحديات بشكل إيجابي، يصبح من السهل التعامل مع الضغوط.

5. التركيز على الحلول
   
   بدلًا من التركيز على المشكلة، ينبغي أن يوجه الموظف انتباهه إلى الحلول. التفكير الإيجابي وتحديد الخطوات العملية لحل المشكلة يمكن أن يقلل من التوتر والعصبية.

6. البحث عن الدعم
   
   إذا كان التوتر والعصبية في العمل يتزايدان، فقد يكون من المفيد التحدث مع مشرف أو مستشار مختص. الدعم المهني يمكن أن يساعد في تقديم حلول مناسبة للتعامل مع الضغوط.

خلاصة

في النهاية، يمكن القول إن العصبية في العمل تعد من المشاعر الطبيعية التي قد تصيب أي شخص في بيئات العمل الضاغطة. إلا أن تأثيرها على الأداء الوظيفي يمكن أن يكون ضارًا إذا لم يتم التعامل معها بشكل مناسب. الإدارة الفعالة للوقت، التواصل الجيد، وتبني استراتيجيات للتعامل مع التوتر والعصبية يمكن أن تساعد الموظف على الحفاظ على أداء جيد في العمل والحد من التأثيرات السلبية لهذه المشاعر.