العشق في الستين.. نزوة، أم جنون، أم ماذا؟

في مجتمعاتنا العربية، حيث يُنظر غالباً إلى سن الستين على أنه سن التقاعد والهدوء والاستقرار، يثير موضوع العشق في هذه المرحلة من العمر حالة من الاستغراب، وربما حتى الجدل، بين كثيرين. كيف يمكن لشخص في هذه السن أن يعيش تجربة العشق التي غالباً ما يُعتقد أنها محصورة في سنوات الشباب؟ هل هو نزوة عابرة؟ أم هو جنون يضرب العقل ويعمي الرؤية؟ أم أن هناك جوانب أعمق تفسر هذه الظاهرة التي لا تخلو من أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية؟

العشق في الستين: إعادة تعريف للحياة

العشق في مرحلة الستين ليس مجرد حالة عاطفية عابرة، بل هو تعبير عن رغبة الإنسان في الاستمرار بالعيش، والتجدد، والإحساس بالقيمة الذاتية، والقبول، والارتباط العاطفي الذي يضفي على حياته معنى جديداً. في هذه المرحلة، التي قد تحمل الكثير من التغيرات الجسدية والنفسية، يظهر العشق كعامل محفز يدفع الإنسان إلى الانفتاح على الحياة بطريقة مختلفة.

تُظهر الدراسات النفسية أن الرغبة في الحب والارتباط لا تتوقف مع تقدم العمر، بل على العكس، يمكن أن تزداد لدى البعض، خاصة بعد أن يكون قد مر بتجارب عاطفية أو فقدان شريك الحياة. يصبح العشق عند هذه الفئة بمثابة تجديد للنفس، ومصدر للطاقة التي تعيد إشعال الأمل والبهجة في حياة الإنسان.

الجانب البيولوجي والنفسي للعشق في الستين

على المستوى البيولوجي، لا يتوقف الجسم عن إفراز هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين والدوبامين، التي تلعب دوراً كبيراً في الشعور بالحب والانجذاب، حتى في مرحلة الشيخوخة. هذه الهرمونات تُحفز الشعور بالارتباط العاطفي والراحة النفسية، وتساعد على تخفيف الشعور بالوحدة والاكتئاب الذي قد يصاحب تقدم السن.

من الناحية النفسية، يشكل العشق في هذه المرحلة تحدياً لتصورات الذات، فالإنسان الذي يبلغ الستين قد يكون قد اعتاد على فكرة أن حياته العاطفية انتهت أو دخلت في مرحلة السكون، ولكن دخول العشق مرة أخرى يعيد تشكيل هذا التصور. هو في الحقيقة تواصل مع الذات الداخلية، محاولة لإعادة اكتشاف الهوية خارج إطار الأدوار الاجتماعية التي اعتادها، سواء كأب أو جد أو موظف متقاعد.

العشق كنزوة أم جنون؟

يرى البعض أن العشق في سن الستين هو مجرد نزوة أو مرحلة عابرة لا تستحق كل هذه الاهتمام، وأنه نوع من الهروب من الواقع أو الملل. هذه النظرة لا تأخذ في اعتبارها الأبعاد العميقة للعشق وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية لكبار السن. النزوة هي عادة ما تكون قصيرة الأمد ومفتقرة للعمق، بينما العشق الحقيقي في هذه المرحلة يمكن أن يكون أعمق وأشد تأثيراً.

أما فكرة “الجنون” المرتبطة بالعشق عند الكبار، فهي تعبير مجازي يشير إلى التغيرات العاطفية الشديدة التي قد تطرأ على الشخص، لكن لا يمكن اعتبارها حالة مرضية بالضرورة. بل هي استجابة طبيعية لتجربة عاطفية جديدة تحرك مشاعر مكبوتة أو تغذي حاجة إنسانية أساسية.

تأثير المجتمع والثقافة على تقبل العشق في الستين

الثقافة والمجتمع يلعبان دوراً محورياً في كيفية استقبال هذه الظاهرة. ففي كثير من المجتمعات المحافظة، يُنظر إلى الحب والعشق في مرحلة متقدمة من العمر على أنه خروج عن التقاليد أو سلوك غير لائق، مما يدفع كثيرين إلى كبت مشاعرهم أو إخفاء هذه التجارب خوفاً من النظرة الاجتماعية أو الأحكام المسبقة.

على النقيض، في المجتمعات التي تشجع على تقدير الإنسان في كل مراحل حياته، يُنظر إلى العشق في الستين على أنه دليل على قوة الشخصية ومرونتها، وقدرة الإنسان على إعادة تشكيل حياته والاستمتاع بها مهما تقدم في العمر.

العشق في الستين والحياة الاجتماعية

العشق في هذه المرحلة قد يصاحب تغيير في العلاقات الاجتماعية، حيث يعيد بناء شبكة الدعم العاطفي والاجتماعي. قد يتعرف الإنسان على أصدقاء جدد، أو يدخل في علاقات جديدة تحمل نوعاً من الدعم النفسي والعاطفي الذي كان ينقصه. كما يمكن أن يعزز العشق الشعور بالانتماء ويقوي الروابط الأسرية من خلال الانعكاسات الإيجابية على المزاج العام.

العلاقة بين العشق والصحة الجسدية

تظهر الأبحاث الحديثة أن الحب والعلاقات العاطفية الإيجابية تساعد في تقليل مستويات التوتر، وتحسين وظيفة جهاز المناعة، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب، وتحسين الصحة العامة لكبار السن. العشق يعطي دوافع أكبر للحفاظ على نمط حياة صحي، ويشجع على الحركة والنشاط والابتعاد عن العزلة.

العشق في الستين وتجربة فقدان الشريك

يُعتبر فقدان الشريك تجربة صعبة للغاية قد تؤدي إلى حالة من الفراغ العاطفي الكبير. العشق مرة أخرى، في هذه الحالة، لا يكون مجرد رغبة في التجديد بل ضرورة نفسية للتعافي والعودة إلى الحياة. يشكل الحب عندها دعمًا نفسيًا قويًا يسمح لكبار السن باستعادة التوازن النفسي والمضي قدمًا.

الجدول التالي يوضح بعض الفروق بين العشق في مرحلة الشباب والعشق في مرحلة الستين

الخاتمة

العشق في سن الستين ليس نزوة عابرة ولا جنوناً، بل هو حالة إنسانية طبيعية تعكس الحاجة المستمرة للحب والارتباط والعيش بحيوية. هو فرصة ثانية للتجدد، وإعادة اكتشاف الذات، وتحدي الصور النمطية الاجتماعية التي تحصر الإنسان في أدوار معينة حسب عمره. إن احتضان هذه المرحلة العاطفية بشكل صحي ومتزن يمكن أن يثري حياة الإنسان ويوفر له راحة نفسية وجسدية عظيمة، تعزز من جودة حياته وتمكنه من مواجهة تحديات الشيخوخة بمرونة وقوة.

المراجع:

1. “العشق والحب في مراحل العمر المختلفة” – مجلة علم النفس التطبيقي، 2020

2. “تأثير العلاقات العاطفية على صحة كبار السن” – دورية الصحة النفسية، 2019