نبات العكوب وفوائده الصحية

نبات العكّوب: الكنز البري في الطبيعة الجبلية

يُعدُّ نبات العكّوب من النباتات البرية النادرة والفريدة التي تنمو في البيئات الجبلية القاسية في مناطق من بلاد الشام مثل الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، إضافة إلى أجزاء من تركيا والعراق وإيران. يتميّز هذا النبات بشكله الشوكي ونكهته الغنية الفريدة، ويمثّل عنصرًا مهمًا في التراث البيئي والغذائي للمنطقة. وقد ارتبط اسمه بذاكرة الناس في القرى والبادية، حيث يُعتبر جمعه من الطبيعة تقليدًا ربيعيًا متجددًا، يعكس العلاقة العميقة بين الإنسان والبيئة.

ينتمي نبات العكّوب إلى فصيلة النجمية (Asteraceae)، وهو من النباتات العشبية المعمّرة التي تنمو في المناطق الجبلية المرتفعة، ويعرف علميًا باسم Gundelia tournefortii. يتميز بسيقانه الشائكة وأزهاره الأرجوانية الجذابة، التي تتحول إلى كرة شائكة عند النضج، فيما يُعرف لدى الأهالي بـ “رأس العكّوب” أو “كرّة العكّوب”.

الشكل والبنية البيولوجية

ينمو العكّوب على شكل شجيرة عشبية مفترشة أو قائمة، ويصل ارتفاعه في المتوسط ما بين 30 إلى 80 سنتيمترًا. ساقه سميكة، مغطاة بالأشواك الحادة التي تحميه من الحيوانات الرعوية. تتوزع أوراقه بشكل دائري وتكون مُسننة أو مُجزأة إلى أجزاء شائكة، كما تخرج منها براعم أو رؤوس زهرية ذات لون أرجواني إلى بنفسجي داكن، تكون هي الجزء المرغوب فيه في الطهي.

يحتوي هذا النبات على جذور قوية ومتفرعة تنغرس في التربة الصخرية، مما يُعزّز مقاومته للجفاف والتقلبات البيئية. أما الجزء المستخدم في الأكل فهو الساق القاعدية الطريّة للرأس الزهري قبل تفتحه، والذي يُجمَع بعناية ويُقشّر لإزالة الأشواك قبل الطهي.

دورة الحياة والنمو

ينمو العكّوب في المناطق التي يتراوح ارتفاعها ما بين 700 إلى 1500 متر فوق سطح البحر، ويبدأ في الإنبات خلال فصل الشتاء بعد هطول الأمطار، ويستمر نموه حتى فصل الربيع، حين يصبح جاهزًا للجني بين شهري فبراير وأبريل. ويُعد موسمه قصيرًا نسبيًا، مما يجعله نادرًا ومطلوبًا بشدة خلال هذه الفترة.

في نهايات الموسم، يجف النبات ويتحوّل إلى شكل كروي شائك تُحمله الرياح في الحقول كوسيلة طبيعية لنثر البذور، فيما يشبه الطريقة التي تنتشر بها نباتات الصحراء الأخرى مثل القَرْمَب والزُّهَر.

القيمة الغذائية

العكّوب نبات غني بالمغذيات الطبيعية، حيث يحتوي على نسب مرتفعة من الألياف الغذائية، الفيتامينات (خصوصًا فيتامين C وK)، والمعادن مثل الحديد، البوتاسيوم، الكالسيوم، والمغنيسيوم. كما يُصنّف من النباتات منخفضة السعرات الحرارية وغنيّة بمضادات الأكسدة.

هذا المحتوى الغذائي يجعل العكّوب مفيدًا لصحة الجهاز الهضمي، ولتقوية المناعة، والمساهمة في الوقاية من بعض الأمراض المرتبطة بنقص العناصر المعدنية، مثل فقر الدم وهشاشة العظام. وقد أظهرت بعض الدراسات الأولية أن العكّوب قد يحتوي على مركبات فلافونويدية وبوليفينولات تُساعد في تقليل الالتهابات ومحاربة الأكسدة الخلوية.

الفوائد الصحية والطبية

تم استخدام نبات العكّوب في الطب الشعبي منذ قرون طويلة، وكانت له سمعة مرموقة في تقاليد الطب الطبيعي في المناطق الجبلية، حيث استخدم لعلاج مجموعة من الحالات منها:

• تحسين الهضم: بفضل محتواه العالي من الألياف.

• تنشيط الكبد والمرارة: حيث كان يُستخدم لعلاج حصى المرارة ومشاكل الكبد.

• مدرّ طبيعي للبول: ما يجعله مفيدًا في حالات احتباس السوائل.

• مضاد للالتهاب: في بعض التطبيقات الموضعية لأوراقه المغلية.

• خفض ضغط الدم: بسبب تأثيره المدعوم بمحتواه من البوتاسيوم.

رغم هذه الفوائد، إلا أن استخدامه العلاجي يتطلب إشرافًا طبيًا خاصة عند مرضى الكلى أو من يتناولون أدوية مدرة للبول أو أدوية ضغط.

طرق التحضير والطهي

العكّوب جزء لا يتجزأ من المطبخ الشامي التقليدي، ويُحضّر بعدة طرق، من أبرزها:

1. العكّوب باللبن (اللبنية): حيث يُطهى العكّوب المسلوق في لبن مطبوخ مع الأرز واللحم، وهي الطريقة الأشهر لتحضيره.

2. العكّوب بالبيض: وهو طبق بسيط يُقلى فيه العكّوب مع البصل والزيت ثم يُضاف إليه البيض.

3. العكّوب المطهو مع اللحم أو الدجاج: ويُقدَّم مع الأرز.

4. العكّوب المقلي أو المشوي: بعد سلقه وتجفيفه، يُمكن قليه بزيت الزيتون أو شويه مع التوابل.

ويُراعى دومًا إزالة الأشواك قبل الطبخ، وهي عملية يدوية دقيقة تتطلب مهارة وصبرًا، ما يفسّر ارتفاع سعر العكّوب في الأسواق خلال موسمه.

أهمية العكّوب البيئية

العكّوب ليس مجرد نبات صالح للأكل، بل هو أيضًا عنصر مهم في توازن النظام البيئي للمناطق الجبلية وشبه الجافة. فهو يساعد في منع انجراف التربة، ويمدّ التربة بالمواد العضوية بعد تحلله، كما يُعدّ مصدرًا للغذاء لبعض الحشرات والطيور. لكن في المقابل، فإن جمعه الجائر قد يؤدي إلى الإخلال بهذا التوازن، إذ تتراجع أعداده سنة بعد أخرى في بعض المناطق بسبب الاستنزاف المفرط.

حماية النبات من الانقراض

نظرًا للأهمية البيئية والغذائية لنبات العكّوب، أصدرت بعض الحكومات المحلية تشريعات تمنع قطفه الجائر دون ترخيص أو خارج المواسم المحددة. وتهدف هذه الإجراءات إلى:

• الحفاظ على التنوع البيولوجي.

• منع التصحر في المناطق الجبلية.

• إعادة إكثار النبات من خلال برامج بيئية محلية.

كما تدعو الجمعيات البيئية إلى تشجيع الزراعة التجريبية للعكّوب في البيوت الزراعية والمزارع الجبلية المنظمة، رغم صعوبة زراعته نظرًا لحاجته إلى بيئة خاصة ومناخ معين.

جدول المحتوى الغذائي للعكوب (لكل 100 غرام):

التراث الثقافي المرتبط بالعكوب

يمثل العكّوب مكوّنًا من ذاكرة الطفولة والريف في بلاد الشام، وارتبط اسمه بالقصص الشعبية والأمثال المتداولة التي تتحدث عن صعوبة جمعه، وخصوصية نكهته. فقد كان موسم العكّوب يُشكّل مناسبة اجتماعية حيث تخرج العائلات إلى الجبال لقطفه، فيما يُشبه “النزهة الموسمية”، يترافق معها إعداد الطعام في الهواء الطلق وتخزين بعض الكميات للاستخدام لاحقًا.

كما يُباع العكّوب في الأسواق الشعبية بأسعار مرتفعة، وقد أصبح مادة مطلوبة في المطاعم الفاخرة التي تقدّم الأطعمة التراثية.

الخلاصة

يُعدّ نبات العكّوب واحدًا من الكنوز الطبيعية التي تمثل التقاءً بين التراث والبيئة والتغذية، ويُجسد علاقة الإنسان العميقة بالأرض والمواسم. وبين فوائده الصحية، وأهميته البيئية، ونكهته التي لا تُضاهى، يظلّ العكّوب شاهدًا حيًّا على ثراء الطبيعة البرية في المشرق العربي، وكنزًا غذائيًا يستحق الحماية والتقدير.

المراجع:

• Zohary, M. (1973). Geobotanical Foundations of the Middle East.

• Lev-Yadun, S. et al. (2000). The defensive role of spines and thorns in various plant species including Gundelia tournefortii, Israel Journal of Plant Sciences.