الصدقة عن الميت وأثرها

عنوان المقال: إخراج الصدقة عن الميت

مقدمة

الصدقة عن الميت من أبواب الخير العظيمة التي دلّ عليها الشرع الحنيف، وهي من الأعمال التي يستمر نفعها للميت بعد موته، وقد أجمع العلماء على مشروعيتها وفضلها ودوام أجرها. فالميت، وقد انقطعت أعماله، يبقى في حاجة إلى من يذكره بدعوة أو عمل صالح يُهدى إليه. وفي هذا السياق، تأتي الصدقة كواحدة من أهم وسائل البر بالميت، والتي تعود عليه بالرحمة والمغفرة، وتعد استمرارًا لأثره في الحياة من خلال عمل غير مباشر يقوم به الأحياء باسمه.

مشروعية الصدقة عن الميت

استند العلماء في مشروعية إخراج الصدقة عن الميت إلى عدة أدلة من السنة النبوية، منها ما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه فقال: “يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توصِ، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم”. فكانت هذه الواقعة دليلاً واضحًا على أن الصدقة عن الميت مشروعة ويصل أجرها إليه.

كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. وهذا الحديث يوضح أن بعض الأعمال لا ينقطع أجرها بالموت، ومنها الصدقة الجارية، والتي يمكن أن تكون بمبادرة من أقارب الميت أو أبنائه.

أنواع الصدقات التي يُمكن إخراجها عن الميت

تتنوع الصدقات التي يجوز إخراجها عن الميت لتشمل الصدقة الجارية والصدقة المطلقة، ومن أهم هذه الأنواع:

1. الصدقة الجارية
   
   مثل بناء مسجد، أو حفر بئر، أو طباعة مصاحف، أو إنشاء وقف خيري يُنتفع به باستمرار. هذا النوع من الصدقة له أثر طويل الأمد، ويُعد من الأعمال التي يستمر أجرها حتى بعد موت المتصدّق والمُهدى له.

2. إطعام الطعام
   
   ويشمل تقديم الوجبات للفقراء والمساكين أو توزيع المواد الغذائية، وهو من أعظم الصدقات كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصدقة أن تُشبِعَ كبِدًا جائعًا”.

3. التبرع للمستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية
   
   عبر المساهمة في شراء أجهزة طبية أو تمويل علاج المرضى المحتاجين، ويُعد هذا من الأعمال الإنسانية ذات الأثر الكبير.

4. كفالة الأيتام
   
   حيث إن كفالة اليتيم تدخل في عموم الصدقات وتُعد من القربات التي يحبها الله، ويمكن نية الأجر للميت عند القيام بها.

5. توزيع المصاحف والكتب العلمية
   
   يُمكن إخراج صدقة علمية ينتفع بها المسلمون، مثل توزيع نسخ من القرآن الكريم أو الكتب الشرعية التي ترشد الناس إلى الخير، مع نية الأجر للميت.

النيّة في الصدقة عن الميت

يشترط لصحة الصدقة عن الميت أن يُنوى بها أنها له، إذ أن النية محلّها القلب، ولا يلزم التلفظ بها. فإذا نوى المتصدق أن يكون الأجر والثواب للميت، فإن هذا الأجر يُكتب له بإذن الله، سواء كان الميت والدًا أو قريبًا أو حتى صديقًا. وهذا يتوافق مع قاعدة عامة في الإسلام، وهي أن المرء يُثاب على ما ينوي، كما في الحديث: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.

أولوية الصدقة عن الميت بين الأحياء

يُفضل أن يخرج الصدقة عن الميت أقرب الناس إليه، خصوصًا أبناؤه وذووه، لأن دعاء الولد الصالح من الأعمال التي لا تنقطع، وكذلك صدقته. إلا أن الشرع لم يحصر الفضل في الأقربين فقط، بل يجوز لأي إنسان أن يتصدق عن ميت، حتى وإن لم يكن من أقاربه، بنيّة نفعه، خصوصًا إذا كان هذا الميت معروفًا بالصلاح أو له فضل على المتصدق في حياته.

متى يستحب إخراج الصدقة عن الميت؟

الصدقة عن الميت ليست مقيدة بزمان معين، ويجوز إخراجها في أي وقت من السنة، سواء في الأيام العادية أو في الأوقات الفاضلة مثل شهر رمضان، أو يوم الجمعة، أو في العشر الأواخر من رمضان، أو في عشر ذي الحجة. وبعض الناس يحرصون على إخراج الصدقة في ذكرى الوفاة السنوية للميت، وهو أمر جائز ما لم يُعتقد أنه واجب شرعًا.

الفرق بين الصدقة والدعاء والاستغفار للميت

يجدر الإشارة إلى أن الدعاء والاستغفار أيضًا من أعظم ما يُهدى للميت، لكن الصدقة تختلف بأنها عمل مالي يُبذل من مال الحي لأجل نفع الميت، ويجتمع فيها الأجر لكل من المتصدق والميت. أما الدعاء والاستغفار، فهما من القربات التي لا تحتاج إلى مال، ويجوز الإكثار منهما في كل وقت.

هل يجوز التصدق من مال الميت؟

الصدقة عن الميت من ماله الخاص لا تجوز إلا إذا أوصى بها في حياته، وتكون ضمن حدود الثلث من التركة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “الثلث والثلث كثير”. أما إن لم يوصِ الميت بذلك، فلا يجوز للورثة أن يخرجوا من ماله صدقة باسمه إلا بموافقة جميع الورثة البالغين الرشداء. أما الصدقة من مال الحي لصالح الميت فهي جائزة بإجماع العلماء.

الصدقة عن الميت غير المسلم

أجمع جمهور العلماء على أن الصدقة لا تنفع غير المسلم بعد موته، لأن الكفر يمنع وصول الأجر، لقوله تعالى: “وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا” [الفرقان: 23]. وبذلك، فكل أعمال البر لا تقبل من الكافر بعد موته.

هل تصل الصدقة إلى الميت؟

أثبت العلماء من خلال النصوص الصحيحة أن الصدقة تصل إلى الميت، سواء كانت جارية أو غير جارية، لأن الأجر يُكتب للميت إذا نواه المتصدق له، وقد ورد عن السلف الصالح الكثير من الوقائع التي تدل على ذلك، كمن كان يطعم الطعام أو يبني المساجد أو يحفر الآبار ويهدي الأجر للميت.

مقارنة بين أنواع الصدقات من حيث الاستمرارية

الخلاصة

الصدقة عن الميت من أبواب الرحمة التي فتحها الله لعباده ليكونوا سببًا في نفع من أحبوا بعد وفاتهم، وهي عمل لا يتطلب الكثير من المال بقدر ما يتطلب نية صادقة ورحمة في القلب. فكل ما يُبذل في سبيل الله بنية نفع الميت يكون له أجر عظيم، ووسيلة لرفع درجاته في القبر، بل وتخفيف ما قد يمر به من الحساب. والفقه في هذا الباب من أبواب الطاعات يتطلب تأصيلًا معرفيًا صحيحًا، بعيدًا عن البدع والمحدثات التي لا أصل لها.

المصادر

1. صحيح البخاري

2. صحيح مسلم