الشهرة والمسؤولية الاجتماعية

في عالم يزداد فيه الاعتماد على الإعلام الرقمي وتتصاعد فيه وتيرة استخدام منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت الشهرة أداة فعالة ذات تأثير اجتماعي واسع النطاق، يتجاوز حدود الترفيه أو الإنجاز المهني. لم تعد الشهرة مجرد حالة مرئية يتمتع بها الفنان أو الرياضي أو المؤثر، بل غدت قوة ناعمة توظف في توجيه الرأي العام، وتعزيز المبادرات الاجتماعية، وإحداث تغييرات إيجابية أو سلبية في المجتمعات. ومن هنا، تبرز “المسؤولية الاجتماعية للمشاهير” كمحور جوهري في النقاشات المعاصرة حول دور الفرد المؤثر في البناء الاجتماعي والتنموي.

المفهوم العام للمسؤولية الاجتماعية

المسؤولية الاجتماعية تشير إلى الالتزام الأخلاقي للفرد أو المؤسسة بالمساهمة في تحقيق رفاه المجتمع من خلال سلوكيات ومبادرات تهدف إلى خدمة الناس وتعزيز القيم الإنسانية. وتتراوح هذه المسؤولية من العمل التطوعي، والدعم المالي للمبادرات الإنسانية، إلى تبني قضايا عامة مثل التعليم، الصحة، المناخ، حقوق الإنسان، ومكافحة الفقر.

عندما يتعلق الأمر بالمشاهير، فإن المسؤولية الاجتماعية تكتسب بعدًا أوسع نظرًا للقدرة التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص على التأثير في الرأي العام، وتشكيل توجهات الشباب، وتحفيز المجتمعات على التحرك تجاه قضايا معينة.

الشهرة بوصفها قوة ناعمة مؤثرة

الشخص المشهور – سواء كان فنانًا أو رياضيًا أو إعلاميًا أو ناشطًا على وسائل التواصل – يتمتع بميزة لا تتيحها الوظائف التقليدية، وهي الوصول الفوري والسريع إلى قاعدة جماهيرية ضخمة ومتنوعة. هذا الوصول لا يقتصر على المتابعين فقط، بل يمتد إلى صانعي القرار، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني.

وبهذا، يمكن للشهرة أن تتحول إلى منصة تأثير إيجابي عابر للحدود الثقافية والجغرافية، إذا تم توجيهها بطريقة مسؤولة. فالمشهور يستطيع أن:

• يسلط الضوء على قضايا مجتمعية مهمشة.

• يجمع تبرعات ضخمة لحملات إنسانية.

• يرفع مستوى الوعي بمشكلات صحية أو بيئية.

• يشجع على السلوكيات الإيجابية مثل القراءة أو التطوع.

لكن بالمقابل، إذا ما تم استخدام هذه الشهرة لأغراض تجارية بحتة أو لترويج سلوكيات ضارة، فإن تأثيرها يمكن أن يكون سلبيًا ومدمرًا للقيم المجتمعية.

أنواع التفاعل الاجتماعي للمشاهير

يمكن تصنيف تفاعل المشاهير مع المجتمع في إطار المسؤولية الاجتماعية إلى عدة أنواع رئيسية، تشمل:

1. الدعم المالي والمادي للمبادرات

يقدم بعض المشاهير تبرعات سخية للمستشفيات، والمدارس، والمنظمات الخيرية، وغالبًا ما تُستخدم هذه التبرعات كوسيلة للتأثير في المجتمع وتحفيز الآخرين على التبرع. من الأمثلة البارزة في هذا المجال، نجوم عالميون أسسوا منظمات إنسانية ضخمة تقدم مساعدات للاجئين والمجتمعات الفقيرة.

2. المشاركة في الحملات التوعوية

يقوم الكثير من المشاهير بالمشاركة في حملات توعية تخص الصحة النفسية، مكافحة الإدمان، العنف الأسري، التغير المناخي، وغيرها من القضايا. وتؤدي هذه الحملات إلى تحفيز النقاش العام وتغيير نظرة المجتمع تجاه هذه المواضيع.

3. التأثير السلوكي عبر القدوة

تصبح حياة المشاهير نموذجًا يُحتذى به، خصوصًا من قبل المراهقين والشباب. فحينما يظهر النجم في مظهر معين، أو يتحدث بلغة تحترم القيم والاختلافات، أو يلتزم بأعمال إنسانية، فإن ذلك يخلق موجة من المحاكاة السلوكية الإيجابية. وفي المقابل، فإن التصرفات السلبية تنعكس أيضًا بشكل مباشر على المعجبين والمتابعين.

4. المناصرة والدفاع عن القضايا

يستخدم بعض المشاهير شهرتهم للدفاع عن قضايا معينة مثل حقوق الأقليات، حقوق المرأة، الحريات العامة، أو العدالة الاجتماعية. ويؤدي ذلك إلى تسليط الضوء على هذه القضايا بشكل أكبر مما تفعله الجهات الحكومية أو المؤسسات التقليدية.

الشهرة والتوازن الأخلاقي

لا بد من التمييز بين التفاعل الحقيقي الذي ينبع من قناعة داخلية بالمسؤولية الاجتماعية، وبين التفاعل الظاهري الذي يُستخدم لأغراض تسويقية أو لتحسين الصورة العامة للفنان أو المؤثر. وفي زمن الإعلام الرقمي، أصبح الجمهور أكثر وعيًا بتمييز الأصالة من الاصطناع.

إحدى الإشكاليات الأخلاقية الكبرى في هذا السياق، هي استغلال القضايا الإنسانية من أجل “ركوب الموجة الإعلامية” أو لزيادة عدد المتابعين. وهذا النوع من السلوك يضعف مصداقية العمل الإنساني، ويشوّه المفهوم الحقيقي للمسؤولية الاجتماعية.

تحديات يواجهها المشاهير في ممارستهم للمسؤولية الاجتماعية

رغم الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه المشاهير في خدمة المجتمع، إلا أن هناك تحديات ومعيقات عديدة تواجههم، منها:

• الضغوط الإعلامية والجماهيرية: حيث يُجبر بعض المشاهير على إظهار تفاعل مع قضية ما، حتى لو لم تكن ضمن اهتماماتهم الحقيقية.

• الخوف من التسييس: إذ يخشى العديد من المؤثرين من أن تُفسر مواقفهم على أنها سياسية أو منحازة، ما قد يؤثر على شعبيتهم.

• الابتزاز الرقمي: في بعض الحالات، يواجه المشاهير هجمات منظمة من قبل جهات تحاول تشويه صورتهم إذا لم يتفاعلوا مع قضية معينة أو اتخذوا موقفًا مغايرًا.

• التفاوت بين الخصوصية والحياة العامة: فبينما يتوقع الجمهور منهم أن يكونوا قدوة طوال الوقت، فإن هذا قد يتعارض مع حريتهم الشخصية أو تطلعاتهم الخاصة.

دور وسائل الإعلام ومنصات التواصل في إبراز هذا التفاعل

تلعب وسائل الإعلام، خصوصًا الرقمية منها، دورًا محوريًا في إظهار – أو إخفاء – الجوانب المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للمشاهير. فالإعلام يستطيع أن:

• يعزز السلوك الإيجابي من خلال تغطية المبادرات الإنسانية للمشاهير.

• يفضح الممارسات السلبية أو الزائفة التي يتم تنفيذها لمجرد كسب الشهرة.

• يصنع نماذج جديدة من المشاهير الذين يمثلون الوعي والالتزام المجتمعي، وليس فقط المظهر أو الأداء الفني.

وتبقى منصات التواصل الاجتماعي الساحة الأوسع التي يمارس فيها المشاهير نفوذهم المجتمعي. فبمنشور واحد، يستطيع المؤثر أن يحفز آلاف الأشخاص على التبرع لقضية، أو المشاركة في حملة، أو تبني فكرة إيجابية.

جدول يوضح نماذج من مساهمات مشاهير في المسؤولية الاجتماعية:

أهمية تعزيز هذا الدور في العالم العربي

رغم وجود نماذج عربية لافتة في مجال المسؤولية الاجتماعية، إلا أن التفاعل المؤسسي مع هذه المبادرات لا يزال محدودًا مقارنة بالدول الغربية. من هنا، يصبح من الضروري:

• تشجيع المشاهير العرب على إنشاء مؤسسات ومبادرات إنسانية مستقلة.

• إدماج المسؤولية الاجتماعية ضمن عقود الرعاية الإعلانية.

• إشراك المشاهير في الخطط التنموية الوطنية كممثلين للشباب والتغيير.

• تعزيز الشراكات بين الفنانين ومؤسسات المجتمع المدني.

الخاتمة

الشهرة، حين تقترن بالوعي والمسؤولية، تتحول إلى أداة عظيمة لإحداث التغيير الإيجابي في المجتمعات. والمسؤولية الاجتماعية للمشاهير لم تعد خيارًا أخلاقيًا فقط، بل أصبحت ضرورة حضارية تفرضها التحولات المجتمعية وثقة الجماهير. وبينما يواصل العالم التغير، تبقى المسؤولية على عاتق كل مؤثر ومشهور أن يقرر: هل ستكون شهرته وسيلة للبناء أم مجرد منصة للظهور؟

المراجع:

• Smith, J. (2020). Celebrity Influence and Social Responsibility. Oxford University Press.

• تقارير اليونيسف حول مشاركة المشاهير في الحملات الإنسانية

• منظمة العفو الدولية – ملفات مناصرة المشاهير

• تقرير مجلة فوربس حول أثر المؤثرين في التغيير المجتمعي 2023