السير أثناء النوم: ظاهرة مرضية تؤثر على الأطفال والكبار
السير أثناء النوم، والمعروف طبياً باسم “الخرَف الحركي”، هو حالة مرضية تتسبب في أن يقوم الشخص بالتحرك أو المشي أثناء نومه، وهو يعد من اضطرابات النوم التي تثير قلق العديد من الأفراد، سواء كانوا بالغين أو أطفالًا. هذه الظاهرة لا تقتصر على مرحلة معينة من العمر، بل يمكن أن تحدث في أي وقت من الحياة، مما يجعلها موضوعًا شائعًا للبحث في الطب النفسي وعلم النوم. ورغم أن السير أثناء النوم يعد من الحالات التي لا تحظى بالكثير من التغطية الإعلامية، إلا أنه يعتبر من بين الاضطرابات التي قد تثير قلقًا شديدًا نظرًا لما لها من تأثيرات على حياة الشخص المصاب، بل وكذلك على من يعيشون معه.
مفهوم السير أثناء النوم
السير أثناء النوم هو نوع من اضطرابات النوم التي تحدث في مرحلة “النوم العميق”، وهي المرحلة التي يمر فيها الشخص أثناء نومه العميق في دورة النوم. في هذه الحالة، يتحرك الشخص بشكل غير إرادي ويبدأ في السير أو القيام بحركات أخرى أثناء نومه، دون أن يكون واعيًا بما يحدث. وعادة ما يصاحب السير أثناء النوم بعض التصرفات الأخرى مثل التحدث أثناء النوم أو القيام بأنشطة غير معتادة، وقد يمتد هذا إلى التعامل مع أشياء في البيئة المحيطة مثل الأثاث أو فتح الأبواب.
السير أثناء النوم لا يحدث عادة في مراحل النوم الخفيف، بل في مراحل النوم العميق، والتي يطلق عليها “نوم حركة العين البطيئة” (NREM). أثناء هذه الفترة، يكون الدماغ في حالة “هدوء” نسبي، ما يعني أن الشخص لا يكون في حالة يقظة أو وعية كافية لملاحظة أو التحكم في تصرفاته.
الأسباب والعوامل المؤدية إلى السير أثناء النوم
إن الأسباب الكامنة وراء السير أثناء النوم ما تزال غير مفهومة تمامًا، ولكن الباحثين في مجال طب النوم يعتقدون أن هناك عدة عوامل قد تساهم في حدوث هذه الظاهرة. يمكن تقسيم الأسباب إلى عوامل فسيولوجية، نفسية، وبيئية:
-
العوامل الوراثية: تشير الدراسات إلى أن السير أثناء النوم قد يكون له جذور وراثية. فعلى الرغم من عدم وجود جين معين مسؤول عن هذه الظاهرة، إلا أن العوامل الوراثية قد تساهم في جعل الفرد أكثر عرضة لهذا الاضطراب. في حال كان أحد أفراد الأسرة يعاني من هذه الحالة، فقد يكون الآخرون أكثر عرضة للإصابة بها.
-
التوتر والقلق: تعد الضغوط النفسية أحد العوامل التي تؤثر بشكل كبير على اضطرابات النوم بشكل عام. التوتر النفسي، سواء كان ناتجًا عن العمل أو العلاقات الشخصية أو أي شكل آخر من القلق، يمكن أن يؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث السير أثناء النوم. إن التوتر العاطفي قد يعيق الدماغ عن الراحة التامة، مما يساهم في ظهور هذه الحركات غير الإرادية.
-
المشاكل الصحية: هناك عدد من الحالات الصحية التي قد تؤدي إلى السير أثناء النوم، مثل اضطرابات النوم الأخرى (كالأرق أو اضطرابات التنفس أثناء النوم)، السكتات الدماغية، أو حتى بعض الأمراض العصبية مثل مرض باركنسون. في بعض الأحيان، قد يكون السير أثناء النوم مؤشرًا على وجود مشكلة صحية أعمق، خاصةً عندما يصبح أكثر تكرارًا أو يترافق مع أعراض أخرى.
-
الأدوية: بعض الأدوية مثل تلك التي تستخدم لعلاج الأرق أو الأدوية المهدئة قد تؤدي إلى اضطرابات في النوم، بما في ذلك السير أثناء النوم. قد تؤثر هذه الأدوية على عمليات الدماغ المرتبطة بالنوم العميق وتزيد من احتمالية حدوث السير أثناء النوم.
-
العوامل البيئية: يمكن أن تلعب البيئة المحيطة دورًا في تكرار السير أثناء النوم. على سبيل المثال، تغيرات في الروتين اليومي، النوم في مكان غير مألوف أو غير مريح، أو حتى حالات مثل السفر عبر مناطق زمنية مختلفة قد تؤدي إلى اختلال في دورة النوم.
الأعراض والتشخيص
عادة ما يحدث السير أثناء النوم في منتصف الليل أو في ساعات النوم المتأخرة. قد يقوم الشخص الذي يعاني من هذه الظاهرة بالعديد من التصرفات التي يمكن أن تتراوح من المشي لمسافات طويلة داخل المنزل إلى محاولة الخروج من البيت. في بعض الحالات، قد يتمكن الشخص من فتح الأبواب أو حتى التحدث أثناء النوم. قد يصاحب السير أثناء النوم أيضًا تصرفات غير متناسقة مثل صعوبة التنسيق أو التصرفات التي تبدو غير مبررة، مثل الذهاب إلى المطبخ أو محاولة تحضير الطعام.
الشخص الذي يعاني من السير أثناء النوم غالبًا ما يكون غير واعٍ بتصرفاته، وعندما يستيقظ في الصباح، لا يتذكر أي شيء عن تلك التصرفات. وهذه الذاكرة المفقودة تجعله غير مدرك للمشكلة، وبالتالي قد لا يسعى للحصول على العلاج إلا إذا لاحظ آخرون التصرفات الغريبة أو تسببت تلك التصرفات في إصابات أو مشاكل أخرى.
التشخيص الطبي والعلاج
تعتبر الاستشارة الطبية هي الخطوة الأولى في تشخيص السير أثناء النوم. في العديد من الحالات، يعتمد الطبيب على تقارير الأشخاص الذين يلاحظون تصرفات المريض أثناء النوم، مثل أفراد الأسرة. قد يطلب الطبيب إجراء دراسات نوم، مثل “دراسة النوم في المختبر”، حيث يتم مراقبة الشخص أثناء نومه باستخدام أجهزة لقياس النشاط الدماغي، والتنفس، والحركات الجسدية، لتحديد ما إذا كان الشخص يعاني من السير أثناء النوم أو أي اضطرابات أخرى.
من المهم أن يتم تحديد السبب الجذري للسير أثناء النوم، سواء كان ذلك مرتبطًا بعوامل نفسية أو صحية. على الرغم من أن السير أثناء النوم في حد ذاته ليس عادة أمرًا مقلقًا، إلا أنه قد يؤدي إلى إصابات أو مشكلات إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح.
طرق العلاج
علاج السير أثناء النوم يختلف بناءً على السبب الكامن وراء الحالة. إذا كان السير أثناء النوم ناتجًا عن اضطراب صحي آخر، مثل الأرق أو اضطرابات التنفس أثناء النوم، فإن علاج هذه الاضطرابات يمكن أن يساعد في تخفيف الأعراض. في حالات أخرى، قد يشمل العلاج تغييرات في نمط الحياة والعادات اليومية.
-
تحسين عادات النوم: من خلال التأكد من أن الشخص ينام في بيئة هادئة وآمنة. يمكن أن يكون الحفاظ على روتين ثابت للنوم أمرًا مفيدًا للحد من حدوث هذه الظاهرة.
-
العلاج السلوكي المعرفي: في الحالات التي يرتبط فيها السير أثناء النوم بالتوتر أو القلق، قد يكون العلاج السلوكي المعرفي مفيدًا. هذا العلاج يهدف إلى معالجة الأنماط السلبية في التفكير التي قد تساهم في حدوث اضطرابات النوم.
-
الأدوية: في بعض الحالات، قد يصف الأطباء أدوية مساعدة على النوم أو أدوية مضادة للاكتئاب للمساعدة في تحسين نوعية النوم وتقليل السير أثناء النوم.
-
التقنيات المساعدة: بعض الحالات قد تستفيد من “تقنيات التحكم في الحركة”، مثل التدريب على تقنيات الاسترخاء التي تهدف إلى تقليل مستويات التوتر والقلق أثناء النوم.
التعايش مع السير أثناء النوم
إذا كان الشخص يعاني من السير أثناء النوم بشكل مستمر، فإنه قد يحتاج إلى اتخاذ بعض الاحتياطات للحفاظ على سلامته وسلامة من حوله. من الأمور الأساسية التي يجب مراعاتها هي التأكد من أن البيئة المحيطة آمنة تمامًا، مثل تأمين الأبواب والنوافذ والتأكد من أن الأرضية خالية من أي عوائق قد تسبب السقوط.
إن السير أثناء النوم ليس أمرًا محرجًا فحسب، بل قد يكون له أيضًا تأثير كبير على الصحة النفسية والعاطفية للأفراد. وعندما يصبح هذا الاضطراب شائعًا أو يؤثر على نوعية حياة الشخص، يصبح من المهم البحث عن الحلول المناسبة للحد من تأثيراته.
الخلاصة
السير أثناء النوم هو اضطراب قد يحدث نتيجة لعدة عوامل، مثل الوراثة أو التوتر أو حتى بعض الأمراض أو الأدوية. على الرغم من أن هذه الظاهرة قد لا تكون شائعة في النقاش العام، إلا أن تأثيراتها على الأفراد قد تكون كبيرة وتستدعي العناية الطبية في بعض الأحيان. بالنسبة لأولئك الذين يعانون منها، من المهم البحث عن العوامل المسببة والقيام بالعلاج المناسب لضمان حياة صحية وآمنة.
