أعراض البهاق بالتفصيل

أعراض البهاق: تحليل علمي مفصل لأحد أبرز اضطرابات تصبغ الجلد

يُعدّ البهاق (Vitiligo) من الاضطرابات الجلدية المزمنة التي تثير اهتمام الأوساط الطبية والبحثية، نظرًا لتعقيد مسبباته وتنوع أشكاله وأعراضه وتأثيره العميق على الصحة النفسية والاجتماعية للمصابين به. يصيب هذا المرض ملايين الأشخاص حول العالم، ويتميّز بفقدان الجلد لصبغته الطبيعية (الميلانين)، مما يؤدي إلى ظهور بقع بيضاء على الجلد. وعلى الرغم من أنّ البهاق لا يسبب ألمًا جسديًا مباشرًا، إلا أنّ أثره الجمالي والنفسي لا يمكن إنكاره.

في هذا المقال، سيتم تناول أعراض البهاق بمختلف تصنيفاته السريرية، مع استعراض أشكاله ومراحل تطوره، والتغيرات الجلدية المصاحبة له، بالإضافة إلى المضاعفات النفسية والاجتماعية المحتملة. كما سيتم توضيح العوامل المؤثرة في ظهوره وتفاقمه، من خلال تناول علمي مبني على أحدث الدراسات والأبحاث.

البهاق: تعريف عام

البهاق هو اضطراب جلدي مكتسب، ناتج عن خلل في وظيفة أو موت الخلايا الميلانينية المسؤولة عن إنتاج صبغة الميلانين. يُعتقد أن السبب الرئيسي لحدوث البهاق هو مناعي ذاتي، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا الميلانين على أنها أجسام غريبة. ويتميز البهاق بظهور بقع بيضاء غير منتظمة الشكل تنتشر في مختلف مناطق الجسم بنسب متفاوتة، وقد يصيب الجلد فقط أو يتعداه إلى الأغشية المخاطية والشعر والعينين.

التصنيف الإكلينيكي للبهاق

يمكن تقسيم البهاق إلى نوعين رئيسيين:

• البهاق غير القطعي (Non-segmental vitiligo): هو الشكل الأكثر شيوعًا ويمثل حوالي 85–90% من الحالات. يتميز بظهور بقع متناظرة على جانبي الجسم.

• البهاق القطعي (Segmental vitiligo): يظهر في جانب واحد من الجسم، ويصيب منطقة محددة مثل جزء من الوجه أو أحد الأطراف. ويُعدّ أقل شيوعًا.

أعراض البهاق: نظرة شاملة

1. فقدان الصبغة وظهور البقع البيضاء

العلامة السريرية الأساسية للبهاق هي ظهور بقع بيضاء ناصعة على الجلد نتيجة لفقدان صبغة الميلانين. وتظهر هذه البقع في البداية بشكل محدود، ثم تتسع تدريجيًا، وقد تظل ثابتة عند بعض المرضى. تشمل أماكن ظهور البقع عادة:

• الوجه، خصوصًا حول الفم والعينين

• اليدين والقدمين

• المرفقين والركبتين

• الأعضاء التناسلية

• مناطق الاحتكاك مثل الإبطين والأربية

تكون الحواف في بعض الأحيان متموجة وذات لون غامق قليلاً مقارنة بمركز البقعة، مما يعكس محاولات الجسم غير المكتملة لاستعادة الصبغة.

2. الشيب المبكر في الشعر

من الأعراض المصاحبة للبهاق خاصة عند إصابة فروة الرأس أو الرموش أو الحواجب أو شعر الجسم، هو ظهور الشيب المبكر. يكون الشعر في المناطق المصابة غالبًا أبيض اللون، نتيجة لغياب الخلايا الميلانينية في بصيلات الشعر.

3. تأثر الأغشية المخاطية

قد يمتد البهاق ليشمل الأغشية المخاطية، بما في ذلك:

• الغشاء المخاطي للفم، مما يؤدي إلى ظهور بقع بيضاء داخل الخدين أو الشفتين

• الأنف

• الأعضاء التناسلية، حيث تُلاحظ بقع فاقدة للون في القضيب أو المهبل

4. فقدان اللون في شبكية العين

على الرغم من كونه نادرًا، إلا أن البهاق قد يؤثر أيضًا على الخلايا الميلانينية في العين، مما يسبب تغيرات في لون قزحية العين أو الشبكية، دون تأثير كبير على الرؤية في معظم الحالات.

5. حساسية الشمس (Photophobia)

الجلد المصاب بالبهاق يكون خاليًا من صبغة الميلانين التي تحمي الجلد من الأشعة فوق البنفسجية. لذلك يكون الأشخاص المصابون بالبهاق أكثر عرضة لحروق الشمس، وقد يشعرون بحساسية أو انزعاج عند التعرض الطويل للشمس.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أعراض البهاق القطعي وغير القطعي:

مراحل تطور أعراض البهاق

تمر أعراض البهاق بعدة مراحل متتالية، تختلف في سرعتها وحدتها من شخص لآخر:

1. المرحلة الأولية: تظهر بقع صغيرة فاتحة اللون غالبًا في الأطراف أو الوجه، لا يشعر المريض بأي ألم أو حكة.

2. مرحلة التوسع: تبدأ هذه البقع في التوسع أو الظهور في مناطق أخرى من الجسم.

3. المرحلة الثابتة: يتوقف نشاط المرض مؤقتًا، ولا تظهر بقع جديدة، وقد تستمر هذه المرحلة لشهور أو سنوات.

4. مرحلة النشاط المزمن: في بعض الحالات، تعاود البقع الظهور والنمو، خاصة بعد محفزات مثل التوتر أو الحروق أو الإصابات الجلدية.

التغيرات الجلدية المصاحبة

مع تطور البهاق، قد تحدث تغييرات إضافية في الجلد تشمل:

• ضمور الجلد الموضعي في حالات نادرة، حيث يصبح الجلد رقيقًا أو هشًا

• التهابات ثانوية نتيجة لحكة أو خدش المناطق المصابة

• زيادة أو نقص التعرق في المناطق المتأثرة، بسبب التغيرات في وظيفة الخلايا الجلدية

• فرط التصبغ حول الحواف، حيث يحاول الجسم تعويض نقص الميلانين بتراكمه حول حواف البقع

المضاعفات النفسية والاجتماعية

البهاق لا يهدد الحياة، ولكنه قد يسبب أزمات نفسية عميقة، لا سيما في المجتمعات التي ترتبط فيها الصورة الجمالية بمقاييس موحدة. تشمل التأثيرات النفسية والاجتماعية للبهاق:

• القلق والاكتئاب: بسبب التغيرات في المظهر الخارجي

• العزلة الاجتماعية: خاصة لدى المراهقين والأطفال المصابين

• انخفاض الثقة بالنفس: خصوصًا عند إصابة الوجه أو الأعضاء الظاهرة

• الوصمة الاجتماعية: في بعض الثقافات، يُنظر للبهاق على أنه مرض معدٍ أو مرتبط بأسباب خرافية، مما يزيد من عزلة المصاب

العوامل المحفزة والمرافقة للبهاق

في كثير من الحالات، يُلاحظ ارتباط ظهور أو تفاقم البهاق ببعض العوامل، منها:

• الإجهاد النفسي الحاد: مثل فقدان أحد أفراد العائلة أو الضغوط الشديدة

• الاضطرابات المناعية: البهاق يترافق غالبًا مع أمراض مناعية مثل أمراض الغدة الدرقية، فقر الدم الخبيث، والذئبة

• الإصابات الجلدية المتكررة: مثل الحروق والجروح، خاصة في البهاق المعروف بـ”ظاهرة كوبنر”

• العوامل الوراثية: حوالي 30% من المصابين لديهم تاريخ عائلي للمرض

التغيرات البيوكيميائية والجينية المرتبطة بالبهاق

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن البهاق ناتج عن تداخل معقد بين العوامل الجينية والمناعية والبيئية. وقد تم ربط أكثر من 30 مورثة مرتبطة بجهاز المناعة وخلايا الميلانين بحدوث البهاق، من أبرزها جينات NLRP1 و PTPN22 و TYR. كما أظهرت الدراسات ارتفاع مستويات الأكسدة الخلوية (Oxidative Stress) في الخلايا الميلانينية، مما يؤدي إلى موتها التدريجي.

التشخيص التفريقي للبهاق

من المهم التمييز بين البهاق وبعض الأمراض الجلدية الأخرى التي قد تتشابه معه في الأعراض، مثل:

• النخالية البيضاء: بقع بيضاء تظهر عند الأطفال، لكنها ليست ناصعة ولا تتوسع كالبهاق

• الصدفية منخفضة التصبغ: بقع تظهر بعد شفاء الصدفية

• داء النخالية المبرقشة (التينيا الملونة): عدوى فطرية تُسبب بقعًا ناقصة الصبغة

يعتمد التشخيص على الفحص السريري باستخدام ضوء وود (Wood’s lamp) الذي يُظهر البقع المصابة بتوهج أبيض مائل للزرقة، بالإضافة إلى الفحوصات المخبرية لاستبعاد أمراض مناعية أخرى.

المصادر والمراجع

1. Alikhan A, Felsten LM, Daly M, Petronic-Rosic V. Vitiligo: A comprehensive overview Part I. J Am Acad Dermatol. 2011;65(3):473–491.

2. Taïeb A, Picardo M. Vitiligo: current knowledge and emerging treatments. G Ital Dermatol Venereol. 2019;154(4):393–406.

هذا المقال يقدم معالجة شاملة لأعراض البهاق بجميع تجلياتها، مؤطرًا ضمن السياق الطبي والعلمي الحديث، بما يساهم في رفع الوعي بهذا الاضطراب الجلدي ويحفز على البحث المبكر والدعم النفسي والاجتماعي للمصابين.