في كتابه الذي يحمل عنوان “السودان: الدين باقٍ، هل تبقى الدولة؟”، يأخذنا الكاتب سامح الشيخ في رحلة فكرية وثقافية مثيرة عبر 34 مقالًا متنوعًا، حيث يعبور بنا في هذه الأوراق عبر بحر عقله ويعرض منتوجه الفكري بأسلوب يجعل القارئ يستقر في فلكه بأمان ويشعر بالطمأنينة في أعماق شطآن منظومة الإدراك المعرفي.
يتناول الكاتب، ببراعة فائقة، العلاقة المعقدة بين الدين والدولة في السودان، حيث يركز على كونهما عناصر حيوية تشكلان جوهر الوطن المعذب. يتناول بعمق مفهوم العدالة الاجتماعية، ويبرز وجودها الخلاق ضمن أطروحاته، بجانب رؤيته للحفاظ على كرامة الإنسان في ظل أزمات الهامش والفقر والأمراض.
ومع تأملاته في شؤون الحياة الاجتماعية، يقدم الكاتب رؤية نقدية لمشروع الإنقاذ، الذي أثار الجدل بتقديمه للإسلام كبديل فاشل، مستعرضًا مؤشرات النهضة وأبعاد التحول الحضاري، وكل ذلك في إطار جدلي يتخطى حدود التدين الشكلي والإسلام الطقوسي.
وبينما يتأمل الكاتب في جذور الأزمة، يرسم صورة دقيقة للجنوب، الذي كان جزءًا من الوحدة السودانية وأصبح جزءًا من الوعي الشامل للكاتب. يسهم بقلمه في تشريح ملامح الأزمة بكل دقة، ويتناول قضايا الهوية واللغة المروية بأسلوب ملهم.
يتميز الكتاب بزخم معرفي مهول وجميل، حيث يمزج سامح الشيخ بين دور المثقف الناقد والعضوي، حيث لا يقتصر دوره على شرح الواقع والمآل الوطني بل يتجاوز ذلك ليقدم حلاً إيجابيًا ومتكاملًا. يظهر ذلك بشكل واضح في توظيفه لدور المثقف العضوي الذي يمثله، مما يمكّنه من طرح حلول مستندة إلى رؤية متعمقة.
تتجلى قيمة هذا الكتاب في الإلمام الشامل بقضايا الدين والدولة، والعدالة الاجتماعية، وتحليل مشروع الإنقاذ، وكذلك التفكير النقدي في مسألة الهوية واللغة المروية. إنه عمل يستحق التفكير العميق والنقاش المستمر، ويشكل مساهمة قيمة للمكتبة الفكرية.