عدد التكبيرات التي تُرفع فيها اليدان في الصلاة
إن من أعظم شعائر الدين الإسلامي وأركانه الصلاة، وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربه، وقد شُرعت على أكمل الهيئات وأعظم الصور التي يتجلى فيها الخضوع والخشوع، ومن أبرز مظاهرها التكبير، الذي يتكرر في مواضع متعددة أثناء الصلاة، ويُعد رفع اليدين عند التكبير من السنن المؤكدة التي واظب عليها النبي محمد ﷺ، وبيّنها لأصحابه بدقة. وقد أولى العلماء عناية كبيرة لعدد المواضع التي يُشرع فيها رفع اليدين في الصلاة، سواء في الفرض أو النفل، انطلاقاً من فهم السنة النبوية وتطبيقها العملي.
هذا المقال يستعرض بالتفصيل عدد التكبيرات التي يُرفع فيها اليدان، وأقوال العلماء فيها، مع التفصيل بين الصلوات المختلفة ومذاهب الأئمة الأربعة، مدعماً بالأدلة الفقهية والحديثية.
معنى التكبير ورفع اليدين
التكبير في اللغة مأخوذ من مادة (ك-ب-ر) ويعني التعظيم، وفي الشرع يُراد به قول: “الله أكبر”، وهو شعار أساسي في الصلاة، يُعلن به المسلم دخوله في مناجاة الله عز وجل، ويردد أثناء الصلاة في انتقالاته من ركن إلى آخر.
أما رفع اليدين عند التكبير، فهو فعل تعبدي يتبع فيه المسلم السنة النبوية، ويعبر عن خضوعه واستسلامه لله تعالى، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه عند تكبيرات معينة، مما دلّ على استحباب هذا الفعل في مواضع مخصوصة.
المواضع التي يُرفع فيها اليدان في الصلاة
اتفق جمهور العلماء على أن هناك أربعة مواضع رئيسية يُشرع فيها رفع اليدين أثناء الصلاة، وهي:
1. عند تكبيرة الإحرام
-
وهي أول تكبيرة في الصلاة، ويُطلق عليها “تكبيرة الافتتاح”، ويدخل بها العبد في الصلاة.
-
يُعتبر رفع اليدين عندها سنة مؤكدة باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة.
-
الدليل: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر.” [رواه البخاري ومسلم].
2. عند الركوع
-
أي عند الانتقال من القيام إلى الركوع.
-
ثبت أن النبي ﷺ رفع يديه قبل أن يركع.
-
وهذا أيضاً من السنن المؤكدة، وقد نقلها الصحابة بدقة.
-
الدليل: ما رواه البخاري عن نافع، عن ابن عمر قال: “رأيت النبي ﷺ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع.”
3. عند الرفع من الركوع
-
أي بعد قول “سمع الله لمن حمده”، وقبل أن يستوي قائماً.
-
يُرفع اليدان كما ورد في السنة.
-
وهو موضع اتفقت فيه الروايات الصحيحة أيضاً.
4. عند القيام للركعة الثالثة (في الصلاة الرباعية والثلاثية)
-
يكون ذلك بعد التشهد الأوسط.
-
يُسن رفع اليدين عند الانتقال من الجلوس إلى القيام للركعة الثالثة.
-
الدليل: ورد عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي ﷺ يرفع يديه حين يقوم من الركعتين. [رواه البخاري].
خلاصة عدد التكبيرات التي تُرفع فيها اليدان
إذا أحصينا هذه المواضع الأربع، فإنها تتكرر حسب عدد الركعات في الصلاة. ويمكن توضيح ذلك عبر الجدول التالي:
| نوع الصلاة | عدد الركعات | عدد مرات رفع اليدين |
|---|---|---|
| الفجر | 2 | 2 (عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع) + 2 (عند الرفع من الركوع في الركعتين) = 4 مرات |
| الظهر | 4 | عند تكبيرة الإحرام، الركوع، الرفع منه، والقيام من التشهد الأوسط (في الركعة الثالثة) |
| العصر | 4 | كما في الظهر تماماً |
| المغرب | 3 | ثلاث ركعات، لكن لا قيام بعد التشهد الأوسط في الركعة الثانية، لذا ترفع اليدان ثلاث مرات |
| العشاء | 4 | مثل الظهر والعصر |
وبالتالي، العدد الكلي لرفع اليدين يتكرر حسب عدد الركعات، لكنه محصور في المواضع الأربعة السابقة فقط.
مذاهب العلماء في رفع اليدين
مذهب الإمام مالك:
-
يرى أن رفع اليدين يكون فقط عند تكبيرة الإحرام، واستحب بعض المالكية تركه في بقية المواضع، مستدلين بأن أهل المدينة لم ينقلوا عن النبي ﷺ المواظبة على ذلك في جميع المواضع.
مذهب الإمام الشافعي:
-
قال بالرفع في المواضع الأربعة جميعاً، ورأى أنه سنة مؤكدة، مستدلاً بالأحاديث الصحيحة.
مذهب الإمام أحمد:
-
وافق الشافعي في القول بالرفع في كل المواضع الأربعة، ورجّح ذلك استناداً إلى الروايات المتواترة عن الصحابة.
مذهب الإمام أبي حنيفة:
-
قال إن رفع اليدين يكون فقط عند تكبيرة الإحرام، أما في باقي المواضع فلا يُرفع، مستنداً إلى عمل بعض الصحابة، كالخلفاء الراشدين، الذين لم يُثبت عنهم فعل ذلك باستمرار.
صفات رفع اليدين
-
مستوى اليدين: السنة أن تكون اليدان حذو المنكبين، أو إلى فروع الأذنين، كما ورد في بعض الأحاديث.
-
الكفان: موجهتان إلى القبلة، مضمومتان الأصابع غير مفرجات.
-
الحركة: تكون متزامنة مع التكبير، إما قبله أو أثناءه أو بعده، وكلها واردة.
رفع اليدين في صلاة الجنازة
من الصلوات التي تختص بتكبيرات متعددة، صلاة الجنازة، حيث يُكبر الإمام أربع تكبيرات. والراجح عند جمهور العلماء أن اليدين لا تُرفع إلا في التكبيرة الأولى عند الافتتاح. أما باقي التكبيرات فلا يُرفع فيها، وهو ما ورد عن كثير من الصحابة والتابعين.
رفع اليدين في النوافل
النوافل والسنن الرواتب تتبع ذات الهيئات والسنن التي في الفريضة، فيُشرع رفع اليدين في نفس المواضع الأربعة. وهذا من التيسير والثبات على سنة النبي ﷺ في جميع الصلوات.
رفع اليدين عند تكبيرات العيد
من المواطن التي يشرع فيها رفع اليدين، صلاة العيدين، حيث يُكبر الإمام عدة تكبيرات زائدة في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة. وهنا وقع الخلاف:
-
جمهور العلماء على أن اليدين تُرفع مع كل تكبيرة زائدة.
-
وهناك من يرى الاقتصار على تكبيرة الإحرام فقط.
-
لكن الصحيح أن رفع اليدين في تكبيرات العيد سنة، لفعل الصحابة، كابن عمر وابن عباس.
الفائدة من رفع اليدين
-
التأكيد على التذلل والخضوع: رفع اليدين إعلان بالانقياد الكامل لله.
-
الاقتداء بالنبي ﷺ: تطبيق السنة في كل تفاصيلها.
-
تجديد النية والانتباه في الانتقالات: فهو وسيلة لتجديد التركيز والخشوع عند الانتقال من ركن إلى آخر.
-
التعبد المحض: رفع اليدين ليس له معنى دنيوي، بل هو عبادة خالصة لا يُدرك وجه الحكمة منها إلا بالامتثال.
مواضع لا يُشرع فيها رفع اليدين
رغم أن التكبير يُقال في عدة مواضع أخرى، إلا أن رفع اليدين فيها لم يُثبت عن النبي ﷺ، ومنها:
-
بعد السجود.
-
عند الجلوس للتشهد.
-
في السجود نفسه.
-
عند السلام.
ولهذا فإن الاقتصار على المواضع الأربعة هو الأصوب والأقرب إلى هدي النبي ﷺ.
الخاتمة
إن رفع اليدين في الصلاة من السنن النبوية التي تؤكد على دقة العبادة في الإسلام، وحيوية العلاقة بين الشكل والمضمون في أداء العبادات. وقد أجمع العلماء على استحبابه في مواضع مخصوصة، وبيّنوا تفصيلها في كتب الفقه والحديث. فالتزام هذه السنة لا يعكس فقط طاعة ظاهرية، بل يعزز جوهر الخشوع والانقياد لله تعالى في كل حركة وسكون أثناء الصلاة.
المراجع:
-
صحيح البخاري – كتاب الأذان
-
المغني لابن قدامة – باب صفة الصلاة
