صفات الرجل النرجسي وطريقة التعامل معه

المقدمة

يُعد النرجسي أحد أكثر الأنماط السلوكية النفسية تعقيداً وإثارة للجدل في العلاقات الإنسانية، لاسيما في العلاقات العاطفية والاجتماعية والمهنية. يشير مصطلح “النرجسية” إلى نمط من السلوك يتسم بالأنانية المفرطة، الحاجة المستمرة للإعجاب، ونقص التعاطف مع الآخرين. ويُعتبر الرجل النرجسي نموذجاً بارزاً لهذا النوع من الشخصية، حيث يملك صورة ذاتية مبالغ فيها، ويُظهر سلوكاً متعجرفاً وساعياً للسيطرة على محيطه بطرق خفية أو مباشرة.

ولفهم هذه الشخصية وفك رموزها السلوكية، من الضروري تسليط الضوء على السمات الجوهرية التي تميز الرجل النرجسي، فضلاً عن الطرق الفعالة للتعامل معه دون الوقوع في فخ الاستنزاف النفسي والعاطفي. لا يتعلق الأمر بالتصنيف أو إطلاق الأحكام، بل بفهم الأبعاد النفسية العميقة التي تحكم تصرفاته، وتمكين الأفراد من بناء استراتيجيات تحافظ على توازنهم الشخصي في علاقاتهم معه.

أولاً: تعريف النرجسية من منظور علم النفس

في علم النفس، تُصنف النرجسية ضمن اضطرابات الشخصية، وتحديداً “اضطراب الشخصية النرجسية” (Narcissistic Personality Disorder – NPD)، بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). وتُعرّف على أنها نمط دائم من العظمة (في الخيال أو السلوك)، حاجة مفرطة للإعجاب، ونقص في التعاطف يبدأ في مرحلة البلوغ المبكر ويظهر في سياقات متعددة.

النرجسية قد تكون سمة شخصية دون أن ترتقي إلى مستوى الاضطراب السريري، غير أن وجودها بشكل مبالغ فيه يمكن أن يؤدي إلى مشاكل كبيرة في العلاقات الاجتماعية والمهنية والعاطفية. وتجدر الإشارة إلى أن الشخصية النرجسية ليست بالضرورة مريضة نفسياً، بل هي شخصية تعاني من خلل في تصور الذات والآخرين.

ثانياً: السمات الرئيسية للرجل النرجسي

الرجل النرجسي غالباً ما يظهر بصورة ساحرة في البداية، جذاب واثق من نفسه، إلا أن هذه الصورة تخفي خلفها مجموعة من السمات السلوكية التي تتكشّف مع الوقت:

1. الشعور بالعظمة

يعتقد الرجل النرجسي أنه متفوق على الآخرين في الذكاء، الجاذبية، أو الكفاءة، ويعتقد أنه يستحق معاملة خاصة. يشعر بأنه محور الكون ويبالغ في تقدير إنجازاته، حتى وإن لم تكن حقيقية أو ملموسة. هذه العظمة ليست مبنية على إنجاز واقعي بل على وهم داخلي يعزز صورته الذاتية.

2. الافتقار إلى التعاطف

من أبرز سمات النرجسي عدم قدرته على التعاطف الحقيقي مع مشاعر الآخرين. فهو غير قادر على وضع نفسه في مكان غيره أو تقدير معاناتهم. يتعامل مع الآخرين كوسائل لتحقيق أهدافه، ويتجاهل تأثير كلماته أو أفعاله عليهم.

3. الحاجة الدائمة للإعجاب والانتباه

يسعى الرجل النرجسي باستمرار للحصول على الإطراء والمديح. يختار مواضيع الحديث التي تبرز تفوقه ويتوقع من الآخرين أن يبدوا إعجاباً دائماً به. وفي حال لم يحصل على هذا الإعجاب، قد يتحول إلى الغضب أو الانتقاد اللاذع.

4. الاستغلال في العلاقات

يُعرف الرجل النرجسي باستخدامه للآخرين كأدوات لتحقيق رغباته الشخصية. قد يستغل مشاعرهم أو احتياجاتهم النفسية والعاطفية دون أي شعور بالذنب. يبرع في التلاعب العاطفي وجعل الطرف الآخر يشعر بالذنب أو التقصير.

5. الغيرة الشديدة والمقارنة المستمرة

يشعر النرجسي بالتهديد من نجاحات الآخرين، وقد يظهر غيرة مبطنة أو صريحة. يقارن نفسه باستمرار بالآخرين ويحاول التقليل من إنجازاتهم ليحافظ على صورته العليا.

6. عدم تقبل النقد

الرجل النرجسي شديد الحساسية تجاه النقد. أي تعليق سلبي—even لو كان بناء—يُفسر على أنه هجوم شخصي. قد يرد بعنف، أو يسعى للانتقام، أو يتهم الآخرين بالغيرة والجهل.

7. الازدواجية في السلوك

يظهر الرجل النرجسي سلوكاً متناقضاً: قد يبدو لطيفاً وساحراً أمام الناس، لكنه في خصوصياته مع شريكه أو زملائه يظهر وجهًا متعجرفًا، قاسيًا أو حتى عدوانيًا. هذه الازدواجية تُستخدم لكسب النفوذ الاجتماعي والحفاظ على السيطرة.

8. التلاعب النفسي (Gaslighting)

من أدوات الرجل النرجسي الأساسية في السيطرة على الآخرين هو التلاعب بالعقل، أو ما يُعرف بـ “Gaslighting”. يعتمد على تشكيك الآخر في واقعه أو في أحكامه الخاصة ليشعره بعدم الكفاءة ويجعله أكثر تبعية له.

ثالثاً: الآثار النفسية للعلاقة مع رجل نرجسي

العلاقة مع رجل نرجسي تترك آثاراً نفسية عميقة. فالشخص المرتبط به غالباً ما يشعر بفقدان هويته، وتدني احترامه لذاته، والشك في قراراته ومشاعره. ومن أبرز التأثيرات:

• الإرهاق النفسي والعاطفي: بسبب السعي الدائم لإرضاء النرجسي وتجنب غضبه.

• الاعتمادية المرضية: نتيجة لسيطرة النرجسي على القرار وتحديد العلاقات والمواقف.

• العزلة الاجتماعية: النرجسي قد يبعد الطرف الآخر عن أصدقائه وأهله.

• الشعور بالذنب والخوف المستمر: بسبب اللوم الدائم والتهديدات العاطفية.

رابعاً: طريقة التعامل مع الرجل النرجسي

ليس من السهل التعامل مع الرجل النرجسي، لكن توجد استراتيجيات يمكن أن تساعد في تخفيف الأثر النفسي وحماية الذات من التورط العميق:

1. الوعي بطبيعة الشخصية

الخطوة الأولى والأهم هي الفهم العميق لطبيعة الشخصية النرجسية، والتعرف على أنماط السلوك المتكررة. هذا الوعي يمنع الشخص من الوقوع في فخ التبرير أو الأمل بتغيير النرجسي بسهولة.

2. تحديد الحدود النفسية

يجب وضع حدود واضحة في التعامل مع النرجسي. عدم السماح له بتجاوز المساحات الشخصية، أو فرض آرائه، أو التحكم بالقرارات. الحدود تحمي الفرد من الاستغلال العاطفي والنفسي.

3. تجنب المواجهة المباشرة

مواجهة الرجل النرجسي بشكل صريح غالباً ما تؤدي إلى صدامات حادة. لذلك، من الأفضل استخدام الذكاء العاطفي والتحايل الإيجابي في توجيه النقاشات وتفادي التصعيد.

4. الاعتماد على شبكة دعم خارجي

الحفاظ على علاقات صحية مع الأصدقاء والعائلة يساهم في تخفيف تأثير العلاقة مع النرجسي. الدعم العاطفي الخارجي يعيد التوازن النفسي، ويمنح الفرد إحساساً بالهوية المستقلة.

5. الابتعاد التدريجي إن لزم الأمر

في حال استمرار السلوك النرجسي وغياب أي بوادر للتغيير، يكون الابتعاد أو الانفصال خياراً صحياً. لا يمكن إنقاذ العلاقة وحدك إن لم يكن الطرف النرجسي مستعداً للاعتراف بخلله والبدء في التغيير.

6. اللجوء إلى العلاج النفسي

من المفيد أن يحصل الشخص المرتبط بنرجسي على دعم نفسي من مختص. يساعد العلاج على التعافي من الصدمات النفسية، وتعزيز احترام الذات، وتطوير أدوات المواجهة السليمة.

جدول يوضح الفرق بين الشخص النرجسي والشخص السوي في العلاقات

خامساً: هل يمكن للرجل النرجسي أن يتغير؟

التغيير ممكن من الناحية النظرية، ولكن بشرط أساسي وهو إدراك النرجسي لحالته، ورغبته الصادقة في التغيير. للأسف، معظم الرجال النرجسيين لا يعترفون بوجود مشكلة أصلاً، ويعتبرون أنفسهم ضحايا أو عباقرة لا يفهمهم الآخرون. وبالتالي، فإن التغيير يتطلب جهداً كبيراً ومرافقة علاجية طويلة الأمد، وغالباً ما يكون نادراً دون ضغوط شديدة أو صدمات مؤثرة.

سادساً: العلاقة مع النرجسي في سياق الزواج والأسرة

في الزواج، قد تبدو العلاقة مع النرجسي في بداياتها مثالية، إذ يُظهر سلوكاً رومانسياً مكثفاً، ويُغدق الشريك بالاهتمام. لكن سرعان ما تتكشف حقيقته حين يبدأ في إظهار سيطرته، والحد من حرية الطرف الآخر، وتقديم مطالبه الشخصية على أي اعتبار.

في سياق الأبوة أو الأمومة، قد يظهر النرجسي سلوكاً تفضيلياً تجاه أطفال معينين، ويستخدم أبناءه لتغذية صورته المثالية. مما يؤثر سلباً على نمو الأطفال النفسي ويخلق بيئة غير مستقرة عاطفياً.

سابعاً: الوقاية النفسية وبناء المناعة الذاتية

الوعي النفسي وتطوير الذات يُعدان من أقوى وسائل الوقاية من تأثير العلاقات السامة، بما في ذلك العلاقات مع النرجسيين. بناء احترام الذات، وتطوير الذكاء العاطفي، وممارسة التأمل والتواصل الفعّال، جميعها أدوات تساعد الفرد على الوقوف بصلابة أمام أي محاولة للهيمنة النفسية.

الخاتمة

العيش أو التفاعل مع رجل نرجسي يمثل تحدياً نفسياً عميقاً، يتطلب فهماً دقيقاً للسلوك النرجسي وآلياته الدفاعية. فبين المظاهر الساحرة والواقع المؤلم، تكمن شبكة معقدة من العلاقات القائمة على السيطرة، والأنانية، والتلاعب. ومن خلال المعرفة، والحدود الواضحة، والدعم النفسي، يمكن لأي شخص حماية نفسه من آثار هذه العلاقات، واستعادة توازنه الداخلي دون التضحية بكرامته أو سلامه النفسي.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5), Fifth Edition.

2. Malkin, Craig. Rethinking Narcissism: The Secret to Recognizing and Coping with Narcissists. HarperWave, 2015.