الدول المالكة للسلاح النووي

الدول المالكة للسلاح النووي: الواقع الجيوسياسي والانتشار العالمي

منذ أول تفجير نووي في العالم خلال الحرب العالمية الثانية، شكّل السلاح النووي أحد أبرز عناصر القوة العسكرية والجيوسياسية في النظام الدولي. تحوّل السلاح النووي من مجرد أداة حربية إلى رمز للهيمنة، ووسيلة للردع، وعامل مؤثر في ميزان القوى العالمية. ومع مرور العقود، ازداد عدد الدول المالكة لهذا السلاح الفتاك، ورافق ذلك سباق تسلح نووي محموم، وجهود موازية في الحد من انتشاره.

ينقسم العالم اليوم إلى فئتين رئيسيتين فيما يتعلق بالسلاح النووي: دول معلنة تمتلك هذا السلاح بشكل رسمي ومعترف به ضمن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ودول تمتلك السلاح النووي خارج إطار المعاهدة. كما توجد دول يعتقد أنها تمتلك قدرات نووية غير معلنة، ودول أخرى اتخذت مسارًا مختلفًا بنزع سلاحها النووي طوعًا.

في هذا المقال، سيتم استعراض جميع الدول التي تمتلك السلاح النووي، موضحة تاريخ امتلاكها، حجم ترسانتها، سياستها النووية، ومكانتها في النظام الدولي.

أولاً: الدول الخمس المعترف بها دوليًا كقوى نووية (وفق معاهدة NPT)

معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 تعترف بخمس دول فقط كـ”دول حائزة للسلاح النووي”، وهي الدول التي اختبرت سلاحًا نوويًا قبل الأول من يناير 1967.

1. الولايات المتحدة الأمريكية

• أول تجربة نووية: 1945 (مشروع مانهاتن)

• عدد الرؤوس النووية (2023): حوالي 5,244 رأسًا، منها حوالي 1,770 نشطة

• الاستراتيجية النووية: تعتمد على مبدأ “الردع المرن” و”الردع الاستراتيجي”، وتوزع أسلحتها النووية بين منصات بحرية (غواصات)، جوية (قنابل وصواريخ)، وبرية (صواريخ باليستية عابرة للقارات).

• الانتشار الجغرافي: تمتلك قواعد في أوروبا مثل ألمانيا وتركيا ضمن برنامج “الناتو النووي المشترك”.

2. روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا)

• أول تجربة نووية: 1949

• عدد الرؤوس النووية (2023): حوالي 5,889 رأسًا، منها 1,674 نشطة

• الاستراتيجية النووية: تعتمد روسيا على “الردع النووي المتدرج”، وتهدد باستخدامه في حال تهديد وجود الدولة أو ردًا على استخدام أسلحة دمار شامل ضدها.

• التوزيع الجغرافي: تغطي ترسانتها نطاقًا جغرافيًا واسعًا يشمل قواعد وصوامع صواريخ عبر أراضيها الشاسعة.

3. المملكة المتحدة

• أول تجربة نووية: 1952

• عدد الرؤوس النووية (2023): حوالي 225 رأسًا

• الاستراتيجية النووية: تقتصر ترسانتها على الصواريخ النووية المحمولة على غواصات ترايدنت.

• الانتشار: لا تمتلك أسلحة نووية برية أو جوية، وهي الدولة الوحيدة من الخمس التي تعتمد كليًا على غواصات الصواريخ الباليستية.

4. فرنسا

• أول تجربة نووية: 1960

• عدد الرؤوس النووية (2023): حوالي 290 رأسًا

• الاستراتيجية النووية: تعتمد على مبدأ “الردع المستقل”، وتصر على أن قرار استخدام السلاح النووي فرنسي خالص.

• القدرات النووية: تمتلك غواصات نووية، صواريخ جو-أرض، وقدرات إطلاق من الجو عبر طائرات الرافال.

5. الصين

• أول تجربة نووية: 1964

• عدد الرؤوس النووية (2023): حوالي 410 رأسًا، ويُتوقع تضاعفها بحلول 2030

• الاستراتيجية النووية: سياسة “الردع الأدنى” و”عدم الاستخدام الأول”، أي أنها لن تبدأ باستخدام السلاح النووي إلا كرد على هجوم نووي.

• الانتشار: تنوع استراتيجيات الإطلاق عبر منصات برية وبحرية وجوية قيد التطوير المستمر.

ثانيًا: الدول التي تمتلك السلاح النووي خارج إطار معاهدة NPT

هذه الدول لم تنضم إلى المعاهدة أو انسحبت منها، وامتلكت السلاح النووي بعد عام 1967.

6. الهند

• أول تجربة نووية: 1974 (عملية “بوذا المبتسم”)

• عدد الرؤوس النووية (2023): بين 160 إلى 170 رأسًا

• السياسة النووية: تعتمد على سياسة “عدم الاستخدام الأول”، وتؤكد على الردع الدفاعي فقط.

• الوضع القانوني: لم توقع على معاهدة NPT، وتعتبر نفسها دولة نووية مسؤولة رغم رفض المجتمع الدولي الاعتراف بها رسميًا.

7. باكستان

• أول تجربة نووية: 1998 (ردًا على الهند)

• عدد الرؤوس النووية (2023): حوالي 170 رأسًا

• السياسة النووية: لم تتبنّ سياسة “عدم الاستخدام الأول”، مما يجعلها طرفًا محتملًا للاستخدام الاستباقي.

• البرنامج: يعتمد على تطوير صواريخ قصيرة وبعيدة المدى، مع تركيز على التوازن مع الهند.

8. إسرائيل

• الوضع النووي: سياسة “الغموض النووي” (لا تؤكد ولا تنفي)

• الترسانة المقدّرة: بين 80 إلى 100 رأس نووي

• القدرات: يُعتقد أنها تمتلك ترسانة نووية محمولة على غواصات، وصواريخ أرض-أرض، وقنابل جوية.

• البرنامج: تُشير تقارير استخباراتية إلى منشأة ديمونا في صحراء النقب كموقع رئيسي للبرنامج.

9. كوريا الشمالية

• أول تجربة نووية: 2006

• عدد الرؤوس النووية (2023): يُقدَّر بين 30 إلى 50 رأسًا

• السياسة النووية: انسحبت من معاهدة NPT عام 2003، وتؤكد علنًا امتلاكها للسلاح النووي، وتعتبره وسيلة ردع ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

• التجارب: أجرت حتى الآن عدة تجارب نووية وصاروخية، وتواصل تطوير قدراتها الباليستية العابرة للقارات.

ثالثًا: الدول السابقة المالكة للسلاح النووي

10. جنوب إفريقيا

• الوضع السابق: طورت أسلحة نووية سرًا خلال سبعينيات القرن العشرين

• عدد الرؤوس التي طورتها: 6 رؤوس

• الوضع الحالي: تخلّت طوعًا عن برنامجها النووي عام 1989، وانضمت لمعاهدة NPT في 1991 بعد تفكيك ترسانتها بالكامل.

• الحالة الفريدة: الدولة الوحيدة التي طوّرت ثم تخلّت طوعًا عن السلاح النووي بكامل إرادتها.

رابعًا: الدول ذات “المشاركة النووية” في إطار الناتو

رغم أنها لا تمتلك أسلحة نووية بشكل مباشر، إلا أن دولًا معينة في حلف شمال الأطلسي تشارك في برنامج “المشاركة النووية” مع الولايات المتحدة، وتستضيف رؤوسًا نووية أمريكية على أراضيها:

• ألمانيا

• إيطاليا

• تركيا

• هولندا

• بلجيكا

هذه الدول لا تملك صلاحية استخدام الأسلحة النووية دون إذن أمريكي، ولكنها تُشارك في تدريبات التحليق والإطلاق في حال الحاجة.

خامسًا: الدول التي تخلّت عن برامجها النووية أو لم تكتمل مشاريعها

– أوكرانيا، بيلاروس، كازاخستان:

عند انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ورثت هذه الدول جزءًا من الترسانة النووية السوفيتية. وبحلول عام 1996، تخلّت عنها طوعًا ونقلت الأسلحة إلى روسيا، مقابل ضمانات أمنية ضمن مذكرة بودابست.

– العراق، ليبيا، إيران:

رغم امتلاك برامج نووية طموحة، لم تُثبت امتلاكها لرؤوس نووية. العراق تخلّى عن برنامجه بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ليبيا سلّمت كامل معداتها في 2003، أما إيران فلا تزال تحت المراقبة الدولية في ظل مخاوف من امتلاكها القدرة التقنية على تصنيع السلاح النووي.

مقارنة بين الترسانات النووية الكبرى

ختام تقني وتحليلي

يمثل السلاح النووي اليوم محورًا بالغ الأهمية في النظام الدولي، ويعدّ أحد أعمدة القوة الجيوسياسية لبعض الدول. وعلى الرغم من الجهود الدولية المبذولة للحد من انتشاره من خلال الاتفاقيات والمعاهدات، إلا أن السباق النووي لا يزال قائمًا، مدفوعًا بالاعتبارات الأمنية والسياسية.

تبقى التهديدات المرتبطة بانتشار السلاح النووي قائمة، خصوصًا في ظل التوترات المتصاعدة بين القوى النووية، وتزايد خطر نقل التكنولوجيا النووية إلى دول غير مستقرة أو جماعات غير دولية. وبالتالي، يظل موضوع نزع السلاح النووي وتطبيق الرقابة الشاملة على الانتشار أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم المعاصر.

المصادر:

1. Federation of American Scientists – Nuclear Notebook

2. Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI) – Yearbook 2023