الحياء في الإسلام وأثره

شرح حديث (أَلا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟)

يعد حديث (أَلا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟) من الأحاديث التي تحمل في طياتها دلالات عظيمة، وعبارات مؤثرة، ترسخ في نفوس المسلمين قيمة الحياء وتحث على مكارم الأخلاق. وقد ورد هذا الحديث في الصحيحين، ويُعبِّر عن مواقف مختلفة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تبين جلال أخلاقه، وتأصيله للفضائل في المجتمع الإسلامي.

مفهوم الحديث:

الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود، قال: “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟”، كان حديثاً متعلقاً بالحث على الحياء والتواضع، والذي يظهر من خلاله، سلوك النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف مواقفه. هذا الحديث يوجه المسلم إلى أمر مهم للغاية وهو الحياء، الذي يعد من خصال المؤمنين. يشير الحديث إلى حالة كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس مع الصحابة، وكان أحد الصحابة، وهو أبو هريرة، يكثر من الحياء. لذلك تَساءل النبي صلى الله عليه وسلم مستغرباً عن كيفية تصرف هذا الصحابي في حياته اليومية بحيث يُظهر درجة من التواضع والخجل تعجز الملائكة نفسها عن تجاوزها.

1. الحياء في الإسلام:

الحياء هو شعور داخلي يحث الإنسان على الامتناع عن فعل ما يعيب أو يسيء إلى الأخلاق أو الشرف. وهو في جوهره من الصفات التي تعزز سمو النفس، وتدعو إلى احترام الآخرين والامتناع عن التصرفات السلبية أو المخلّة بالآداب. وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون الحياء ديدن المؤمنين من خلال تعاليمه وأفعاله. وفي الحديث المذكور، يظهر النبي صلى الله عليه وسلم في حالة من التقدير والاحترام تجاه الصحابي الذي يظهر الحياء، مشيراً إلى أن هذا السلوك ليس فقط محبباً للبشر ولكن حتى للملائكة.

الحياء في الإسلام ليس فقط سمة شخصية بل هو دلالة على قوة الإيمان، حيث يعبر المسلم من خلاله عن ارتباطه بالله تعالى وخوفه من ارتكاب المعاصي أو ما يتنافى مع شرع الله. في القرآن الكريم، جاء الحياء كقيمة عظيمة تتجلى في العديد من الآيات، منها قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة: 83). وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الحياء في العديد من الأحاديث الأخرى مثل قوله: “الحياء لا يأتي إلا بخير”.

2. الملائكة والخجل من المسلم:

إذا كان الإنسان الحيِّي يخجل من فعل الخطأ أو التصرفات غير اللائقة، فإن الملائكة تمثل الكائنات الطاهرة التي تتجنب المساوئ في أعلى درجات الكمال. الملائكة، بما أن الله خلقها من نور، ليس لها شهوات أو رغبات، وهي دائماً في خدمة الله ولا تعصي أمره أبداً. لذلك، فإن وجود الملائكة كشهود في حياة الإنسان هو أمر مقدس.

لكن هناك في هذا الحديث ما يوحي بأن الحياء الذي يظهره هذا الصحابي المسلم جعل الملائكة نفسها تشعر بالخجل والاحترام، وهو ما يعد مثلاً أعلى للمسلمين في سعيهم لتكامل الأخلاق. وبالتالي، فإن الحياء الذي ينعكس على تصرفات المسلم يجب أن يكون دافعاً له ليعيش حياة طاهرة، تلتزم بمبادئ الإيمان والاحتشام والوقار.

3. حالة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:

عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، كان يشير إلى سلوك هذا الصحابي الذي لم يكن يتصرف بخجل عادي، بل كان يتسم بدرجة عالية من الحياء الذي دفع حتى الملائكة للشعور بالخجل منه. تلك الملاحظة تَظهر لنا أهمية التواضع والحياء في بناء الشخصية المسلمة، حيث يُشجع المسلمون على تقليد مثل هذه الصفات الكريمة التي تجعلهم أقرب إلى الله تعالى.

النبي صلى الله عليه وسلم، بعلمه الواسع وحكمته، كان يدرك أن الحياء لا يتعارض مع الشجاعة في الإيمان، بل هو جزء من الإيمان نفسه. وعندما ذكر الملائكة في الحديث، كان يُشير إلى منزلة الحياء عند الله تعالى، حيث تتوق الملائكة للمسلم الذي يحرص على هذا الخُلق العظيم.

4. الحياء والتوازن في الحياة الاجتماعية:

يُعتبر الحياء من أهم عناصر التوازن في الحياة الاجتماعية. فهو لا يعني الخجل الذي يمنع الإنسان من التعامل مع الآخرين، بل هو الحياء الذي يمنع الإنسان من ارتكاب الأفعال السيئة والمحرمة، ويجعله يتصرف بتقدير واحترام في جميع مواقفه.

إن المسلم الذي يلتزم بالحياء يتمتع بالكثير من الاحترام من الآخرين، لأن هذه الصفة تظهر سمو أخلاقه ورفعة مكانته بين الناس. وهذه القيم تساهم في بناء مجتمع متماسك، حيث يعامل الأفراد بعضهم البعض بنوع من الاحترام والرقي الأخلاقي، مما يسهم في تهذيب المجتمع ورفع مستواه.

5. المقارنة بين الحياء والشجاعة في الدين:

يعتقد البعض أن الحياء قد يتنافى مع الشجاعة، خاصة إذا ارتبط بالحذر المفرط من التفاعل مع الناس أو التحدث معهم، لكن هذا ليس صحيحاً في مفهوم الإسلام. ففي حين يُشجع المسلم على أن يكون حيياً، فإن الإسلام أيضًا يُؤكد على ضرورة اتخاذ المواقف الحاسمة والشجاعة في مواجهة الظلم أو التحديات. إلا أن الحياء في هذا السياق يأتي ليكون دافعًا لامتلاك شجاعة أخلاقية، تكون غير متناقضة مع الوقار أو مع الحفاظ على الحدود التي فرضها الله.

6. الحياء في ضوء السيرة النبوية:

النبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم قدوة في تجسيد خلق الحياء، فقد ورد في العديد من مواقف السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حيياً في تعامله مع الناس، سواء في مواقف عادية أو حتى في القضايا الدينية التي تتطلب الحزم. كان يتحاشى النظر إلى الأشياء التي تثير الشهوة أو الفضول، ويتجنب الكلام الذي قد يسبب الحرج للآخرين. كما كان لا يصرح بأمور خاصة ولا يتحدث عن ذاته إلا عند الحاجة. وهذا يظهر أن الحياء في الإسلام هو تجنب ما يشين سواء في القول أو الفعل، والابتعاد عن كل ما قد يؤذي أو يسبب ضيقاً للآخرين.

7. الخلاصة:

حديث “أَلا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟” يعكس الصورة المثالية للمؤمن الذي يتحلى بأعلى درجات الحياء والوقار، وهو يوضح أهمية هذه القيمة في حياة المسلم اليومية. الحياء لا يقتصر على شعور داخلي فحسب، بل يمتد ليؤثر في تصرفات المسلم في علاقاته مع الآخرين، ومع نفسه، ومع الله تعالى. ولذلك، يجب على المسلم أن يسعى لتطوير هذه الصفة في نفسه، ليكون أقرب إلى الله، ولتنعم حياته بمزيد من الطمأنينة والرضا.