الحياء شعبة من الإيمان

شرح حديث “الحياء شعبة من شعب الإيمان”

مقدمة

الحديث النبوي الشريف “الحياء شعبة من شعب الإيمان” يعدّ من الأحاديث الجامعة التي تختصر في ألفاظها القليلة معاني عظيمة ومقاصد شرعية راقية، ويُعد هذا الحديث من الأسس الأخلاقية التي تُبنى عليها حياة المسلم. فالحياء ليس مجرد خلق فردي يزين صاحبه فحسب، بل هو خلق أصيل متفرع من أصل الإيمان، ومرتبط به ارتباطاً وثيقاً في الفكر والسلوك. في هذا المقال، سيتم التعمق في شرح الحديث الشريف من حيث روايته، معناه، أبعاده الإيمانية، ارتباطه بالأخلاق، مواقف من حياة النبي والصحابة توضح معالم الحياء، إضافة إلى استعراض الحياء في ميزان الشريعة الإسلامية وآثاره الاجتماعية والنفسية.

نص الحديث ومصدره

ورد هذا الحديث بعدة روايات، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

“الإيمان بضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.

رواه البخاري (9) ومسلم (35)

وقد جاء هذا الحديث ليحدد طبيعة العلاقة بين الإيمان والسلوك الفردي والاجتماعي، حيث قسّم الإيمان إلى شعب متعددة، تبدأ بالعقيدة وتصل إلى أبسط أشكال السلوك الإيجابي، وكان من ضمن هذه الشعب خلق الحياء، مما يدل على مكانته العظيمة في الإسلام.

الشرح اللغوي للحديث

• الإيمان: في اللغة هو التصديق، وفي الاصطلاح الشرعي هو اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.

• بضع وسبعون شعبة: “البضع” في اللغة ما بين الثلاثة والتسعة، وتشير العبارة إلى أن الإيمان يتكون من مجموعة من الأجزاء أو المكونات السلوكية والاعتقادية.

• شعبة: أي جزء أو فرع، والشعب في هذا السياق تدل على الجوانب المتعددة التي يتجلى بها الإيمان.

• الحياء: خلق رفيع يدفع صاحبه إلى اجتناب القبيح قولاً وفعلاً، ويجعله يشعر بالخجل من التقصير أمام الله أو الناس.

• شعبة من الإيمان: أي أن الحياء جزء لا يتجزأ من الإيمان، ويعبر عن درجة من درجات الالتزام الديني.

الحياء في ميزان الإيمان

الحديث يُظهر أن الحياء ليس مسألة شكلية أو خُلقاً اجتماعياً فحسب، بل هو جزء من البنية التكوينية للإيمان. الإيمان في المفهوم الإسلامي ليس فقط تصديقًا بالقلب أو نطقًا باللسان، بل يتجلى أيضاً في الأفعال والسلوكيات اليومية، والحياء أحد هذه السلوكيات.

الحياء يمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي، ويحثه على فعل الخير. هو حارس داخلي لا يحتاج إلى قوانين خارجية ليضبط السلوك، ولهذا جعله النبي ﷺ شعبة من الإيمان.

أقسام الحياء

يمكن تقسيم الحياء إلى عدة أنواع كما جاء في تراث العلماء:

1. الحياء من الله
   
   وهو أعظم أنواع الحياء، ويتجلى في خجل العبد من ربه عندما يهمّ بمعصية أو يتكاسل عن طاعة، ويتولد من معرفة العبد بجلال الله وعظمته وإحسانه إليه.

2. الحياء من الناس
   
   ويظهر في سلوك المسلم تجاه مجتمعه، حيث يمنعه الحياء من التلفظ بالكلام الفاحش أو القيام بأفعال مخلة بالمروءة.

3. الحياء من النفس
   
   وهو خجل الإنسان من نفسه حينما يقوم بما لا يليق أو يخالف ضميره وأخلاقه.

4. الحياء الفطري
   
   وهو ما يولد مع الإنسان دون أن يتعلمه، ويعدّ من النعم التي يجب الحفاظ عليها.

5. الحياء المكتسب
   
   وهو الحياء الذي يكتسبه الإنسان من خلال التربية والبيئة والتعليم، ويمكن تنميته.

الحياء في حياة النبي ﷺ

كان رسول الله ﷺ أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، كما وصفه الصحابة رضوان الله عليهم. وقد تجلّى حياؤه في العديد من المواقف:

• كان إذا كره شيئاً عرف في وجهه، ولا يعبّر عنه صراحة خشية جرح مشاعر الآخرين.

• كان يتحرّج من ذكر ما يخدش الحياء، فكان يستخدم الكنايات عند الحديث عن الأمور الحساسة.

• لم يكن فظّاً ولا غليظ القلب، وكان حياؤه يمنعه من التوبيخ المباشر، بل يستخدم التعريض والتلميح.

الحياء عند الصحابة

كان الصحابة الكرام يقتدون برسول الله ﷺ في حيائه، وعلى رأسهم عثمان بن عفّان رضي الله عنه الذي قال فيه النبي ﷺ:

“ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة”

(رواه مسلم)

وهذا يدل على أن الحياء يرفع مكانة الإنسان عند الله وعند خلقه. كما أن الصحابة كانوا يتحرّجون من طرح أسئلة قد يرونها مخالفة للذوق العام، وكانوا ينتظرون أن يسأل الأعراب عنها حتى يتعلموا دون إحراج.

الحياء وسيلة إصلاح للمجتمع

الحياء ليس فقط سلوكاً شخصياً، بل هو دعامة من دعائم الأخلاق العامة في المجتمع. إذا ساد الحياء في أفراده، ساد بينهم الاحترام، وانتفى التحرش، وخفّت الجرائم الأخلاقية، وانتشرت الفضيلة. وإذا فُقد الحياء، ضاع الإيمان، وظهرت الفواحش والمنكرات. ولهذا قال النبي ﷺ:

“إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”

(رواه البخاري)

أي أن فقدان الحياء يقود إلى الانحلال الأخلاقي، ويطلق العنان للشهوات دون رادع داخلي.

الحياء في التربية الإسلامية

التربية على الحياء تبدأ منذ الطفولة، حيث يجب على الوالدين أن يزرعوا في أطفالهم هذا الخلق، من خلال:

• تعليمهم مراقبة الله.

• تنمية شعورهم بالخجل من الخطأ.

• احترام الكبير والصغير.

• مراعاة اللباس والتصرفات.

وتؤكد الدراسات النفسية الحديثة أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة تعزّز خلق الحياء يكونون أقل عرضة للسلوكيات المنحرفة.

جدول: مقارنة بين أنواع الحياء وأثر كل نوع

الحياء في ضوء المعاصرة

في زماننا هذا، أصبحت مفاهيم الحياء تتعرض لهجمة شرسة من خلال الإعلام والتقنيات الحديثة والفضائيات التي تروّج لمفاهيم الانفتاح غير المنضبط، مما أدى إلى تآكل هذا الخلق في نفوس بعض الشباب. وقد أصبحت بعض التصرفات التي كانت تُعد عيباً في السابق تُروّج اليوم على أنها حرية شخصية. لذا فإن تعزيز قيمة الحياء يجب أن يكون من خلال:

• توجيه الإعلام نحو نشر القيم الإيمانية.

• تفعيل دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ هذا الخلق.

• تكثيف الخطاب الديني المعتدل الذي يربط الأخلاق بالإيمان.

أثر فقدان الحياء على الفرد والمجتمع

عندما يفقد الإنسان حياءه، يفتح الباب أمام الوقوع في الموبقات دون رقيب أو وازع، ويصبح من السهل عليه انتهاك الحرمات ومخالفة القيم. وهذا بدوره يؤثر سلباً على المجتمع ككل، حيث تنتشر الجرائم الأخلاقية، وتُفقد الثقة بين الناس، وتتفكك الأسر، ويتسع الفساد.

الخلاصة

حديث “الحياء شعبة من شعب الإيمان” ليس مجرد عبارة وعظية تُتلى، بل هو قاعدة أخلاقية ومبدأ إيماني شامل. الحياء هو الحارس الداخلي لسلوك الإنسان، وإذا قوي الإيمان قوي الحياء، وإذا ضعف الحياء ضعف الإيمان. والمسلم مطالب بأن يتشرب هذا الخلق في جميع مناحي حياته، لأنه من مقاييس صلاح القلب وسلامة الدين. والحياء ليس مانعاً من الجرأة في قول الحق أو من الدفاع عن النفس، بل هو الضابط الذي يمنع التهور ويحفظ الكرامة والهيبة. في زمن كثرت فيه مظاهر الوقاحة والجرأة على الحرام، يصبح إحياء الحياء عبادة وضرورة مجتمعية ملحّة.

المصادر والمراجع

1. صحيح البخاري، حديث رقم (9).

2. صحيح مسلم، حديث رقم (35).