التعاون في الإسلام

التعاون في الإسلام: قيمته ومكانته في بناء المجتمع

من القيم الأساسية التي أولاها الإسلام عناية فائقة، وجعلها جزءاً من الإيمان والعمل الصالح، قيمة التعاون. وقد ورد ذكر التعاون في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في عدة مواضع، مما يدل على أهميته البالغة في حياة الأفراد والمجتمعات. فالتعاون في المفهوم الإسلامي ليس مجرد صفة محمودة أو خلق اجتماعي، بل هو منهج حياة يتجلى في العبادة، والمعاملات، والأخلاق، والسلوك اليومي، ويؤسس لنظام اجتماعي متكامل يُبنى على التكافل والتضامن.

معنى التعاون في الإسلام

التعاون في اللغة هو التساند والتشارك في تحقيق هدف مشترك، أما في الاصطلاح الشرعي، فهو تآزر الأفراد والجماعات في أداء الأعمال النافعة التي تعود بالخير على الفرد والمجتمع، سواء كانت دينية أو دنيوية، مادية أو معنوية. وقد وضع الإسلام حدوداً واضحة للتعاون، بحيث يكون في الخير والبر، لا في الإثم والعدوان، لقوله تعالى:

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

وهذا التوجيه الإلهي يرسّخ المفهوم السامي للتعاون، حيث يُبنى على نية الخير وخدمة المجتمع، ويُبعد عن مسالك الفساد والإفساد.

أسس التعاون في الشريعة الإسلامية

يقوم التعاون في الإسلام على عدة أسس متينة تشكل البنية التحتية لكل عمل جماعي ناجح، ومن أبرزها:

1. النية الصالحة

الإسلام يربط بين العمل والنية، فإذا تعاون الناس بنية خالصة لوجه الله تعالى، كُتب لهم الأجر والثواب، وكان تعاونهم سببًا في رفعة المجتمع.

2. تحقيق المصلحة العامة

فالتعاون في الإسلام لا يقتصر على مصلحة الفرد بل يهدف إلى تحقيق الخير للأمة كلها، من خلال نفع الآخرين وتيسير شؤونهم ومساندتهم.

3. احترام التخصص والتكامل

الإسلام لا يدعو إلى التنافس المذموم بل إلى التكامل في الأدوار، إذ يعمل كل فرد حسب قدراته وتخصصه، ويكمل الآخرون ما ينقصه، مما يؤدي إلى منظومة تعاونية ناجحة.

4. نبذ الأنانية والذاتية

التعاون يتطلب من المسلم أن يتخلى عن الأنانية وحب النفس، ويقدّم مصلحة الجماعة على مصلحته الخاصة في بعض المواضع، وهذا من أهم خصائص المسلم الصادق.

صور التعاون في الإسلام

جاءت الشريعة الإسلامية زاخرة بالنماذج والصور التي تُجسد التعاون بين المسلمين، سواء في العبادات أو المعاملات أو الأخلاق أو الحياة اليومية.

أولاً: التعاون في العبادات

• الصلاة الجماعية: تعد نموذجًا عمليًا على التعاون، حيث يجتمع المسلمون ويصطفّون في نظام واحد خلف إمامهم، مما يرمز إلى الوحدة والتآزر.

• الزكاة: صورة عظيمة للتعاون المالي بين الأغنياء والفقراء، يساهم فيها الأغنياء بنصيب من أموالهم في سدّ حاجة المحتاجين.

• الحج: يعد أضخم مشهد جماعي يتجلى فيه التعاون في أوضح صوره، حيث يتشارك الملايين في مناسك موحدة ويعين بعضهم بعضًا على إتمامها.

ثانيًا: التعاون في المجتمع

• التكافل الاجتماعي: يتجلى في صور متعددة، من كفالة الأيتام، إلى مساعدة الأرامل، إلى الإنفاق على المحتاجين، وغيرها.

• العمل الجماعي: الإسلام يشجع على المشاورة والعمل بروح الفريق، وهو ما تمثله الشورى التي كانت سنة نبوية ومنهاجًا في الدولة الإسلامية.

• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هذا من أهم صور التعاون، إذ يتعاون المسلمون على إصلاح المجتمع وتقويم السلوك.

ثالثًا: التعاون في الحياة الاقتصادية

• إقامة المشاريع المشتركة التي تخدم الصالح العام، والاشتراك في بناء البنية التحتية، والمساهمة في التنمية الاقتصادية، كل ذلك يدخل ضمن نطاق التعاون المشروع في الإسلام.

التعاون في السيرة النبوية

سيرة النبي ﷺ تمثل أرقى نموذج للتعاون في الإسلام. فقد كان عليه الصلاة والسلام يتعاون مع أصحابه في السلم والحرب، في البناء والعمل، في التربية والإصلاح. ومن أبرز الأمثلة:

• حادثة بناء المسجد النبوي: حيث شارك النبي ﷺ بنفسه في بناء المسجد، وكان يحمل الحجارة جنبًا إلى جنب مع الصحابة، في مشهد يُجسّد روح العمل الجماعي.

• حفر الخندق: تعاون المسلمون في حفر الخندق بأيديهم للدفاع عن المدينة، وكان النبي ﷺ يشاركهم الجهد والعمل.

• المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: صورة فريدة من نوعها في التاريخ، تُجسد كيف يمكن للتعاون أن يُعيد صياغة المجتمع على أسس الأخوة والإيثار.

التعاون في الفكر الإسلامي والاجتماعي

يرى علماء الاجتماع المسلمون أن التعاون هو أساس بناء المجتمع الإسلامي، وأنه الضامن لاستمرارية الحضارة وتقدّم الأمة. ويدعو المفكرون المسلمون إلى ضرورة تفعيل هذه القيمة في المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وقد اعتبر الفقيه والمصلح ابن خلدون أن العمران البشري لا يقوم إلا بالتعاون، وأن الإنسان مدني بطبعه، لا يستطيع الحياة منفرداً، بل يحتاج إلى غيره في شتى أمور الحياة.

نتائج التعاون في المجتمع الإسلامي

إن تفعيل مبدأ التعاون بين أفراد المجتمع الإسلامي يؤدي إلى آثار إيجابية عظيمة، منها:

• تعزيز وحدة الأمة: حيث يذوب الفرق بين الطبقات، وتنشأ علاقات قائمة على المحبة والتآزر.

• نشر روح التكافل والتراحم: فيتحول المجتمع إلى جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

• زيادة الإنتاجية والتقدم: التعاون بين العامل وصاحب العمل، وبين الطالب والمعلم، وبين الطبيب والمريض، يؤدي إلى بيئة صحية ومتقدمة.

• الوقاية من النزاعات: إذ يعمل التعاون على تقليل الحسد والصراعات والنزاعات من خلال تقوية العلاقات الأخوية.

• تحقيق الاستقرار الاجتماعي: المجتمعات التي يسودها التعاون تعيش في أمان واستقرار ورضا نفسي، خلافاً للمجتمعات الفردية المادية.

التحديات التي تواجه مبدأ التعاون

رغم أن التعاون هو قيمة مركزية في الإسلام، إلا أن هناك تحديات كثيرة تواجه تفعيله في واقع المسلمين المعاصر، منها:

وسائل تعزيز التعاون في المجتمعات الإسلامية

لمعالجة التحديات السابقة، يحتاج المجتمع الإسلامي إلى تطبيق وسائل عملية تدعم مبدأ التعاون:

• تعزيز التربية على القيم الإسلامية في المدارس والمنازل

• إبراز النماذج التعاونية من السيرة والتاريخ الإسلامي

• إقامة البرامج والمبادرات الاجتماعية المشتركة

• التشجيع على العمل التطوعي وتنظيم حملات تعاونية منتظمة

• استخدام وسائل الإعلام لترويج ثقافة التعاون

خاتمة

التعاون في الإسلام ليس مسألة فرعية أو نافلة سلوكية، بل هو مبدأ أصيل يعكس جوهر الرسالة الإسلامية في بناء المجتمعات المتماسكة. وهو من الأعمال التي يحبها الله، ويباركها، ويجعلها سبباً في نهضة الأمة. وإذا ما التزم المسلمون بهذا المبدأ عملياً، فسيحصدون ثماره في شتى مناحي الحياة: من الأسرة إلى المجتمع، ومن الفرد إلى الدولة، فيتحقق بذلك الهدف النبيل للإسلام في إقامة مجتمع تسوده المودة والرحمة والتضامن.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تفسير آية المائدة (2).

2. محمد الغزالي، “خلق المسلم”، دار نهضة مصر.