طرق الوقاية من الإيدز

الوقاية من مرض الإيدز: استراتيجيات شاملة لحماية الصحة العامة والفردية

يُعدّ مرض الإيدز (متلازمة نقص المناعة المكتسب) أحد أكثر الأمراض التي أثارت القلق العالمي منذ ظهوره في بدايات ثمانينيات القرن العشرين. وينتج هذا المرض عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري (HIV)، والذي يهاجم الجهاز المناعي ويجعله غير قادر على مقاومة العدوى والأمراض الانتهازية. وعلى الرغم من التقدم الهائل في الأبحاث والعلاجات، إلا أن الوقاية تظل الركيزة الأساسية في مكافحة انتشار المرض، لا سيما في غياب لقاح نهائي حتى الآن.

تهدف استراتيجيات الوقاية من الإيدز إلى الحدّ من انتقال الفيروس بين الأفراد، وتعزيز السلوكيات الصحية، وتوسيع نطاق التوعية، وتوفير بيئة داعمة للفحص المبكر والرعاية الطبية. ويشمل ذلك مجموعة من التدخلات على المستوى الشخصي والمجتمعي، مع مراعاة الأبعاد الطبية، السلوكية، الاجتماعية، والقانونية للوقاية.

أولاً: الفهم الصحيح لطريقة انتقال فيروس الإيدز

تُبنى الوقاية السليمة على الوعي الكامل بطرق انتقال الفيروس، إذ لا ينتقل فيروس HIV عبر الهواء، أو الملامسة، أو الطعام، أو الحشرات، كما يظن البعض، بل ينتقل فقط من خلال سوائل الجسم المحددة وهي:

• الدم

• السائل المنوي

• الإفرازات المهبلية

• حليب الأم

وينتقل الفيروس من شخص مصاب إلى آخر سليم عن طريق:

• العلاقة الجنسية غير المحمية (مهبلية، شرجية أو فموية)

• مشاركة الإبر أو الأدوات الحادة الملوثة بالدم

• نقل الدم أو زراعة الأعضاء من مصدر مصاب وغير مفحوص

• من الأم إلى الجنين خلال الحمل أو الولادة أو الرضاعة

هذا الفهم يزيل الكثير من التصورات الخاطئة ويساعد في تبني السلوكيات الوقائية المناسبة.

ثانياً: الوقاية من خلال السلوك الجنسي الآمن

يُعدّ السلوك الجنسي غير الآمن من أبرز طرق انتقال فيروس الإيدز، لذا فإن تبني سلوكيات جنسية مسؤولة يُعدّ محوراً مركزياً في جهود الوقاية، ويتضمن ذلك:

1. استخدام الواقي الذكري أو الأنثوي

يُعدّ الواقي وسيلة فعالة جداً للحد من انتقال الفيروس خلال العلاقة الجنسية، بشرط استخدامه بطريقة صحيحة في كل مرة تحدث فيها العلاقة.

2. تقليل عدد الشركاء الجنسيين

كلما زاد عدد الشركاء الجنسيين، زادت احتمالية التعرض لشخص مصاب بالفيروس. ويُنصح بتقليل عدد الشركاء الجنسيين أو الاقتصار على شريك واحد غير مصاب.

3. الفحص المسبق للشريك

تشجيع كلا الطرفين على إجراء فحص فيروس HIV قبل إقامة علاقة جنسية، يُعدّ خطوة فعالة في الحماية المتبادلة.

4. تجنب العلاقات الجنسية في وجود تقرحات أو التهابات

وجود جروح أو التهابات في الأعضاء التناسلية يزيد من احتمالية دخول الفيروس إلى الجسم.

ثالثاً: الوقاية في المجال الطبي واستخدام الأدوات

1. عدم مشاركة الإبر أو الأدوات الحادة

مشاركة الإبر بين متعاطي المخدرات، أو استخدام أدوات حلاقة ملوثة، أو أدوات الوشم والثقوب غير المعقمة تمثل خطراً كبيراً لنقل الفيروس.

2. التعقيم الصارم في المنشآت الصحية

يلتزم الطاقم الطبي باستخدام أدوات معقّمة دائماً، وتطبيق بروتوكولات صارمة عند التعامل مع الدم أو أي سوائل جسدية.

3. الفحص المخبري للدم ومشتقاته

تقوم مراكز نقل الدم بفحص كل الوحدات المجمعة لاكتشاف أي عدوى محتملة قبل نقلها إلى المرضى، مما يقلل من خطر الإصابة عبر نقل الدم إلى الصفر تقريباً في الأنظمة الصحية المتقدمة.

رابعاً: الوقاية للنساء الحوامل

في حال إصابة الأم بفيروس الإيدز، يمكن أن تنتقل العدوى إلى الجنين خلال الحمل أو الولادة أو عبر الرضاعة الطبيعية. وتُعتمد استراتيجيات خاصة في هذه الحالات، تشمل:

• إعطاء الأم علاجات مضادة للفيروسات طيلة الحمل

• إجراء ولادة قيصرية لتقليل التماس بين دم الأم والجنين

• تجنب الرضاعة الطبيعية إذا لم تتلقَ الأم علاجاً كافياً

• إعطاء الطفل حديث الولادة أدوية مضادة للفيروسات لفترة محددة

بهذه الطريقة، يمكن تقليل احتمال انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين إلى أقل من 2% عند اتباع الإجراءات العلاجية بدقة.

خامساً: الوقاية عبر استخدام العلاج الوقائي قبل وبعد التعرض (PrEP وPEP)

1. العلاج الوقائي قبل التعرض (PrEP)

هو دواء يُتناول يومياً من قِبل الأفراد غير المصابين بفيروس الإيدز، ولكن لديهم خطر مرتفع للإصابة، مثل:

• الأشخاص الذين لديهم شريك مصاب

• العاملون في مجال الجنس

• مستخدمو الإبر المشتركة

أثبتت الدراسات أن PrEP يقلل من خطر الإصابة بنسبة تصل إلى 99% عند الالتزام المنتظم بتناوله.

2. العلاج الوقائي بعد التعرض (PEP)

يُستخدم في الحالات الطارئة، ويُؤخذ خلال 72 ساعة من التعرض المحتمل للفيروس، مثل:

• التعرّض لوخزة إبرة ملوثة

• العلاقة الجنسية غير المحمية مع شخص يُحتمل أن يكون مصاباً

ويتضمن تناول مجموعة من الأدوية لمدة 28 يوماً بإشراف طبي، ويمكن أن يمنع الإصابة إذا بدأ العلاج في الوقت المناسب.

سادساً: التثقيف والتوعية المجتمعية

تشكل التوعية حجر الأساس في الوقاية من الإيدز. كلما زاد وعي الأفراد بطبيعة المرض وطرق انتشاره والوقاية منه، انخفضت معدلات الإصابة. وتشمل جهود التوعية:

• إدراج التثقيف الصحي في المناهج المدرسية

• حملات إعلامية على نطاق واسع عبر القنوات الرسمية ومواقع التواصل

• توزيع كتيبات توعوية في مراكز الصحة والمستشفيات والجامعات

• تدريب العاملين في مجالات الصحة والتعليم والاجتماع

التثقيف المستمر يكسر وصمة العار، ويشجع على الفحص الطوعي وطلب المساعدة العلاجية دون خوف.

سابعاً: الفحص الدوري والمبكر لفيروس HIV

الفحص الطوعي هو وسيلة أساسية للوقاية، لأنه يُتيح للأفراد معرفة حالتهم الصحية مبكراً والبدء بالعلاج حال الإصابة، مما يقلل من فرص انتقال العدوى إلى الآخرين.

وينصح بإجراء الفحص بانتظام للفئات التالية:

• الأفراد الذين مارسوا الجنس مع أكثر من شريك

• مستخدمو المخدرات بالحقن

• الأشخاص الذين خضعوا لنقل دم أو عمليات جراحية في مناطق غير موثوقة

• الشركاء الجنسيون لأشخاص مصابين بالفيروس

كما توصي المنظمات الصحية الدولية بإجراء الفحص مرة واحدة على الأقل لكل شخص بالغ، وتكرار الفحص للفئات المعرضة للخطر.

ثامناً: مكافحة الوصمة والتمييز

تشكل وصمة العار المحيطة بفيروس الإيدز عائقاً خطيراً أمام الوقاية، حيث تمنع المصابين أو المحتمل إصابتهم من طلب المشورة أو العلاج. ويجب أن تركز استراتيجيات الوقاية أيضاً على:

• تعزيز تقبّل المصابين في المجتمع

• حماية حقوقهم القانونية والاجتماعية

• الحد من التمييز في أماكن العمل ومراكز العلاج

• تشجيع الإعلام على تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والعلمية للمرض

كلما شعر المصاب بالدعم والقبول، زادت فرص تعاونه مع البرامج العلاجية، وقلّت احتمالات انتقال العدوى إلى الآخرين.

تاسعاً: دور المؤسسات والمنظمات الدولية

تؤدي المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز (UNAIDS) دوراً محورياً في:

• وضع السياسات العامة والاستراتيجيات الوقائية

• دعم الأبحاث وتطوير الأدوية واللقاحات

• توفير الدعم للدول النامية في تنفيذ برامج الوقاية

• مراقبة انتشار المرض وتحليل البيانات العالمية

وتسعى هذه المنظمات بالتعاون مع الحكومات إلى القضاء على انتقال الفيروس كتهديد للصحة العامة بحلول عام 2030، عبر نهج “90-90-90″، والذي يهدف إلى:

عاشراً: تطوير اللقاحات والمستقبل الواعد للوقاية

على الرغم من أن لقاحاً فعالاً للإيدز لم يتم اعتماده حتى الآن، إلا أن الأبحاث المستمرة قد أحرزت تقدماً في فهم الفيروس وطبيعته. ويأمل العلماء في المستقبل القريب أن تؤدي هذه الجهود إلى إنتاج لقاح وقائي فعّال يغيّر خارطة المعركة ضد المرض بشكل جذري.

المراجع:

1. World Health Organization. “HIV/AIDS Factsheets.” https://www.who.int

2. UNAIDS. “Global HIV & AIDS statistics — 2023 fact sheet.” https://www.unaids.org