الكثافة السكانية

عدد سكان الصين 2024

عدد سكان الصين

تُعدّ الصين واحدة من أكثر الدول تأثيرًا على الساحة العالمية، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الديمغرافية، حيث تحتل موقعًا مميزًا في النظام العالمي، مستندة إلى تاريخ حضاري طويل، وقوة بشرية هائلة، جعلت منها الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان على مدار عقود. يشكل عدد السكان في الصين عاملًا مركزيًا لفهم تطورها التاريخي، وأثرها العالمي، وتحدياتها الداخلية، وقدراتها المستقبلية. إن دراسة عدد سكان الصين لا تقتصر على رقم إحصائي بحت، بل تمثل مدخلًا حيويًا لفهم التفاعلات بين السياسة والاقتصاد والبيئة والمجتمع في أكبر دولة من حيث عدد السكان (حتى وقت قريب).


عدد السكان الإجمالي في الصين

اعتبارًا من عام 2024، يُقدّر عدد سكان الصين بحوالي 1.409 مليار نسمة، وفقًا لأحدث بيانات الهيئة الوطنية للإحصاء الصينية (National Bureau of Statistics of China) والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة. إلا أن هذا الرقم يمثل بداية تحول ديمغرافي لافت، إذ بدأت الصين تشهد انكماشًا طفيفًا في النمو السكاني بعد عقود من التزايد المتواصل، وهو ما أطلق عليه الخبراء اسم “الانعطافة الديموغرافية الكبرى”.


تطور عدد السكان في الصين تاريخيًا

يُظهر الجدول التالي أبرز المحطات في نمو عدد السكان في الصين خلال القرون الماضية:

السنة عدد السكان التقديري (مليون) الملاحظات
1750 225 ارتفاع تدريجي في عهد سلالة تشينغ
1850 430 تضاعف سريع رغم الأزمات السياسية
1950 554 بداية حكم جمهورية الصين الشعبية
1980 987 بداية تطبيق سياسة الطفل الواحد
2000 1,267 تراجع معدل النمو السنوي
2010 1,341 نهاية طفرة المواليد في التسعينيات
2020 1,412 قمة النمو السكاني
2024 1,409 بداية الانخفاض الديمغرافي

السياسات السكانية وأثرها على عدد السكان

سياسة الطفل الواحد (1979 – 2015)

في محاولة للحد من الانفجار السكاني، تبنّت الحكومة الصينية سياسة الطفل الواحد في عام 1979، التي نصّت على أنه لا يجوز للأسرة الواحدة إنجاب أكثر من طفل واحد في المدن، مع بعض الاستثناءات في الأرياف أو للأقليات القومية. أسهمت هذه السياسة في إبطاء معدل النمو السكاني، لكنها أدّت أيضًا إلى نتائج اجتماعية سلبية مثل شيخوخة السكان، واختلال النسبة بين الذكور والإناث، وارتفاع معدلات الإجهاض الانتقائي.

سياسة الطفلين (2016) وثلاثة أطفال (2021)

استجابة للمخاوف المتزايدة بشأن الشيخوخة وانخفاض القوة العاملة، أعلنت الصين في عام 2016 إلغاء سياسة الطفل الواحد واستبدالها بسياسة الطفلين، ثم في عام 2021 سمحت بإنجاب ثلاثة أطفال لكل زوجين. لكن هذه التغييرات لم تؤدِ إلى ارتفاع كبير في معدلات الولادة، ما يدل على تحول سلوكي في المجتمع الصيني، إذ يفضل الكثير من الأزواج الصينيين اليوم عدم إنجاب أكثر من طفل واحد لأسباب اقتصادية واجتماعية.


التوزيع الجغرافي للسكان في الصين

رغم المساحة الشاسعة التي تبلغ حوالي 9.6 مليون كيلومتر مربع، إلا أن الكثافة السكانية في الصين موزعة بشكل غير متساوٍ. تتركز الغالبية العظمى من السكان في الأقاليم الشرقية والجنوبية الشرقية، في حين تبقى المناطق الغربية مثل التبت وشينجيانغ قليلة السكان.

أكثر المقاطعات اكتظاظًا بالسكان:

  • قوانغدونغ (Guangdong): حوالي 127 مليون نسمة.

  • شاندونغ (Shandong): حوالي 102 مليون نسمة.

  • خنان (Henan): حوالي 99 مليون نسمة.

  • سيتشوان (Sichuan): حوالي 84 مليون نسمة.

  • جيانغسو (Jiangsu): حوالي 85 مليون نسمة.

المدن الكبرى:

  • شنغهاي (Shanghai): حوالي 25 مليون نسمة – أكبر مدينة من حيث عدد السكان.

  • بكين (Beijing): حوالي 21 مليون نسمة – العاصمة السياسية والثقافية.

  • تشونغتشينغ (Chongqing): أكثر من 30 مليون في البلدية كاملة، مع تباين في تقديرات المنطقة الحضرية.

  • شينزن (Shenzhen): حوالي 17 مليون نسمة – المركز التكنولوجي الأكبر في الصين.

  • غوانزو (Guangzhou): حوالي 18 مليون نسمة – مركز تجاري مهم في الجنوب.


التركيبة السكانية: العمر والجنس

تشير البيانات السكانية إلى أن الصين تشهد مرحلة انتقالية على مستوى الهرم السكاني:

  • معدل الشيخوخة: ما يزيد عن 18% من السكان يتجاوزون سن الـ60، وهي نسبة تتزايد سنويًا.

  • معدل الخصوبة: تراجع إلى ما دون 1.2 طفل لكل امرأة في بعض المدن الكبرى.

  • الاختلال بين الجنسين: ما زال هناك فائض في عدد الذكور مقارنة بالإناث، حيث يوجد حوالي 105 ذكور لكل 100 أنثى نتيجة ممارسات التفضيل الذكوري في العقود الماضية.


التحديات المستقبلية المرتبطة بعدد السكان

شيخوخة السكان

مع تقدم متوسط العمر وارتفاع نسبة كبار السن، تواجه الصين تحديًا ضخمًا في قطاع الرعاية الصحية، والتقاعد، والخدمات الاجتماعية. تشير التوقعات إلى أن نسبة السكان فوق سن 65 قد تصل إلى 30% بحلول عام 2050.

نقص اليد العاملة

بسبب انخفاض معدلات الولادة، بدأت بعض المناطق الصناعية تعاني من نقص في العمالة الشابة، ما قد يهدد النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

الهجرة الداخلية والخارجية

شهدت الصين خلال العقود الأخيرة موجات هائلة من الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن، مما أدى إلى توسع حضري غير مسبوق. كما بدأت تظهر توجهات لدى النخب الشابة للهجرة إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل في التعليم والعمل.


التحولات الثقافية وتأثيرها على النمو السكاني

تغير نمط الحياة لدى الشباب الصيني، حيث أصبحت الأولويات متمثلة في التطور المهني، والاستقلال المالي، وجودة الحياة، مما جعل الزواج والإنجاب في مرتبة متأخرة. كما ساهمت تكلفة المعيشة المرتفعة، خاصة في المدن الكبرى، في العزوف عن إنجاب الأطفال.

تُظهر استطلاعات الرأي أن العديد من الأزواج لا ينوون إنجاب أكثر من طفل واحد، حتى مع توفر الحوافز الحكومية، مما يعكس تحولًا ثقافيًا عميقًا سيؤثر على التوازن السكاني في المستقبل.


التوقعات السكانية المستقبلية

وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، من المتوقع أن تستمر الصين في فقدان موقعها كأكثر دولة سكانًا في العالم لصالح الهند، التي تجاوزتها فعليًا في عام 2023. وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان الصين قد ينخفض إلى ما دون 1.3 مليار بحلول عام 2050، وقد يصل إلى أقل من 800 مليون بنهاية القرن، إذا استمرت معدلات الخصوبة المنخفضة.


أثر التغير السكاني على الاقتصاد الصيني

يتداخل الوضع الديمغرافي مع الاقتصاد بشكل وثيق:

  • تراجع الاستهلاك المحلي: انخفاض عدد الشباب يؤدي إلى تراجع الطلب على السلع الاستهلاكية.

  • زيادة تكاليف التأمين الصحي: بسبب شيخوخة السكان.

  • ارتفاع تكلفة العمالة: مما يدفع الشركات إلى الأتمتة أو نقل الإنتاج إلى دول أخرى.

  • تحديات في قطاع التعليم: حيث ستضطر الصين إلى إعادة هيكلة النظام التعليمي ليتناسب مع التركيبة الجديدة للسكان.


جهود الحكومة الصينية لمعالجة الأزمة السكانية

أطلقت الحكومة الصينية عدة مبادرات لتحفيز الولادة، منها:

  • تقديم إعانات مالية للأسر التي تنجب أكثر من طفل.

  • تمديد إجازات الأمومة والأبوة.

  • دعم برامج رعاية الأطفال.

  • تخفيض تكاليف التعليم والرعاية الصحية.

لكن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة بعد، بسبب التغيرات الثقافية والاقتصادية العميقة التي يصعب عكسها بسهولة.


الخلاصة

يمثل عدد سكان الصين متغيرًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في رسم ملامح مستقبل الدولة وموقعها العالمي. من كونه مصدر قوة اقتصادية وبشرية، أصبح اليوم تحديًا وجوديًا يتطلب حلولًا بعيدة المدى. فتراجع معدلات الخصوبة، والشيخوخة السريعة، واختلال التوزيع السكاني، كلها عوامل تضغط على البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة. إن الصين، التي لطالما كانت رمزًا للكثافة السكانية والتوسع الديمغرافي، تقف اليوم أمام مرحلة جديدة تتطلب سياسات أكثر مرونة وإبداعًا للحفاظ على توازنها الداخلي ودورها العالمي.


المراجع

  1. National Bureau of Statistics of China – www.stats.gov.cn

  2. United Nations, World Population Prospects 2024 – population.un.org