التهاب الأمعاء عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج

يُعد التهاب الأمعاء عند الأطفال من المشكلات الصحية الشائعة التي تؤثر بشكل كبير على صحة الطفل العامة ونموه الجسدي والنفسي، ويُعرف هذا الاضطراب بأنه التهاب يصيب بطانة الأمعاء الدقيقة أو الغليظة، أو كليهما، ويؤدي إلى أعراض متفاوتة تشمل الإسهال، والحمى، وآلام البطن، والتقيؤ، وفقدان الشهية، وغيرها من العلامات التي تختلف حسب نوع الالتهاب وسببه. تتنوع الأسباب بين العدوى الفيروسية والبكتيرية والطفيليات، وكذلك الأسباب غير المعدية مثل الأمراض المناعية أو التأثيرات الجانبية لبعض الأدوية.

يُعد فهم طبيعة هذا المرض، وطرق تشخيصه، وخيارات علاجه، والتدابير الوقائية المرتبطة به، أمراً أساسياً للحد من انتشاره وتخفيف معاناة الأطفال. ويكتسب المقال أهمية خاصة كونه يتناول موضوعاً له آثار صحية ومجتمعية عميقة، حيث يُسهم في توعية الأهل ومقدمي الرعاية الصحية بالممارسات السليمة للتعامل مع هذه الحالة.

تعريف التهاب الأمعاء

يشير التهاب الأمعاء إلى حدوث التهاب في بطانة الأمعاء، وقد يصيب هذا الالتهاب الأمعاء الدقيقة (فيُعرف بالتهاب الأمعاء الدقيقة) أو الأمعاء الغليظة (فيُعرف بالتهاب القولون)، أو قد يكون التهاباً مشتركاً يُعرف بالتهاب المعدة والأمعاء عندما يمتد من المعدة إلى الأمعاء. عند الأطفال، تُعد هذه الحالات من أكثر أسباب مراجعة أقسام الطوارئ شيوعاً، خاصة في فصل الصيف، حيث تزداد فرص العدوى بسبب تكاثر الكائنات الدقيقة في البيئة.

أنواع التهاب الأمعاء عند الأطفال

يمكن تصنيف التهاب الأمعاء عند الأطفال وفقاً لعدة معايير:

أولاً: حسب المسبب

1. التهاب الأمعاء الفيروسي

   • المسبب الأكثر شيوعاً، خاصة الفيروس العجلي (Rotavirus) والنوروفيروس (Norovirus).

   • ينتقل عبر التلامس المباشر أو المياه والأطعمة الملوثة.

   • يتميز ببداية مفاجئة تشمل الحمى، الإسهال المائي، والقيء.

2. التهاب الأمعاء البكتيري

   • يشمل سلالات مثل Salmonella، Shigella، Escherichia coli (خاصة E. coli O157:H7).

   • يظهر عادة بإسهال دموي وحمى شديدة.

   • قد يتطلب علاجاً بالمضادات الحيوية في بعض الحالات.

3. التهاب الأمعاء الطفيلي

   • ينتج عن طفيليات مثل Giardia lamblia وEntamoeba histolytica.

   • يستمر لفترة أطول ويتميز بإسهال مزمن وانتفاخات معوية.

ثانياً: حسب طبيعة الالتهاب

1. التهاب الأمعاء الحاد

   • يستمر لفترة قصيرة (أقل من 14 يوماً).

   • غالباً ما يكون بسبب عدوى.

   • يستجيب بشكل جيد للعلاج العرضي.

2. التهاب الأمعاء المزمن

   • يستمر أكثر من 14 يوماً.

   • قد يكون ناتجاً عن أمراض مزمنة مثل مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي.

الأسباب المؤدية لالتهاب الأمعاء عند الأطفال

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى التهاب الأمعاء عند الأطفال، ويمكن تلخيصها في الفئات التالية:

• العدوى
  
  تشكل السبب الرئيسي، وتشمل الفيروسات والبكتيريا والطفيليات.

• الحساسية الغذائية
  
  مثل التحسس من بروتين الحليب البقري أو الغلوتين.

• الأدوية
  
  مثل المضادات الحيوية التي تخل بتوازن البكتيريا النافعة في الأمعاء.

• أمراض المناعة الذاتية
  
  مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، وهي أمراض تهاجم فيها المناعة خلايا الجسم الذاتية.

• سوء النظافة والتعرض لبيئة ملوثة
  
  من أبرز الأسباب في الدول النامية، حيث تلعب المياه الملوثة والأطعمة غير المحفوظة جيداً دوراً كبيراً في نقل العدوى.

الأعراض السريرية لالتهاب الأمعاء عند الأطفال

تعتمد الأعراض على نوع المسبب ومكان الالتهاب، ولكن أكثر الأعراض شيوعاً تشمل:

• الإسهال: مائي أو دموي حسب نوع الالتهاب.

• القيء: أكثر شيوعاً في الالتهابات الفيروسية.

• الحمى: قد تكون معتدلة أو مرتفعة.

• آلام البطن: خاصة في منطقة السرة أو الجهة السفلية من البطن.

• فقدان الشهية وصعوبة في الرضاعة أو الأكل.

• الجفاف: نتيجة فقدان السوائل، ويُعد من أخطر مضاعفات المرض.

• الضعف العام والخمول: نتيجة نقص الطاقة والسوائل.

مضاعفات محتملة لالتهاب الأمعاء عند الأطفال

قد يؤدي عدم علاج التهاب الأمعاء بشكل مناسب إلى عدد من المضاعفات الخطيرة، ومنها:

• الجفاف الشديد
  
  ويظهر من خلال جفاف الفم، قلة التبول، فقدان الجلد لمرونته، وانخفاض مستوى الوعي.

• سوء التغذية
  
  بسبب ضعف الامتصاص المستمر وفقدان الشهية.

• فشل النمو
  
  في الحالات المزمنة، قد يُؤثر على نمو الطفل العقلي والجسدي.

• متلازمة انحلال الدم اليوريمية
  
  خاصة في حالات العدوى بـ E. coli O157:H7، وتسبب فشلاً كلوياً حاداً.

• التهاب المفاصل أو الجلد المرتبط بالمناعة
  
  في بعض الحالات المزمنة مثل مرض كرون.

تشخيص التهاب الأمعاء عند الأطفال

يعتمد التشخيص على الفحص السريري وتاريخ الأعراض، ويُعزز بإجراء فحوص مخبرية لتحديد المسبب. تشمل الفحوصات:

• تحليل البراز
  
  للكشف عن الدم، الكريات البيضاء، الطفيليات، أو الجراثيم.

• زراعة البراز
  
  لتحديد نوع البكتيريا.

• اختبارات الفيروسات السريعة
  
  مثل اختبار فيروس الروتا.

• فحوص الدم
  
  لتقييم نسبة الكريات البيضاء، مؤشرات الالتهاب، وأحياناً فحص الكرياتينين إذا كان هناك شك في الجفاف أو الفشل الكلوي.

• تنظير القولون أو الأشعة
  
  في الحالات المزمنة أو المعقدة.

العلاج

1. العلاج الداعم

• الإماهة
  
  الركيزة الأساسية للعلاج، سواء بإعطاء محلول الإماهة الفموية أو عبر الوريد في حالات الجفاف الشديد.

• التغذية المناسبة
  
  يُنصح بمواصلة الرضاعة الطبيعية أو النظام الغذائي المعتاد مع بعض التعديلات مثل تقليل الألياف والدهون.

• الأدوية المخففة للأعراض
  
  مثل خافضات الحرارة (الباراسيتامول) ومضادات القيء عند الحاجة.

2. العلاج الموجه

• المضادات الحيوية
  
  تُستخدم فقط في حالات الالتهاب البكتيري الشديد أو المثبت مخبرياً، مثل Shigella أو Campylobacter.

• الأدوية المضادة للطفيليات
  
  مثل ميترونيدازول لعلاج Giardia أو Entamoeba.

• مثبطات المناعة أو الستيرويدات
  
  في حالات الالتهاب المزمن المرتبط بأمراض المناعة الذاتية.

التدابير الوقائية

• التطعيم ضد فيروس الروتا
  
  أثبت فعاليته في تقليل حالات الإسهال الحاد عند الرضع.

• غسل اليدين بانتظام
  
  خاصة بعد استخدام الحمام وقبل تناول الطعام.

• تعقيم المياه
  
  وغليها في المناطق التي تفتقر للمياه النقية.

• التخزين الآمن للأطعمة
  
  والامتناع عن تناول الأطعمة المكشوفة.

• الرضاعة الطبيعية
  
  تُعزز مناعة الطفل وتقلل فرص الإصابة.

الجدول التالي يوضح الفرق بين أهم أنواع التهاب الأمعاء من حيث الأسباب، الأعراض، والعلاج:

أهمية الرعاية الصحية المنزلية والتدخل المبكر

الرعاية المنزلية تلعب دوراً محورياً في تحسن حالة الطفل، فبالإضافة إلى العلاج الطبي، ينبغي مراقبة الطفل عن كثب للتأكد من تجنب الجفاف، والالتزام بالتغذية المناسبة، وتوفير الراحة والدفء له. كما أن مراجعة الطبيب عند ظهور أعراض مستمرة أو متفاقمة أمر ضروري لتفادي المضاعفات.

الخلاصة

إن التهاب الأمعاء عند الأطفال حالة صحية لا ينبغي التهاون بها، نظرًا لتأثيرها المباشر على النمو والتطور، ولإمكانية حدوث مضاعفات تهدد الحياة في حال الإهمال. تتطلب هذه الحالة تشخيصاً دقيقاً وتدخلاً مبكراً يشمل العلاج الداعم والموجه، إلى جانب التثقيف الوقائي الذي يعزز من قدرة العائلات على حماية أطفالهم. وبالنظر إلى العبء الصحي والاجتماعي المرتبط بهذا المرض، فإن تبني استراتيجيات وقائية على مستوى المجتمع، مثل حملات التوعية وتوفير لقاحات فعالة وتحسين شبكات الصرف الصحي والمياه، يُعد من الخطوات الأساسية في مكافحة انتشار التهاب الأمعاء عند الأطفال.

المصادر

1. World Health Organization. “Diarrhoeal disease.” WHO, 2023.

2. Centers for Disease Control and Prevention. “Global Diarrhea Burden.” CDC, 2024.