التغيرات الجيولوجية في الطباشيري

التغيرات الجيولوجية في العصر الطباشيري

يعتبر العصر الطباشيري (Cretaceous) أحد الفترات الزمنية التي شهدت تحولات جيولوجية وبيئية هائلة أثرت على تطور الحياة على كوكب الأرض. امتد هذا العصر من حوالي 145 مليون سنة إلى 66 مليون سنة مضت، ويعد الجزء الأخير من العصور الثلاثة التي تشكل العصر الوسيط (Mesozoic Era)، والذي ضم أيضاً العصر الترياسي والعصر الجوراسي. ويُعد العصر الطباشيري فترة حرجة في تاريخ الأرض، حيث شهدت خلالها الكثير من التغيرات في صفات القشرة الأرضية، توزيع المحيطات واليابسات، إضافة إلى تنوع الحياة البيئية.

1. التقسيمات الزمنية للعصر الطباشيري

ينقسم العصر الطباشيري إلى قسمين رئيسيين هما:

• الطابق الأدرياتيكي (Early Cretaceous): الذي يمتد من 145 إلى 100 مليون سنة.

• الطابق المتأخر (Late Cretaceous): الذي يمتد من 100 إلى 66 مليون سنة.

في كل من هذه الفترات، حدثت تغييرات بيئية وجيولوجية هامة ساهمت في تشكيل معالم الأرض كما نعرفها اليوم.

2. التغيرات الجيولوجية الكبرى

شهد العصر الطباشيري العديد من التغيرات الجيولوجية الهامة التي كان لها تأثير طويل المدى على سطح الأرض. أهم هذه التغيرات:

أ. التكتونيات القارية

خلال العصر الطباشيري، استمر انتشار القارات على سطح الأرض نتيجة لعملية تكتونية الصفائح. كانت القارات ما تزال تتحرك بعيداً عن بعضها البعض، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في شكل المحيطات والبحار.

1. انفصال قارة غوندوانا:
   كانت قارة غوندوانا العملاقة في بداية العصر الطباشيري قد بدأت في الانقسام إلى قارات أصغر. هذا الانقسام أدى إلى تشكل القارات الجنوبية التي تشمل اليوم أمريكا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا. كما أدت هذه العملية إلى تفكك الهند عن القارة القطبية الجنوبية.

2. توزيع القارات:
   القارات كانت في حالة حركة متسارعة خلال هذه الفترة، حيث بدأ المحيط الأطلسي في التوسع. كما كان المحيط الهادئ في حالة انفتاح مستمر. وهذا التوسع القاري ساعد في تشكيل البحار الداخلية والمحيطات الضحلة، مما أثر على الأنظمة البيئية البحرية.

3. ارتفاع مستوى سطح البحر:
   في نهاية العصر الطباشيري، وصل مستوى سطح البحر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث غمرت المحيطات مساحات شاسعة من اليابسة. هذا التغير في مستوى البحر أثر بشكل كبير على الحياة البرية والبحرية، وأدى إلى تنوع بيئي ملحوظ.

ب. النشاط البركاني والزلازل

ترافق النشاط التكتوني في العصر الطباشيري مع زيادات في النشاط البركاني. البركان كان يلعب دوراً مهماً في تشكيل التضاريس، خاصة في المناطق التي تشهد تصدعات أو مناطق فاصلة بين الصفائح التكتونية. هذا النشاط البركاني أدى إلى تكوين سلاسل جبلية جديدة وتغيرات في خصائص بعض الأراضي.

تسبب النشاط الزلزالي الكبير في تحولات سريعة في بعض المناطق، حيث نشأت سلاسل جبلية جديدة مثل جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية. وكان لهذا التأثير الكبير على توزيع البيئات والمناطق الحيوية.

ج. التغيرات في المناخ

كان المناخ في العصر الطباشيري دافئًا بشكل عام مقارنة مع العصور التي قبله. ساهم هذا المناخ الدافئ في زيادة المساحات الخضراء، خاصة في المناطق القطبية التي كانت تحتفظ بمناخ دافئ يسمح بوجود النباتات والحيوانات. كما أدت زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى احترار عام في الأرض، مما ساعد على نمو النباتات الاستوائية في مناطق غير استوائية.

3. التطورات البيئية والأنظمة البيئية

كان العصر الطباشيري نقطة تحوّل حاسمة بالنسبة لتطور الحياة على كوكب الأرض. شهدت البيئة البحرية والبرية تحولات كبيرة أدت إلى ظهور أنواع جديدة من الكائنات الحية وتوسع في التنوع البيولوجي.

أ. الحياة البحرية

شهدت البحار والمحيطات في العصر الطباشيري ازدهارًا كبيرًا في الكائنات البحرية. كانت الأنواع البحرية مثل الأسماك، الرخويات، والشعاب المرجانية قد تطورت بشكل ملحوظ. كما ظهرت أنواع جديدة من الزواحف البحرية مثل الأسماك القرش والعظاءات البحرية (الـPlesiosaurs).

علاوة على ذلك، حدث تطور كبير في أنواع الديدان والبرمائيات البحرية التي كان لها دور كبير في دورة المغذيات داخل المحيطات.

ب. الحياة البرية

في البر، كانت الديناصورات تسود بشكل مطلق في عصر الطباشيري. شهد العصر ظهور العديد من الديناصورات مثل التي رانوصور والترودون والسوروبودا، إضافة إلى تطور الديناصورات الطائرة مثل البيسيبترابا. خلال هذا العصر، تطورت الأنظمة البيئية بشكل كبير لتشمل الغابات الاستوائية والمروج الواسعة.

من ناحية أخرى، كانت بداية ظهور الزهور والنباتات المزهرة، مما شكل طفرة في تنوع النباتات في هذا العصر.

4. النهاية الجماعية للعصر الطباشيري

شهد العصر الطباشيري نهاية مروعة مع حدث انقراض جماعي عظيم. في نهاية هذا العصر، حوالي 66 مليون سنة مضت، حدثت الاصطدامات الكبرى مع الأجرام السماوية مثل الكويكبات أو النيازك، مما أدى إلى انقراض نحو 75% من الحياة على الأرض، بما في ذلك الديناصورات.

قد تكون هذه الاصطدامات قد تسببت في تغييرات هائلة في مناخ الأرض، حيث أدت إلى تبريد مفاجئ وانخفاض في درجات الحرارة. هذا التغير السريع في المناخ، بالإضافة إلى الحرائق الناتجة عن الاصطدامات، أثر بشكل كبير على البيئة والأنظمة البيئية.

5. تأثير التغيرات الجيولوجية على الحياة في العصر الطباشيري

التغيرات الجيولوجية في العصر الطباشيري كانت تمثل فترة من التحولات العميقة في الكوكب، حيث ساعدت هذه التغيرات على تغيير شكل وتوزيع الحياة على الأرض. كانت هذه التغيرات بمثابة مرحلة انتقالية بين عصور ما قبل التاريخ والعصور الحديثة، وكانت بداية لظهور أنواع جديدة من الحياة.

لقد سمحت بيئات العصر الطباشيري بظهور أنظمة بيئية متنوعة تضم أنواعًا حيوانية ونباتية كانت في السابق غير معروفة، مما أثر بشكل مباشر على التوازن البيئي والحياة على سطح الأرض.

6. الخاتمة

يعد العصر الطباشيري فترة مليئة بالتغيرات الجيولوجية الهائلة التي ألعبت دورًا حاسمًا في تشكيل سطح الأرض وتوزيع الحياة البيئية. من النشاط التكتوني والبركاني إلى التغيرات المناخية والتنوع البيولوجي، شكل العصر الطباشيري فصلاً محوريًا في تاريخ الأرض، حيث مهد لظهور أنماط حياتية جديدة وعلى رأسها الديناصورات. كما أن تأثير هذا العصر يمتد حتى العصر الحديث، حيث شكلت التغيرات التي حدثت فيه الأساس لتطور كوكب الأرض إلى ما هو عليه اليوم.