أسباب السرقة عند الأطفال وطرق علاجها

تُعدّ السرقة عند الأطفال من السلوكيات التي تثير قلق الأهل والمعلمين، لما تنطوي عليه من دلالات نفسية وسلوكية تتطلب فهماً عميقاً للتعامل معها بطريقة صحيحة وفعالة. هذا السلوك لا يجب النظر إليه على أنه جرم بقدر ما هو مؤشر على خلل ما في البيئة التي يعيش فيها الطفل أو في حاجاته النفسية والاجتماعية. فهم الأسباب التي تدفع الطفل للسرقة يُعد الخطوة الأولى لعلاجها بصورة سليمة. المقال التالي يستعرض بتفصيل الأسباب المحتملة لسلوك السرقة عند الأطفال، وطرق علاجها، إلى جانب الجوانب النفسية والاجتماعية المرتبطة بها، مدعوماً بأحدث الأبحاث العلمية.

تعريف السرقة عند الأطفال

السرقة عند الأطفال تُعرف على أنها قيام الطفل بأخذ شيء لا يملكه دون إذن أو تصريح من مالكه، مع إدراك أو عدم إدراك لمفهوم الملكية. تتفاوت هذه الظاهرة في الدوافع والأشكال بحسب العمر والنضج العقلي والنفسي للطفل. وفي الأعمار الصغيرة، لا يكون هذا الفعل دائماً مرتبطاً بسوء نية، إذ أن الأطفال دون سن الخامسة مثلاً لا يفهمون بالكامل مفهوم “الملكية” كما يفهمه الكبار.

الفروقات العمرية في فهم مفهوم الملكية

الأسباب النفسية والاجتماعية لسلوك السرقة عند الأطفال

1. الحرمان العاطفي أو المادي

يُعدّ من أهم الأسباب التي تدفع الطفل إلى السرقة. فالطفل المحروم من الحنان أو العاطفة قد يلجأ إلى سرقة أشياء تُمثّل له تعويضاً عاطفياً، سواء كانت أشياء مادية أو ذات قيمة رمزية، كألعاب الأصدقاء أو أدوات زملائه في المدرسة.

2. الغيرة والتنافس

حين يشعر الطفل بغيرة من أشقائه أو زملائه بسبب امتلاكهم أشياء لا يملكها، قد يلجأ إلى السرقة كوسيلة لإشباع شعوره بالنقص أو للمنافسة غير السوية.

3. التقليد والمحاكاة

قد يقلّد الطفل سلوك الكبار إذا شاهد أحد الوالدين أو أحد أفراد العائلة يمارس السرقة أو يتهاون في احترام ممتلكات الآخرين. كذلك، يمكن أن يقتبس هذا السلوك من مشاهد تلفزيونية أو ألعاب فيديو تحتوي على رسائل غير تربوية.

4. ضعف الرقابة الأبوية

الطفل الذي لا يخضع لرقابة أو متابعة سلوكه من قبل الأهل يكون أكثر عرضة لاكتساب سلوكيات غير مرغوبة، منها السرقة، خصوصاً إذا غابت حدود واضحة لما هو مقبول وغير مقبول.

5. الحاجة لإثبات الذات

بعض الأطفال يسرقون من أجل إثبات أنفسهم أمام أصدقائهم، كأن يسرق شيئاً ليقدّمه هدية لصديق، أو يسرق ليبدو قوياً أو غنياً في نظر الآخرين.

6. الاضطرابات النفسية والسلوكية

تُعد السرقة المتكررة والمقصودة من علامات بعض الاضطرابات النفسية مثل اضطراب السلوك أو اضطراب التحدي والتمرد، وقد ترتبط كذلك باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).

أنواع السرقة حسب الدوافع

المؤشرات التي تستدعي القلق والتدخل العلاجي

• تكرار السرقات رغم التوجيه والنصح.

• السرقة من أفراد العائلة المقربين بشكل سري.

• وجود كذب مصاحب للسلوك.

• إنكار مستمر وتحجج واهٍ.

• السرقة من أجل التخريب أو إيذاء الآخرين.

• السرقة كمصدر للمتعة أو التسلية المستمرة.

• ظهور أعراض أخرى مثل العنف، العصبية، أو الكذب المرضي.

عند ملاحظة هذه المؤشرات، من الضروري التوجه إلى أخصائي نفسي أو تربوي لتشخيص الحالة ووضع خطة علاجية مناسبة.

طرق علاج السرقة عند الأطفال

1. تعزيز مفهوم الملكية

ينبغي تعليم الطفل بشكل عملي ومباشر ما معنى “هذا لي” و”هذا ليس لي”، مع تدريبهم على احترام ممتلكات الغير من خلال المواقف اليومية، كالاهتمام بأدواته المدرسية وعدم أخذ أدوات الآخرين دون إذن.

2. التربية القائمة على الحب والاحترام

العقاب القاسي والضرب لا يفيدان في مثل هذه الحالات، بل قد يدفعان الطفل للكذب والتمادي. الأجدى هو استخدام الحوار والتوجيه وتوفير بيئة آمنة وداعمة تساعد الطفل على الاعتراف بخطئه وتصحيحه.

3. تشجيع الطفل على الاعتراف وإعادة المسروق

يجب توجيه الطفل بلطف لإعادة ما سرقه، مع الاعتذار إذا أمكن، دون إهانته أو فضحه أمام الآخرين. هذا السلوك يُعلّمه تحمّل المسؤولية بطريقة غير مؤذية لنفسيته.

4. مراقبة مصادر التأثير

يجب التأكد من نوعية البرامج التي يشاهدها الطفل، والألعاب التي يمارسها، والأصدقاء الذين يتفاعل معهم. البيئة المحيطة تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل سلوكياته.

5. إشباع حاجاته النفسية والمادية

يجب التأكد من أن الطفل لا يشعر بالنقص أو الحرمان سواء العاطفي أو المادي. التقدير، الاحتواء، والاهتمام المتوازن تسهم في بناء شخصية مستقرة لا تحتاج إلى السرقة كتعويض.

6. الاستعانة بالاختصاصيين عند الحاجة

إذا تكررت السرقات أو كانت مصحوبة بسلوكيات مقلقة أخرى، ينبغي اللجوء إلى استشاري نفسي أطفال مختص لتقديم تدخلات علاجية وسلوكية مناسبة.

دور الأسرة في الوقاية والعلاج

تُعتبر الأسرة العنصر الأساسي في غرس القيم الأخلاقية والسلوكية لدى الأطفال، ولها دور محوري في الوقاية من السلوكيات المنحرفة مثل السرقة. ومن الأساليب التربوية الفعّالة:

• القدوة الحسنة: يجب أن يكون الأهل قدوة في احترام ممتلكات الغير.

• تنظيم الحوافز: كافئ الطفل عندما يتصرف بأمانة.

• عدم التهاون: لا يجب تجاهل السرقة حتى لو كانت بسيطة.

• بناء الحوار: فتح قنوات تواصل حقيقية مع الطفل لمعرفة دوافعه وتوجيهه.

دور المدرسة في ضبط سلوك السرقة

المدرسة لا تقل أهمية عن الأسرة في هذا الجانب. المعلمون والمرشدون التربويون يمكنهم:

• مراقبة سلوكيات الطلبة داخل الصفوف.

• استخدام أساليب تعليمية لغرس القيم.

• إشراك الطلبة في أنشطة تعزز التعاون والأمانة.

• إحالة الحالات المتكررة إلى المرشد النفسي.

تأثير السرقة على تطور شخصية الطفل

إذا لم يتم التعامل مع سلوك السرقة بالشكل السليم، قد يؤدي ذلك إلى انحرافات أخلاقية أعمق في المستقبل، مثل:

• فقدان الثقة بالنفس نتيجة الشعور بالذنب أو العقاب القاسي.

• تطوير شخصية اعتمادية تتعود على أخذ ما ليس لها.

• الميل إلى الكذب والتهرب من المسؤولية.

• الميل إلى العزلة الاجتماعية إذا كُشف أمره وتم تعنيفه.

أما إذا تم التدخل في الوقت المناسب باستخدام أساليب إيجابية، يمكن للطفل أن يتجاوز هذا السلوك، بل ويكتسب قيماً جديدة كالصدق وتحمل المسؤولية والانضباط.

الخلاصة

السلوك السارق عند الأطفال لا يجب اعتباره انحرافاً جنائياً بقدر ما هو عرض لس