3 استراتيجيات لإعطاء أفضل تغذية راجعة

في عالم العمل والتطوير الشخصي، تُعتبر التغذية الراجعة من الأدوات الأساسية التي تساعد على تحسين الأداء وتعزيز القدرات. ومع ذلك، فإن إعطاء تغذية راجعة فعّالة ليست مهمة بسيطة، فهي تتطلب مهارات معينة وفهماً دقيقاً للطريقة التي يتلقى بها الآخرون المعلومات. التغذية الراجعة الناجحة ليست مجرد نقل ملاحظات أو انتقادات، بل هي عملية مدروسة تهدف إلى تحفيز الفرد على النمو والتطور بشكل إيجابي. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل ثلاث استراتيجيات رئيسية تُمكّن القائد أو المدير أو المعلم أو أي شخص مهتم بالتطوير من تقديم تغذية راجعة فعالة تعود بالفائدة الحقيقية على المتلقي.

الاستراتيجية الأولى: اعتماد أسلوب التغذية الراجعة البنّاءة (Constructive Feedback)

مفهوم التغذية الراجعة البنّاءة

التغذية الراجعة البنّاءة هي تلك التي تركز على تقديم ملاحظات إيجابية مع ذكر نقاط التحسين بشكل واضح ومحدد، بحيث لا تترك مجالاً للشعور بالإحباط أو الهجوم الشخصي. الهدف من هذا النوع من التغذية هو إظهار تقدير الجهود المبذولة مع تسليط الضوء على الجوانب التي يمكن تطويرها بطريقة تحفز على تحسين الأداء.

عناصر التغذية الراجعة البنّاءة

1. الوضوح والدقة: يجب أن تكون الملاحظات واضحة ومحددة، بعيداً عن العموميات أو التعميمات التي لا تفيد. مثلاً بدلاً من قول “عملك ليس جيداً”، يمكن قول “يمكن تحسين طريقة تنظيم المعلومات في التقرير لجعلها أكثر وضوحاً للقارئ.”

2. التركيز على السلوك وليس الشخصية: من الضروري توجيه الملاحظات إلى السلوك أو العمل وليس إلى صفات شخصية. هذا يساعد المتلقي على فهم أن الملاحظات موجهة لتحسين الأداء وليس مهاجمته كفرد.

3. التوازن بين الإيجابيات والسلبيات: من الأفضل أن يبدأ المتحدث بنقاط إيجابية مما يهيئ المتلقي لتقبل النقاط التي تحتاج إلى تطوير.

أثر التغذية الراجعة البنّاءة

تشجع هذه الطريقة على بناء ثقة بين الطرفين وتدعم بيئة العمل الإيجابية. كما أنها تمنح المتلقي فرصة لرؤية ملاحظات التطوير كخطوات إيجابية للنمو بدلاً من انتقادات سلبية قد تؤدي إلى التوتر أو التراجع.

الاستراتيجية الثانية: استخدام طريقة “ساندويتش التغذية الراجعة” (Feedback Sandwich)

مفهوم طريقة الساندويتش

تُعتبر طريقة الساندويتش من أشهر الطرق المعتمدة في إعطاء التغذية الراجعة، حيث تتلخص في وضع الملاحظات السلبية أو نقاط التحسين بين ملاحظتين إيجابيتين. تشبه هذه الطريقة إعداد ساندويتش حيث يكون “خبز” الساندويتش عبارة عن ملاحظات إيجابية، و”الحشوة” هي الملاحظات النقدية.

خطوات تطبيق طريقة الساندويتش

1. ابدأ بالملاحظة الإيجابية: من المهم فتح الحوار بملاحظة تعكس تقدير الجهد أو نقاط القوة. هذه الخطوة تخفف من وقع النقد وتخلق أجواء من الاحترام.

2. قدم نقطة التحسين بشكل موضوعي: يجب ذكر الملاحظة النقدية بشكل واضح، مع شرح تأثيرها على العمل أو الأداء، مع تقديم أمثلة واقعية إن أمكن.

3. اختم بملاحظة إيجابية أو تشجيعية: في النهاية، يتم تشجيع المتلقي على الاستمرار في تطوير نفسه مع تأكيد الثقة في قدرته على التقدم.

فوائد طريقة الساندويتش

تساعد هذه الطريقة على تلطيف التغذية الراجعة، حيث لا يشعر المتلقي بأنه يتعرض لهجوم مباشر. كما أنها توازن بين التشجيع والنقد، مما يجعل الملاحظات أسهل في الاستيعاب والتطبيق.

النقاط التي يجب الانتباه لها

رغم فعاليتها، يجب الحذر من الإفراط في استخدام هذه الطريقة لأنها قد تفقد مصداقيتها إذا شعر المتلقي أن الملاحظات الإيجابية مجرد ديكور لإخفاء النقد. لذلك يجب أن تكون الملاحظات الإيجابية حقيقية وليست مصطنعة.

الاستراتيجية الثالثة: تفعيل الحوار التفاعلي في التغذية الراجعة

أهمية الحوار في عملية التغذية الراجعة

التغذية الراجعة ليست عملية من طرف واحد، بل يجب أن تكون حواراً ثنائياً بين المقدم والمتلقي. فتح باب الحوار يتيح فهم أعمق لنقاط القوة والضعف من وجهة نظر المتلقي، مما يعزز من فرص تحقيق التغيير المطلوب.

كيفية تطبيق الحوار التفاعلي

1. تشجيع المتلقي على التعبير: بعد تقديم الملاحظات، يجب إعطاء فرصة للمتلقي للتعليق أو طرح أسئلة توضيحية. هذا يزيد من فهمه للملاحظات ويُظهر احترام المقدم لرأيه.

2. الاستماع النشط: يجب على مقدم التغذية الراجعة الانتباه الجيد لما يقوله المتلقي، والتفاعل معه بإيجابية، مع محاولة فهم الأسباب التي قد تفسر بعض التصرفات أو النتائج.

3. وضع خطط تطوير مشتركة: بدلاً من الاكتفاء بذكر المشاكل فقط، يمكن مناقشة الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين الأداء، وتحديد أهداف واقعية قابلة للمتابعة.

أثر الحوار التفاعلي

يعزز هذا الأسلوب من التفاعل الإيجابي بين الأطراف، ويحفز المتلقي على الشعور بالمسؤولية تجاه تطوير نفسه، كما يتيح للمقدم فهم التحديات التي تواجه المتلقي بشكل أفضل.

مقارنة بين الاستراتيجيات وتأثيرها في بيئات مختلفة

لكل من هذه الاستراتيجيات مكانتها وفاعليتها في مواقف مختلفة، ويمكن الجمع بينها لتحقيق أفضل النتائج:

نصائح عامة لتحسين جودة التغذية الراجعة

• التحضير المسبق: يجب أن يتم التفكير مسبقاً في نقاط التغذية الراجعة، وتنظيم الأفكار بحيث تكون واضحة ومترابطة.

• اختيار الوقت المناسب: تقديم التغذية الراجعة في الوقت المناسب، بعد الحدث مباشرة أو في جلسات مخصصة، يزيد من تأثيرها.

• استخدام لغة الجسد بحكمة: التوازن بين الكلمات ولغة الجسد يعزز من مصداقية الرسالة وتأثيرها.

• تجنب العبارات المطلقة: عبارات مثل “دائماً” أو “أبداً” قد تؤدي إلى ردود فعل دفاعية.

• التركيز على النتائج: إبراز كيف أن التغذية الراجعة ستسهم في تحسين الأداء والنتائج العامة.

خلاصة

تقديم تغذية راجعة فعالة هو فن وعلم في الوقت ذاته، يتطلب فهماً عميقاً للطريقة التي تتأثر بها النفس البشرية تجاه النقد والتوجيه. باستخدام استراتيجيات التغذية الراجعة البنّاءة، وطريقة الساندويتش، وتفعيل الحوار التفاعلي، يمكن للقادة والمعلمين والمديرين وغيرهم من أصحاب الأدوار القيادية أن يرفعوا من جودة التواصل ويحفزوا على تطوير القدرات بشكل مستدام. من خلال احترام المتلقي، والاهتمام بالوضوح والموضوعية، والاستعداد للحوار المفتوح، تتحقق بيئة عمل إيجابية تسهم في نمو الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

المراجع:

1. Stone, D., Heen, S., & Patton, B. (2010). Thanks for the Feedback: The Science and Art of Receiving Feedback Well. Penguin Books.

2. London, M. (2003). Job Feedback: Giving, Seeking, and Using Feedback for Performance Improvement. Lawrence Erlbaum Associates.