تعدّ مشكلة الاعتماد المتبادل، أو ما يعرف بالكوديبندنس، واحدة من أبرز القضايا النفسية التي تؤثر على حياة الأفراد بشكل كبير. يقدّم كتاب “Facing Codependence: What It Is, Where It Comes from, How It Sabotages Our Lives” للكتّاب كيث ميلر، أندريا ويلز ميلر، وبيا ميلودي، إطارًا شاملاً لفهم هذه المشكلة وتحديد التفكير والمشاعر والسلوكيات المرتبطة بها، كما يقدّم نهجًا فعّالًا للتعافي منها.
صدر الكتاب في نسخته المنقحة والمحدثة عن دار نشر هاربر & رو في أبريل عام 2003، وحقق نجاحًا كبيرًا ببيع أكثر من 600,000 نسخة. تستعرض بيا ميلودي، وهي إحدى المؤلفين الرئيسيين، خمسة أعراض رئيسية لدى البالغين تدل على الاعتماد المتبادل. تُرجع هذه الأعراض إلى أشكال مختلفة من الإساءة التي يتعرض لها الأفراد في مرحلة الطفولة، سواء كانت عاطفية، روحية، فكرية، جسدية، أو جنسية.
تركز مقاربة ميلودي على فكرة أن الطفل الداخلي المجروح لدى البالغين الذين يعانون من الاعتماد المتبادل يحتاج إلى الشفاء. يُعدّ التعافي من هذا الاعتماد عملية تتطلب التخلص من المشاعر السامة التي تبقت من هذه التجارب المؤلمة في الطفولة. توفر ميلودي إطارًا للتعرف على هذه المشاعر وكيفية التعامل معها بطرق صحية وفعالة.
الأعراض الرئيسية للاعتماد المتبادل
تتضمن الأعراض التي حددتها بيا ميلودي:
- التحكم المفرط: يعاني الأشخاص المعتمدون بشكل متبادل من رغبة مفرطة في التحكم بالآخرين وسلوكياتهم. يعتبر هذا السلوك نتيجة للإحساس بفقدان السيطرة على حياتهم الخاصة.
- الاحتياج المفرط للقبول: يبحث هؤلاء الأفراد دائمًا عن التقدير والقبول من الآخرين، ويشعرون بعدم الرضا عندما لا يحصلون على ذلك.
- الانسحاب العاطفي: يميل الأشخاص الذين يعانون من الاعتماد المتبادل إلى الانسحاب عاطفيًا من علاقاتهم الشخصية بسبب الخوف من الرفض أو الأذى.
- الشعور بالذنب والعار: غالبًا ما يسيطر على هؤلاء الأفراد الشعور بالذنب والعار بسبب تجاربهم الماضية، مما يؤثر سلبًا على تقديرهم لذواتهم.
- الصعوبة في تحديد الحدود الشخصية: يعاني هؤلاء الأشخاص من صعوبة في وضع حدود شخصية صحية، مما يؤدي إلى تعرضهم للاستغلال والإساءة.
أسباب الاعتماد المتبادل
ترى ميلودي أن هذه الأعراض تنبع من تجارب الإساءة المتعددة التي يتعرض لها الأفراد في طفولتهم. فالإساءة العاطفية، على سبيل المثال، قد تؤدي إلى تدمير الثقة بالنفس والشعور بالأمان. بينما الإساءة الجسدية يمكن أن تترك آثارًا عميقة على صورة الذات والقدرة على الشعور بالراحة مع الآخرين.
عملية التعافي
تعتمد عملية التعافي من الاعتماد المتبادل على خطوات متعددة تهدف إلى معالجة الجروح النفسية القديمة والتخلص من المشاعر السلبية المرتبطة بها. تشمل هذه العملية:
- التعرف على المشكلة: يعتبر الاعتراف بوجود مشكلة الخطوة الأولى نحو التعافي. يجب على الفرد أن يكون صريحًا مع نفسه بشأن تأثير الاعتماد المتبادل على حياته.
- استكشاف الجذور: يتطلب التعافي فهم الجذور العميقة للمشكلة، أي التعرف على التجارب الطفولية التي ساهمت في تطوير هذا السلوك.
- معالجة الجروح العاطفية: تشمل هذه الخطوة التعامل مع المشاعر السامة والتجارب المؤلمة من خلال العلاج النفسي أو المشورة.
- تعلم سلوكيات جديدة: يجب على الفرد أن يتعلم سلوكيات جديدة وصحية للتفاعل مع الآخرين ووضع حدود شخصية واضحة.
الخلاصة
يقدّم كتاب “Facing Codependence” رؤية عميقة وشاملة حول مشكلة الاعتماد المتبادل، ويضع إطارًا عمليًا للتعرف على هذه المشكلة والتعامل معها بطرق فعّالة. يعكس نجاح الكتاب وانتشاره الواسع أهمية الموضوع والحاجة الملحة للعديد من الأفراد لفهم سلوكياتهم والعمل على تحسين حياتهم. يعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًا في مجال الصحة النفسية وعلم النفس، ويوفر أدوات قيمة للأشخاص الذين يسعون للتعافي من تجاربهم المؤلمة وتحقيق حياة أكثر توازنًا وسعادة.