زياد بن نحيت: الشاعر السعودي الذي جدد تقاليد الشعر النبطي بروح العصر
في مشهد الشعر النبطي المعاصر، يبرز اسم زياد بن نحيت كواحد من أكثر الشعراء تأثيراً وشهرة في المملكة العربية السعودية والعالم العربي. تمكن هذا الشاعر من أن يجمع بين الأصالة والتجديد، بين التراث الشعري العريق والروح العصرية التي تنسجم مع المتغيرات الثقافية والاجتماعية في الخليج والعالم العربي. ينتمي زياد بن نحيت إلى مدرسة شعرية تنهل من معين البادية، لكنها لا تنغلق على نفسها، بل تتفاعل مع مستجدات الحاضر بلغة راقية وإحساس مرهف وقدرة فائقة على التعبير عن مشاعر الناس وهمومهم وأفراحهم.
يُعرف زياد بن نحيت بأنه شاعر محنك ومثقف، يمتلك قدرة استثنائية على مخاطبة وجدان المتلقي بأسلوب يجمع بين البساطة والعمق، وبين الشفافية والرمزية. في هذا المقال، نسلط الضوء على سيرة هذا الشاعر المتميز، ونستعرض ملامح تجربته الشعرية، وتأثيره في المشهد الثقافي، بالإضافة إلى إنجازاته وأهم المحطات في مسيرته.
النشأة والبدايات
ولد زياد بن نحيت في المملكة العربية السعودية عام 1975، وينتمي إلى قبيلة حرب، وهي من القبائل الكبيرة والمعروفة في شبه الجزيرة العربية، ذات الجذور الضاربة في عمق التاريخ. نشأ زياد في بيئة بدوية تقليدية، تشرب منها حب اللغة والشعر والكرم والفروسية، وهي السمات التي انعكست لاحقاً في شعره ومضامينه. تأثر بوالده اللواء والشاعر حجاب بن نحيت، الذي كان له دور كبير في تشكيل وعيه الشعري، إذ يعتبر من الشعراء المعروفين في الخليج العربي، وصاحب بصمة في مجال الشعر النبطي.
درس زياد في الكلية الحربية وتخرج ضابطاً، ثم التحق بالقوات المسلحة السعودية، وشارك في عدد من المهام الوطنية، قبل أن يقرر التفرغ الكامل للشعر والإعلام، ليبدأ بعدها مرحلة جديدة من حياته المهنية.
الانطلاقة الشعرية
انطلقت المسيرة الشعرية لزياد بن نحيت في بداية الألفية الجديدة، لكنه لم يكتفِ بإلقاء القصائد في الأمسيات والمناسبات القبلية والوطنية، بل اتجه إلى توظيف الإعلام الرقمي والمنصات الحديثة في نشر شعره، ما مكّنه من الوصول إلى جمهور واسع من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية. اعتمد على مواضيع تلامس واقع المواطن، مثل قضايا الوطن، والبطالة، والغلاء، والتعليم، والهوية، بالإضافة إلى الشعر الوجداني والغزلي.
كانت مشاركته في برنامج “شاعر المليون” في موسمه الثالث عام 2009 علامة فارقة في مسيرته، حيث أصبح أول شاعر سعودي يفوز باللقب في هذا البرنامج الشعري الشهير، الذي يُعد من أهم المنصات للشعر النبطي في العالم العربي. شكل فوزه باللقب تتويجاً لمسيرته واعترافاً رسمياً وشعبياً بموهبته الفذة. وقد تميز خلال مشاركته بالحضور القوي، والقدرة على مخاطبة الجمهور، والاحتراف في الأداء الشعري.
السمات الفنية في شعره
1. اللغة الشعرية
يتسم شعر زياد بن نحيت بلغة تجمع بين البساطة والجزالة، حيث يستخدم اللهجة النبطية بأسلوب سهل ممتنع، يجعل قصائده مفهومة لعامة الناس، دون أن يفقدها عمقها البلاغي. يُعرف عنه اعتناؤه بالصور الشعرية والمعاني المركبة، ويتميز بتوازن دقيق بين الشكل والمضمون.
2. الموضوعات
يندرج شعره تحت ما يُعرف بـ”الشعر الاجتماعي”، إذ يركز على قضايا تهم المجتمع السعودي والعربي، وقد تناول في قصائده موضوعات مثل: الوطنية، الهوية، الأخلاق، الشباب، المرأة، الفقر، والمستقبل. كما لا يخلو شعره من الرثاء والمديح والغزل، لكنه يتميز بطابع نقدي واضح، يستخدم فيه السخرية أحياناً، والرمز أحياناً أخرى.
3. الرمزية والتورية
أجاد زياد استخدام الرمزية في شعره، دون أن يسقط في الغموض، فغالباً ما يحمل بيته الشعري أكثر من معنى، مما يجعله موضوعاً للتأويل والقراءة المتكررة. يعتمد كذلك على التورية، والتضمين، والاقتباسات من الموروث الشعبي والديني والتاريخي.
التأثير الإعلامي والثقافي
لم يكن زياد بن نحيت مجرد شاعر، بل كان أيضاً شخصية إعلامية مؤثرة، حيث وظف منصات الإعلام التقليدي والرقمي لنشر أشعاره، وشارك في العديد من البرامج التلفزيونية، والحوارات الصحفية، والندوات الثقافية. كما أنشأ قنواته على يوتيوب وتويتر وغيرها من المنصات التي ساهمت في انتشار أشعاره لدى الجمهور، خصوصاً الشباب.
وقد عُرف عن زياد بن نحيت انخراطه في القضايا الوطنية، لا سيما فيما يتعلق بوحدة الوطن، ودعم القيادة، ومكافحة الفكر المتطرف، والدفاع عن صورة الإسلام المعتدل. وكان له حضور لافت في المناسبات الوطنية، مثل اليوم الوطني السعودي، وحفلات الجنادرية، والمهرجانات الثقافية الكبرى.
الانسحاب المؤقت والعودة
في عام 2018 أعلن زياد بن نحيت انسحابه المؤقت من الساحة الشعرية والإعلامية، حيث صرح في مقابلة بأنه يشعر بالحاجة إلى التفرغ لأسرته، ومراجعة مسيرته، بعيداً عن الأضواء والضجيج الإعلامي. أثار هذا القرار مفاجأة بين جمهوره، خاصة أنه جاء في أوج شهرته.
لكن بعد فترة قصيرة، عاد إلى الساحة من جديد، بأعمال شعرية متميزة، ومشاركات محدودة، ركز فيها على النوعية بدلاً من الكمية، وحرص على أن تكون مشاركاته أكثر تأثيراً وعمقاً.
الجوائز والإنجازات
حصل زياد بن نحيت على عدد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الشعرية، أبرزها:
-
لقب شاعر المليون (2009)، وهو أهم جائزة في مجال الشعر النبطي.
-
تكريمه في عدد من الفعاليات الوطنية داخل السعودية وخارجها، تقديراً لدوره في تعزيز الهوية الثقافية.
-
تقديرات إعلامية من قنوات وصحف عربية كأحد أهم شعراء جيله.
نشاطه العائلي والاجتماعي
زياد بن نحيت يُعرف أيضاً كأب لأحد أشهر الأطفال في المملكة، وهو نايف بن زياد بن نحيت، الذي اشتهر بإلقاء القصائد الوطنية في المناسبات، وكان له ظهور إعلامي واسع. وقد شجع زياد ابنه على الشعر منذ صغره، مما أسهم في بروز جيل جديد من الشعراء الصغار.
إضافة إلى ذلك، يحرص زياد على المشاركة في الفعاليات الخيرية، والدعوة إلى التسامح والتعايش، وله مواقف واضحة في رفض خطاب الكراهية والتطرف، مما أكسبه احتراماً واسعاً في الأوساط الثقافية والاجتماعية.
أثره في الشعر النبطي المعاصر
لا يمكن الحديث عن الشعر النبطي الحديث دون الإشارة إلى زياد بن نحيت كأحد أبرز رموزه. فقد ساهم في تحديث القصيدة النبطية من خلال:
| البعد الأدبي | أثر زياد بن نحيت |
|---|---|
| الشكل الفني | اعتماد التوازن بين الوزن التقليدي والإيقاع الحديث |
| الموضوعات | توسيع مجالات القصيدة لتشمل قضايا اجتماعية ووطنية معاصرة |
| الأداء | استخدام أدوات الإعلام والتكنولوجيا في الأداء والتفاعل |
| اللغة | لغة بسيطة عميقة في ذات الوقت، تصل للجميع دون تعقيد |
| التأثير الشعبي | جذب جمهور جديد من الشباب والمتابعين غير التقليديين |
لقد ساعد في نقل الشعر النبطي من دائرة ضيقة محصورة في القبيلة والمجالس الخاصة إلى فضاء أوسع يشمل المنابر الثقافية والإعلامية، مما أتاح له أن يلعب دوراً تثقيفياً وتوعوياً إلى جانب كونه تعبيراً فنياً.
الحضور في الإعلام الرقمي
زياد بن نحيت كان من أوائل الشعراء الذين أدركوا أهمية الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي في إيصال الشعر للجمهور، فأنشأ حسابات رسمية على المنصات الكبرى، ونشر مقاطع فيديو احترافية لقصائده، وساهم في تأسيس توجه جديد في الشعر النبطي يعتمد على التفاعل المباشر مع الجمهور.
وقد شكلت هذه المنصات مساحة جديدة للتجريب والتواصل، ما جعله أكثر قرباً من الناس، خصوصاً فئة الشباب التي وجدت فيه صوتاً معبّراً عن طموحاتها وتحدياتها.
الختام
تمثل تجربة زياد بن نحيت نموذجاً متميزاً للشاعر المعاصر الذي لم يتخلَّ عن جذوره وتراثه، لكنه في الوقت ذاته لم يتقوقع داخل القوالب التقليدية، بل سعى إلى تطوير أدواته، وتوسيع دائرة تأثيره، والمساهمة في تشكيل وعي ثقافي يتسم بالانفتاح والوعي. وبفضل قدرته على الجمع بين الكلمة الشعرية والإعلام الذكي، استطاع أن يحافظ على مكانته كشاعر جماهيري، ووجه ثقافي مؤثر في المشهد السعودي والعربي.
ورغم تغير الأذواق وتبدل الأولويات الثقافية، يظل زياد بن نحيت حاضراً بقوة في الذاكرة الجمعية للشعر النبطي، ليس فقط كصاحب قصائد جميلة، بل كرمز لفترة مهمة من تطور هذا الفن الشعبي العريق.
المصادر:
-
الموقع الرسمي لبرنامج شاعر المليون – أبو ظبي للإعلام.
-
صحيفة الرياض – لقاءات مع زياد بن نحيت وأخبار مشاركاته.
