أحكام الصلاة في المذهب المالكي

أحكام الصلاة في المذهب المالكي

تُعد الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي من أهم العبادات التي تجب على المسلم وتُقام في أوقاتها المعلومة. وقد أولى المذهب المالكي عناية فائقة بأحكام الصلاة، من حيث شروطها وأركانها وسننها ومبطلاتها، وكذلك كيفية أدائها في الظروف المختلفة. وينفرد المالكية ببعض التفاصيل الفقهية الخاصة التي تميزهم عن غيرهم من المذاهب الأربعة الأخرى، من خلال اعتمادهم على أدلة متنوعة من القرآن والسنة، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والاستحسان، وسد الذرائع.

يُبنى هذا المقال على عرض شامل مفصل لأحكام الصلاة وفق المذهب المالكي، ابتداء من شروط الصلاة مرورا بأركانها وسننها، ووصولاً إلى النوافل، وأحكام الإمام والمأموم، وبعض الحالات الخاصة كالصلاة في السفر والخوف والمرض، مع الاستدلال الفقهي والتفصيل العملي.

أولاً: شروط الصلاة في المذهب المالكي

في الفقه المالكي، تُشترط شروط سبعة لصحة الصلاة، وهي:

1. الطهارة من الحدثين: فلا تُقبل الصلاة بدون طهارة تامة من الحدث الأصغر (بالوضوء) أو الحدث الأكبر (بالغُسل).

2. طهارة البدن والثوب والمكان: فلا تجوز الصلاة مع وجود نجاسة حسية في أي من هذه الثلاثة.

3. ستر العورة: وتُعد العورة في الرجل ما بين السرة والركبة، أما المرأة فكل جسدها عورة ما عدا الوجه والكفين، وهناك تفصيل في المرأة بين الصلاة داخل البيت وخارجه.

4. استقبال القبلة: ويُستثنى من ذلك من عجز أو في صلاة الخوف أو في السفر على الراحلة.

5. دخول الوقت: فلا تُقبل الصلاة قبل دخول وقتها، وهذا الشرط أساسي لفرض الصلاة.

6. النية: لا تصح الصلاة بدون نية سابقة، والنية عند المالكية محلها القلب، ولا يُشترط التلفظ بها.

7. عدم وجود مانع شرعي: ككون المرأة حائضاً أو نفساء، أو كون الشخص في حالة غيبوبة.

ثانياً: أركان الصلاة عند المالكية

حدد المالكية 14 ركناً لا تصح الصلاة بدونها، وهي كما يلي:

ثالثاً: سنن الصلاة المؤكدة والمندوبات

يُفرّق المالكية بين السنن المؤكدة والمندوبات، ويُقصد بها الأفعال التي لو تركها المصلي عمدًا لا تبطل صلاته، ولكن فاته الأجر الكامل، وقد يأثم بترك المؤكد منها.

من أهم السنن المؤكدة:

• الجهر في مواضع الجهر والإسرار في مواضع الإسرار.

• قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين.

• التكبيرات غير تكبيرة الإحرام.

• التسبيح في الركوع والسجود.

• التشهد الأول.

• الجلوس له.

• الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير.

من المندوبات:

• وضع اليدين أثناء القيام على الصدر.

• رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام فقط.

• الدعاء بعد التشهد الأخير قبل السلام.

• النظر إلى موضع السجود.

• تحريك الإصبع اليمنى عند ذكر اسم الله في التشهد.

رابعاً: مبطلات الصلاة في المذهب المالكي

تُبطل الصلاة في المذهب المالكي بأمور عديدة، نذكر منها:

• تعمد ترك ركن من أركان الصلاة.

• الضحك بصوت.

• الكلام العمد بغير ذكر أو دعاء مشروع.

• الحركة الكثيرة التي تخل بهيئة الصلاة.

• الأكل أو الشرب عمداً.

• ترك النية أو تكبيرة الإحرام أو أي ركن.

• وجود حدث أو نجاسة بعد دخول الصلاة.

أما السهو والنسيان في الصلاة، فلها أحكام خاصة يُعالجها سجود السهو الذي يأتي في نهاية الصلاة بحسب حال السهو، وسجود السهو عند المالكية فيه تفصيل سنذكره لاحقاً.

خامساً: سجود السهو في المذهب المالكي

يُعتبر سجود السهو واجبًا عند المالكية في بعض الحالات، ويكون بعد السلام غالبًا، ويمكن أن يكون قبله إذا كان السهو متعلقًا بزيادة في الصلاة. وأشهر مواضعه:

• ترك سنة مؤكدة.

• الشك في عدد الركعات مع غلبة الظن.

• الزيادة في عدد الركعات أو الأفعال.

• ترك التشهد الأول أو بعضه.

ويجب فيه السجود سجدتين، ثم الجلوس، ثم السلام لمن كان السجود قبله، أو السلام بعدهما لمن كان السجود بعد السلام.

سادساً: النوافل في المذهب المالكي

النوافل عند المالكية متعددة الأنواع، منها المؤكد كراتبة الفجر، ومنها غير المؤكد كسائر الرواتب، ويُستحب الإكثار منها لأنها جبر لما ينقص من الفريضة.

من النوافل المهمة:

• صلاة الوتر: وهي ركعة واحدة بعد الشفع، وقتها بعد صلاة العشاء إلى الفجر.

• صلاة الضحى: وقتها بعد شروق الشمس بنحو ربع ساعة حتى قبيل الظهر.

• قيام الليل: ويُستحب في جميع ليالي السنة.

• تحية المسجد: ركعتان عند دخول المسجد لمن لم يكن الفرض قائماً.

• الرواتب: قبل وبعد الصلوات المفروضة باستثناء المغرب والعصر التي ليس لهما سنة قبلية عند المالكية.

سابعاً: أحكام الإمام والمأموم

الإمام:

• يجب أن يكون الإمام حافظًا لما يُصلي به.

• لا يجوز ائتمام من هو أقرأ بمن هو أقل قراءة.

• يُستحب أن يكون الإمام أفقه القوم.

• يجب أن يكون مسلمًا، بالغًا، عاقلاً، طاهرًا، ذَكرًا.

المأموم:

• يُلزم بمتابعة الإمام، فلا يسبق الإمام في أفعاله.

• يتحمل الإمام القراءة عن المأموم.

• إذا أدرك الإمام في الركوع، اعتُبرت له الركعة.

• إذا سها الإمام، يتابعه المأموم في سجود السهو.

ثامناً: الصلاة في الظروف الخاصة

1. الصلاة في السفر:

• يجوز القصر في الرباعية إلى ركعتين.

• لا تُقصر المغرب ولا الفجر.

• يشترط أن يكون السفر مباحًا وطوله 80 كم تقريبًا.

• الجمع بين الصلاتين جائز للحاجة، لكن المالكية لا يُجوّزونه إلا في السفر الحقيقي.

2. صلاة الخوف:

• تؤدى حسب الظروف الأمنية للمصلين.

• وردت فيها كيفيات متعددة في السنة النبوية.

• المالكية يُجيزون أداءها بأي كيفية تُحقق الأمن للمصلين.

3. صلاة المريض:

• يصلي المريض قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه.

• فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما.

• تسقط عنه بعض الأركان بحسب حاله دون أن تسقط عنه الصلاة نفسها.

تاسعاً: أوقات الصلاة والمكروهات

حدد المالكية أوقات الصلاة كما وردت في السنة، ولكن لهم تفصيل خاص في:

• الظهر: يبدأ عند الزوال ويمتد حتى يصير ظل كل شيء مثله.

• العصر: عند مصير ظل كل شيء مثله ويمتد حتى غروب الشمس.

• المغرب: من غروب الشمس حتى مغيب الشفق الأحمر.

• العشاء: من مغيب الشفق حتى نصف الليل.

• الفجر: من طلوع الفجر الصادق حتى طلوع الشمس.

ويُكره عند المالكية:

• تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر.

• الصلاة عند شروق الشمس، وعند الغروب، وعند الاستواء.

• الصلاة في الحمامات أو المقابر أو أعطان الإبل.

عاشراً: صلاة الجماعة والجمعة

صلاة الجماعة:

• سنة مؤكدة للرجال.

• تُقام في المساجد جماعة خمس مرات يوميًا.

• لا تجب على النساء، لكن تُستحب لهن بشرط عدم التبرج.

صلاة الجمعة:

• لا تصح إلا بشروط:

  • حضور أربعين رجلاً من أهل البلد.

  • أن تُقام في مسجد جامع.

  • أن يسبقها خطبتان.

• لا تجب على المسافر ولا المريض.

• إذا لم تُقم الجمعة، صُلِّيت الظهر بدلًا عنها.

الخاتمة

أحكام الصلاة في المذهب المالكي تنبع من فهم دقيق لنصوص الوحي، واتباع منهج السلف الصالح في التطبيق العملي. وقد راعى المالكية في فقههم خصوصيات الحياة الاجتماعية والبيئية للمجتمع المدني في عهد الصحابة، مما أكسب اجتهاداتهم توازناً بين النص والمصلحة، وبين الثبات والتيسير. وفهم هذه الأحكام بدقة يُساعد المسلم على إقامة صلاته كما أمر الله تعالى، وكما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

المراجع:

1. “المدونة الكبرى”، للإمام مالك بن أنس برواية سحنون.

2. “الشرح الكبير على مختصر خليل”، للإمام الدردير.