كيف تكون صاحب أعمال ناجح وتبقى شريكًا جيدًا في البيت كأب أو أم

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة اليومية وتتعاظم فيه التحديات المهنية والعائلية على حد سواء، يُعد تحقيق التوازن بين النجاح في العمل وبين الحفاظ على دور فعّال وداعم داخل الأسرة من أعقد المهام التي يواجهها الإنسان المعاصر. إن الجمع بين حياة مهنية ناشطة وشغوفة وبين القيام بمهام الأبوة أو الأمومة بشكل مسؤول يتطلب وعيًا عميقًا، وتنظيمًا دقيقًا للوقت، ومهارات قيادية وإنسانية متقدمة.

فالشخص الناجح في مجال ريادة الأعمال قد يكون قدوة في الطموح والإنجاز، ولكنه في المقابل قد يجد نفسه مهددًا بفقدان الروابط العائلية إن لم يُحسن إدارة حياته الشخصية. ومن هذا المنطلق، سنناقش في هذا المقال، بمزيد من التفصيل والتوسّع، الأسس النظرية والتطبيقية التي يمكن أن تساعد رجل الأعمال أو سيدة الأعمال على التوفيق بين النجاح المهني والنجاح الأسري في آنٍ واحد.

أولًا: فهم الدورين وتقدير أهميتهما

لا يمكن أن يُبنى أي توازن حقيقي دون الاعتراف بأن كلاً من النجاح المهني والأسري له وزنه الخاص وقيمته. فريادة الأعمال ليست مجرد مهنة، بل هي نمط حياة يتطلب الجهد والتركيز والتفاني. في المقابل، الأبوة أو الأمومة ليست مجرد مهمة عابرة، بل هي مسؤولية مستمرة تنطوي على التربية والرعاية والدعم العاطفي والمشاركة في بناء شخصيات الأبناء.

في مجتمعاتنا الحديثة، تتعاظم أهمية كلا الجانبين، حيث لم تعد الأسرة مجرد خلفية اجتماعية للإنجاز المهني، بل أصبحت عاملًا مؤثرًا في استقراره ودوامه، والعكس صحيح. فالعائلة المتماسكة تمنح القوة والدعم، بينما يغذي النجاح المهني الإحساس بالرضا ويُحسن جودة الحياة لكل أفراد الأسرة.

ثانيًا: مهارة إدارة الوقت كجسر للتوازن

يُعد تنظيم الوقت من أهم المهارات التي يجب أن يتحلى بها أي رائد أعمال يطمح للعب دور إيجابي داخل بيته. في ظل الانشغال الدائم بالمشاريع والصفقات والاجتماعات، قد يصبح من السهل التغاضي عن الحضور الفعلي داخل المنزل.

لحسن الحظ، فإن أدوات إدارة الوقت المعاصرة (مثل تطبيقات التذكير، وتقويمات جوجل، وتقنيات بومودورو، ومصفوفة أيزنهاور) تتيح فرصًا أكبر لتخطيط الوقت بشكل فعّال. على سبيل المثال:

المرونة هي المفتاح. من غير الممكن أن يُقسّم الوقت بشكل صارم دائمًا، ولكن يجب السعي الدائم لتخصيص وقت نوعي للأسرة. فساعة واحدة من التفاعل الحقيقي مع الأبناء أكثر نفعًا من يوم كامل يُقضى في الغياب الذهني.

ثالثًا: إعادة تعريف النجاح

غالبًا ما يُنظر إلى النجاح المهني من زاوية الأرباح والمكانة الاجتماعية، بينما يُغفل عن عناصر النجاح الشخصي والأسري. من المهم لرائد الأعمال أن يُعيد تعريف النجاح بما يشمل جودة علاقاته الأسرية، ومقدار الحب والدعم المتبادل، ورفاهية أطفاله واستقرار زواجه أو علاقته الأسرية.

النجاح المتكامل لا يُقاس فقط بحجم المشاريع أو عدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، بل بمدى قدرة الفرد على أن يكون قائدًا مُلهمًا في العمل، ومصدرًا للأمان والحب في البيت.

رابعًا: تنمية الذكاء العاطفي

الذكاء العاطفي يمثل حجر الزاوية في النجاح على المستويين المهني والشخصي. فالقدرة على التعاطف، وفهم المشاعر، وإدارة الانفعالات، والتحكم في الضغوطات تمكّن الشخص من بناء علاقات صحية داخل بيئة العمل والمنزل معًا.

في البيت، يُترجم الذكاء العاطفي إلى إصغاء فعّال لشريك الحياة، وفهم احتياجات الأبناء في كل مرحلة عمرية، ومعالجة التوترات العائلية بروح بنّاءة. وفي العمل، يساعد هذا الذكاء على بناء فرق ناجحة، وتحقيق أداء مرتفع، واتخاذ قرارات عقلانية متزنة.

خامسًا: إشراك العائلة في الرؤية المهنية

من التقنيات الفعالة في بناء توازن مستدام بين العمل والأسرة، إشراك أفراد العائلة في بعض جوانب الحياة المهنية. ليس بالضرورة أن يكونوا شركاء فعليين، ولكن إطلاعهم على الأهداف والطموحات والتحديات يعزز شعورهم بالمشاركة والانتماء.

كما يمكن في بعض الأحيان اصطحاب الأبناء إلى العمل أو تعريفهم على طبيعة المهنة، مما يعزز الروابط ويكسر الحواجز النفسية التي قد تنشأ بسبب الغياب الطويل للأب أو الأم. كذلك يمكن إشراك شريك الحياة في بعض القرارات المرتبطة بالأعمال، مما يمنح العلاقة الزوجية بُعدًا استراتيجيًا وتكافليًا.

سادسًا: بناء روتين عائلي مستقر

الروتين العائلي لا يُعد فقط وسيلة للراحة النفسية للأطفال، بل هو نظام يُعيد ضبط البوصلة العاطفية للعائلة بأكملها. ينبغي لرواد الأعمال الحرص على تثبيت بعض الطقوس اليومية أو الأسبوعية التي لا يتم التفريط بها، مهما كانت مشاغل الحياة.

من أمثلة ذلك:

• عشاء جماعي يومي أو أسبوعي.

• قراءة قصص قبل النوم للأبناء.

• نزهة عائلية أسبوعية.

• تخصيص وقت للحوار بين الزوجين دون هواتف أو مقاطعات.

هذه الأنشطة، على بساطتها، تخلق لحظات دفء وارتباط تُرسي أسسًا قوية للعلاقات العائلية وتمنح أفرادها شعورًا بالأمان والانتماء.

سابعًا: العناية بالصحة النفسية والبدنية

العمل المتواصل والمجهود العقلي الكبير قد يسبب الإنهاك والإرهاق، مما ينعكس سلبًا على جودة العلاقة داخل البيت. لذلك من الضروري أن يُخصص رائد الأعمال وقتًا منتظمًا لممارسة الرياضة، والحصول على نوم كافٍ، ومتابعة حالته النفسية بشكل دوري.

الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية لا يُعد رفاهية، بل ضرورة لخلق بيئة مستقرة ومتزنة داخل المنزل. فالأب أو الأم الذين يتمتعون بصحة جيدة يكونون أكثر قدرة على منح الحب والرعاية، وأكثر قدرة على تحمل ضغوط العمل دون أن يُسقطوها على أسرهم.

ثامنًا: التحلي بالمرونة والقدرة على التكيف

العقبات لا مفر منها في أي مسار مهني أو عائلي. لكن المفتاح هو في القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة دون الإخلال بالتوازن العام. في بعض الأحيان، يتطلب الأمر إعادة هيكلة العمل بما يتلاءم مع متطلبات الأسرة، أو العكس.

فالتنازلات المرحلية ليست دليل ضعف، بل مؤشر على النضج والقدرة على ترتيب الأولويات. على سبيل المثال، قد يختار أحد الوالدين تقليص حجم العمل مؤقتًا لمرافقة أحد الأبناء خلال فترة حرجة من حياته، أو لتجاوز أزمة عائلية، ثم العودة بقوة لاحقًا إلى الساحة المهنية.

تاسعًا: توكيل المهام وتفويض الصلاحيات

رائد الأعمال الناجح لا يُفترض به أن يقوم بكل شيء بنفسه، سواء في العمل أو المنزل. بناء فريق موثوق داخل الشركة يتيح له تركيز وقته وجهده على الأمور الجوهرية، كما أن مشاركة المسؤوليات المنزلية مع شريك الحياة يُسهم في خلق توازن عادل ومستدام.

فيما يلي جدول يوضح نماذج لتفويض المهام:

توكيل المهام لا يعني التخلي عن المسؤولية، بل هو تعبير عن الثقة وتوسيع لدائرة التأثير والفعالية.

عاشرًا: تبنّي فلسفة التوازن الديناميكي

من المهم إدراك أن التوازن بين العمل والأسرة لا يكون دائمًا ثابتًا، بل هو حالة ديناميكية تتغير تبعًا للظروف. في بعض الفترات، قد يحتاج العمل إلى تركيز أكبر، وفي أوقات أخرى تكون الأسرة أولى بالرعاية والاهتمام.

النجاح الحقيقي يكمن في معرفة اللحظة المناسبة لتغيير التركيز دون أن يشعر أحد الطرفين بالإهمال. وهذا يتطلب وعيًا دائمًا وتقييمًا مستمرًا لسير الأمور من كلا الجانبين.

المصادر والمراجع:

• Covey, S. R. (1989). The 7 Habits of Highly Effective People. Free Press.

• Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ. Bantam Books.